في أول خطاب لها كوزيرة للخزانة في بريطانيا، أكدت راشيل ريفز التركيز الشديد للحكومة الجديدة على تحقيق النمو الاقتصادي على المدى الطويل، معتبرة ذلك «مهمة وطنية».

ونظراً لتباطؤ الإنتاجية لأكثر من عقد، فإن الوعود بدفع النمو تبدو أقل أهمية من الخطة الرامية لتحقيقه.

ولا تزال استراتيجية النمو لحزب العمال في مراحلها الأولية، لكن بوسعنا رؤية لمحات منها في برنامج الحزب وإعلاناته المبكرة ويتمثل أحد العناصر الأساسية في إطلاق العنان للاستثمار، ومن دون زيادات مستمرة في الإنفاق الرأسمالي العام والخاص، ستظل المهمة الوطنية لحزب العمال حلماً بعيد المنال.

وعلى مدى 24 عاماً من الأعوام الثلاثين الماضية، تراجعت المملكة المتحدة إلى المرتبة الأدنى بين مجموعة السبع من حيث إجمالي الاستثمار، لذلك، هناك حاجة إلى الاستثمار لتحديث البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية والطاقة، وتحفيز الابتكار، وهذا من شأنه أن يعزز نمو الإنتاجية والأجور.

إلا أن مشكلة الاستثمار في بريطانيا متعددة الأوجه، ولا يمكن لأي رافعة وحيدة حل هذه المشكلة. هنا، من المهم الإشارة إلى 3 محفزات يمكن أن توفر لحزب العمال فرصة قوية للنجاح، وهي استقرار البيئة السياسية، وخلق فرص الاستثمار، وتعبئة الأموال.

وقد بدأت الحكومة في تحقيق الهدف الأول إلى حد ما، فقد كان «الاستقرار» نقطة محورية في رسائل حملتها الانتخابية، كما أن أغلبيتها الكبيرة تعزز جاذبية بريطانيا للمستثمرين في مقابل حالة من عدم اليقين السياسي المستمرة في دول مماثلة. ويعزز تسريع التعيينات والإعلانات المبكرة للسياسات ثقة المستثمرين.

إن العديد من المستثمرين ما زالوا بحاجة إلى الوضوح حيال جوانب أخرى من أجندة حزب العمال قبل تقديم الالتزامات، ويتلخص أحدها في كيفية تخطيط الحزب لتحسين العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.

ويتمثل جانب آخر في كيفية عمل الهيئات المقررة حديثاً على أرض الواقع، مثل مكتب الابتكار التنظيمي الذي يهدف لتسريع القرارات التنظيمية، كما يسعى المستثمرون للحصول على ضمانات بشأن خطط الحكومة تجاه ضريبة أرباح رأس المال، وسط مخاوف البعض من زيادتها.

وبجانب الاستقرار، تحتاج بريطانيا إلى خلق فرص استثمارية، وقد بدأت الحكومة بداية واعدة في هذا الصدد. فقد أوضحت ريفز الجهود المبذولة لإصلاح نظام التخطيط المتعثر في البلاد.

ويتضمن ذلك خططاً جديرة بالثناء لزيادة أهمية الفوائد الاقتصادية في تقييم خطط التنمية، وتقديم الدعم عبر مزيد من مسؤولي التخطيط ومراجعة الإطار الوطني لسياسة التخطيط وحال مساهمة ذلك في تبسيط النظام، فستتم إزالة عائق كبير أمام الاستثمار عبر القطاعات. ويتمثل عائق آخر في نقص المهارات، ما يستلزم من الحكومة تصميم نظم تدريب أكثر مرونة.

وأخيراً، لتسريع وتيرة الاستثمار، تحتاج الحكومة إلى تحسين كيفية توجيه الموارد المالية. وقد حذرت ريفز في خطابها من الوضع المزري للمالية العامة، مشددة على أهمية الاستفادة من مصادر التمويل الخاص للاستثمار.

ومن الأمور المشجعة الإعلان عن صندوق للثروة الوطنية بقيمة 7.3 مليارات جنيه استرليني، والذي سيوفر تمويلاً أساسياً لدعم استثمارات القطاع الخاص.

واقترح فريق العمل التابع للصندوق، توسيع الاستثمارات في «قطاعات أوسع»، بما يتجاوز التركيز الأولي على إزالة الكربون، وإرساء الاستقلال التشغيلي عن الحكومة.

وطالما أن هذا النهج يتجنب الاستثمارات العشوائية صغيرة النطاق، فإنه يبدو معقولاً.

في الوقت نفسه، يجب على الحكومة متابعة الجهود لإطلاق العنان لمدخرات المعاشات التقاعدية الهائلة في البلاد لاستثمار رأس المال، ويتمثل مصدر التمويل الآخر في الاستثمار الأجنبي، حيث يمكن أن تساعد «خدمة الكونسيرج» المستثمرين المحتملين على تجاوز المسائل التنظيمية وتعزيز جاذبية البلاد.

ولتجاوز عقود من نقص الاستثمار، سيتعين على الحكومة إدارة العديد من المسؤوليات في وقت واحد. وقد حققت بداية جيدة، لكن إذا كانت ستمول تجديد الخدمات العامة من خلال النمو الاقتصادي، فإن تنفيذ كل جوانب أجندة الاستثمار سيكون حاسماً.