خرجت سلسلة من التصريحات من جانب صنّاع السياسات بعد صدور تقرير يشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي أضاف وظائف أقل من التوقعات.

لذلك، ألمح كبار مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في أعقاب صدور تقرير الوظائف المتباين يوم الجمعة إلى إمكانية خفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، وذلك رغم حرصهم على التأكيد على اتباع نهج حذر في اجتماع «المركزي الأمريكي» هذا الشهر. وأعرب المحافظ كريستوفر والر، ورئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك جون ويليامز، عن تأييدهما لإجراء سلسلة من تخفيضات الفائدة هذا العام، في ضوء انخفاض التضخم، وتراجع سوق العمل الأمريكية.

ومع تصاعد «المخاطر السلبية»، صرح والر أن الوضع الاقتصادي «يتطلب تحركاً» من الاحتياطي الفيدرالي لتجنب إلحاق ضرر بالغ بسوق العمل، التي يرى أنها «تشهد تراجعاً لكنها لم تتدهور بعد». وأكد أن أداء الاقتصاد يظل قوياً مع فرص «واعدة» لمزيد من النمو، مضيفاً إنه يتوقع أن يتم التعامل «بحذر» مع أي تخفيضات في أسعار الفائدة. وأشار في نقاش إلى أن أحدث تقرير للوظائف لا يستدعي القلق، لكنه يعكس تحولاً إلى معدل نمو أقرب إلى حالته «الطبيعية». ومع ذلك، فهو منفتح على إجراء تخفيضات أكبر إذا كانت البيانات تبرر ذلك، وهي تصريحات أدت إلى موجة صعود لسندات الخزانة الأمريكية، وقال «إذا أظهرت البيانات الحاجة إلى إجراء المزيد من التخفيضات، فسأدعم هذا القرار».

وانخفض العائد على سندات الخزانة لأجل عامين، وهو الذي يتتبع عن كثب توقعات أسعار الفائدة، بنسبة 0.09 نقطة مئوية إلى 3.66 %، في حين انخفض العائد القياسي لأجل 10 سنوات بنسبة 0.01 نقطة مئوية إلى 3.72 %. وشهدت أسواق العقود الآجلة لصناديق الاحتياطي الفيدرالي تقلبات يوم الجمعة، حيث أظهرت احتمالاً متزايداً لخفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة خلال الشهر الجاري. ورغم تراجع هذه الرهانات، فلا يزال المتداولون يتوقعون تخفيضات تتجاوز نقطة مئوية كاملة هذا العام، مما يشير إلى أن البنك المركزي قد يضطر إلى تصعيد درجة استجابته.

وأغلقت الأسهم الأمريكية الجمعة على انخفاض؛ حيث انخفض مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 1.7 %، كما انخفض مؤشر ناسداك المركب الذي يعتمد بشكل كبير على أسهم التكنولوجيا بنسبة 2.6 %. وسجل المؤشران بذلك أكبر انخفاض أسبوعي لهما منذ مارس 2023 ويناير 2022 على التوالي.

ويرى جون ويليامز أن الاحتياطي الفيدرالي سيستجيب للبيانات الواردة حسب الحاجة، لكنه حرص هو الآخر على التأكيد على أن الاقتصاد لا يزال يستند إلى أسس قوية وأن السياسة النقدية «في وضع جيد» للحفاظ على هذا الاستقرار.

وكانت البيانات أظهرت أن الولايات المتحدة أضافت 142 ألف وظيفة في أغسطس، بينما انخفض معدل البطالة إلى 4.2 %. وتعد الأرقام الصادرة عن مكتب إحصاءات العمل أقل من توقعات خبراء الاقتصاد التي أشارت إلى إضافة 165 وظيفة جديدة، لكنها تجاوزت الرقم المعدل لشهر يوليو الذي بلغ 89 ألف وظيفة. وخلال الشهر الماضي، أعلن مكتب إحصاءات العمل عن زيادة قدرها 114 ألف وظيفة فقط في يوليو، ما أدى إلى زيادة معدل البطالة إلى 4.3 %، وأثار ذلك بعض المخاوف إزاء اتجاه أكبر اقتصاد في العالم نحو الركود.

ومن المقرر أن يجتمع مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي يومي 17 و18 سبتمبر الجاري، حيث من المتوقع الاتفاق على خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة من أعلى مستوى لها منذ 23 عاماً البالغ 5.25 % إلى 5.5 %. وقد أشار المحللون إلى أن توقعات السوق بخفض 0.5 نقطة مئوية في سبتمبر مبالغ فيها.

وقال تورستن سلوك، كبير خبراء الاقتصاد بشركة أبولو غلوبال مانجمنت، إن «السوق تشعر بالقلق الشديد إزاء الركود، وهذا التقرير لا يشير إلى أي علامات على حدوث ركود.. لذلك، ليس ثمة حاجة لخفض أسعار الفائدة بمقدر 50 نقطة أساس عند انخفاض معدل البطالة».

ويدرس مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي سوق العمل بعناية بحثاً عن أي علامات ضعف، حيث يسعون إلى خفض التضخم نحو هدف البنك المركزي البالغ 2 %، والذي تحدده التغيرات السنوية في مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي. وبلغ مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي، الذي يستبعد أسعار الغذاء والطاقة المتقلبة ويراقبه صناع السياسات عن كثب، 2.6% في أغسطس، مقارنة بأعلى مستوى له عندما تجاوز 5% في عام 2022.

وبحسب مكتب إحصاءات العمل، كان ارتفاع معدل الوظائف في أغسطس متماشياً مع متوسط وتيرة نمو الوظائف خلال الأشهر الأخيرة، لكنه أظهر بعض التباطؤ مقارنