يضع أنصار الدولة في الصين الرئيس شي جين بينغ في مصاف النخبة، بل وعلى قدم المساواة مع الزعيم القوي ماو تسي تونج، مؤسس الجمهورية الشعبية.
لكن الرئيس الصيني أظهر هذا الأسبوع أنه أكثر قرباً إلى القائد الأعلى السابق دنغ شياو بينغ، الذي أدت إصلاحاته «التاريخية في عام 1978 إلى انفتاح الصين على قوى السوق، وذلك وفقاً لوثيقة القرارات الصادرة عن اجتماع السياسات الرئيسي للحزب، الذي يسمى «الجلسة الكاملة الثالثة»، والذي يعقد مرة كل 5 سنوات.
وقال وين تي سونغ، المحلل في المجلس الأطلسي إن «الوثيقة أومأت نحو دنغ شياو بينغ أكبر مما كنت أتوقعه مسبقاً»، مضيفاً أن البيان كان يهدف إلى طمأنة الشركات والمستهلكين الذين يشعرون بالقلق إزاء الاقتصاد الصيني.
وقال المحللون إنه إذا كانت الجلسة الكاملة السابقة التي عقدها دنغ قبل 46 عاماً أسهمت في إحداث تغيير جذري داخل اقتصاد متعثر خاضع لسيطرة الدولة، فإن اجتماع هذا العام الذي استمر 4 أيام، لم يكن مرضيا لخبراء الاقتصاد الذين كانوا يأملون في حدوث تحول هيكلي نحو الاستهلاك لإنعاش الطلب الضعيف.
وتضمنت الوثيقة النهائية 60 قسماً فرعياً وأكثر من 300 إصلاح مقترح، لكنها لم تقدم سوى القليل من التعهدات بتعزيز التدخل الحكومي لمعالجة الانكماش العقاري الذي طال أمده.
بدلاً من ذلك، شرح شي رؤيته المتعلقة بالاستثمار الضخم في التصنيع المتقدم، والذي يشار إليه بـ«القوى الإنتاجية الجديدة عالية الجودة» في مصطلحات الحزب، وتجاهل المخاوف الخارجية من زيادة الإنتاج في الصين، الذي يخلق طوفاناً من الصادرات ويؤجج التوترات التجارية.
وأشارت الوثيقة النهائية للجلسة الكاملة الثالثة إلى المصطلحات المتعلقة بالتكنولوجيا والموهبة والعلوم والابتكار 160 مرة. في المقابل، تم الإشارة إلى قطاع العقارات 4 مرات فقط، ولم يتم ذكره إلا قرب نهاياتها.
وقال روبن شينغ، كبير خبراء الاقتصاد المختصين بالصين في بنك مورغان ستانلي إن «مسائل مثل الاكتفاء الذاتي في سلاسل التوريد والابتكار التكنولوجي ربما تهيمن على غالبية كلمات الوثيقة البالغ عددها 22 ألف كلمة.. ما يعني أنها تعد أولوية قصوى».
كما تضمنت الوثيقة بعض الحوافز للقطاع الخاص ومبادرات رامية لإعادة التوازن المالي للحكومات المحلية الصينية المثقلة بالديون.
لكن يظل الهدف الأسمى لبكين هو «التجديد العظيم للأمة الصينية»؛ حيث ذكرت الوثيقة أنه سيتحقق من خلال تعزيز «الاكتفاء الذاتي علمياً وتكنولوجياً» وسط «وضع عالمي معقد»، في إشارة إلى التوترات الجيوسياسية مع الولايات المتحدة، حسبما قال المحللون. وكتبت أليسيا غارسيا - هيريرو، كبيرة خبراء الاقتصاد لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ في ناتيكسيس، في مذكرة تحليلية أنه «من الواضح أن القيادة الصينية راضية تماماً عن نموذج النمو المرتكز إلى العرض، بغض النظر عن الانتقادات العالمية»، وأضافت «يريد شي جين بينغ من الصين تقليل اعتمادها على التكنولوجيا الأمريكية وتعزيز الإنتاجية». ويحضر الجلسة الكاملة الثالثة للجنة المركزية للحزب الشيوعي، والتي تعقد كل 5 سنوات، نحو 400 مسؤول، وتستغل عادة للإعلان عن السياسات الهامة في الأمدين المتوسط والطويل.
وأشار أكاديميون صينيون إلى أن خلفية الاجتماع المغلق هذا العام هي تفاقم التحديات المتعلقة بالنمو في الصين، وأضافوا أن شي يحتاج إلى تحقيق معدل نمو اقتصادي سنوي يتراوح بين 4.5 % و5 % لتحقيق الهدف المتمثل في «التحديث على الطريقة الصيني»، أو مضاعفة دخل الفرد إلى نحو 25 ألف دولار بحلول عام 2035.
وانخفض معدل النمو خلال الربع الثاني إلى 4.7 % على أساس سنوي، وتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضه إلى أقل من 4 % في السنوات المقبلة.
وأضح ليو تشياو، عميد كلية جونغهوا لإدارة الأعمال بجامعة بكين، أنه من خلال التركيز على التكنولوجيا والاستثمار في البنية التحتية وتعزيز التحول الأخضر والقدرات الرقمية في قطاع التصنيع الضخم، الذي يمثل نحو 28 % من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بـ 10.7 % في الولايات المتحدة، يمكن للصين الحفاظ على مستويات إنتاجية أعلى من الاقتصادات الصناعية الأخرى.
وهذا من شأنه أن يساعد في توليد نمو أعلى والتغلب على الأعباء الاقتصادية الناجمة عن التراجع الديموغرافي في الصين.
وخلال الجلسة الكاملة الثالثة الافتتاحية لشي كأمين عام للحزب في عام 2013، أثار حماسة الشركات من خلال تعهده «بالاستفادة الكاملة من دور السوق الحاسمة في تخصيص الموارد»، وهي آمال تبددت لاحقاً عندما عزز دور الشركات المملوكة للدولة.
وتكرر مصطلح «الدور الحاسم» مرة أخرى هذا العام، ولاحظ الأكاديميون الصينيون أنه أصبح الآن مرتبطاً بمبادرات تهدف لدعم القطاع الخاص في البلاد.
وقال وانغ يونغ، نائب عميد معهد الاقتصادات الهيكلية الجديدة بجامعة بكين، إن هذه المبادرات تشمل ضمان منح كيانات القطاع الخاص فرص متساوية للحصول على القروض، والسماح لها بالمشاركة في المشروعات الحكومية المهمة، وتعزيز دورها في البحث، واعتبر هذه الخطوات بمثابة «إشارات إيجابية».
كما اقترحت وثيقة الجلسة الكاملة الثالثة اتخاذ تدابير لرأب الفجوة المالية في الإيرادات والإنفاق بين الحكومة المركزية والحكومات المحلية، التي استنزفت مواردها بسبب أزمة العقارات. وتضمنت الإجراءات توسيع مصادر الإيرادات الضريبية المحلية، وتحسين التحويلات المالية من الحكومة المركزية إلى الحكومات المحلية، وزيادة حصة الحكومة المركزية في الإنفاق.
وتضمنت الوثيقة إجراءات لتعزيز التوسع الحضري وتحسين نظام الرعاية الاجتماعية بالبلاد؛ حيث يعتقد خبراء الاقتصاد أنها ضرورية لتعزيز ثقة الأسر في إنفاق المزيد من مدخراتهم.
ويتضمن ذلك تيسير نظام تسجيل الأسر (هوكو)، الذي يحد من وصول العمال المهاجرين من المناطق الريفية إلى الخدمات العامة الشاملة في المدن الصينية. وعلّق شينغ من بنك مورغان ستانلي قائلاً: «لقد شهدنا لهجة أكثر توازناً إلى حد ما حيال برامج الرعاية الاجتماعية»، في إشارة إلى مقترحات «هوكو»، التي يشعر أنها قد تفيد الاستهلاك على المدى الطويل. لكنه يرى أن الوثيقة «عامة للغاية وتفتقر إلى جدول زمني واضح للتنفيذ والتمويل».
أما بالنسبة لشركاء الصين التجاريين العالميين، الذي يشعرون بالقلق إزاء القدرة الصناعية الفائضة في الأسواق، ويأملون اتخاذ تدابير تركز على تحفيز الطلب المحلي، فإن الجلسة الكاملة الثالثة بمثابة فرصة ضائعة.
وقال ماكسيميليان بوتيك، المدير التنفيذي لغرفة التجارة الألمانية في شرق الصين إنه «لم نشهد أي طفرة متوقعة، وبدلاً من ذلك شهدنا سياسة تتسم بالحذر والاستمرارية».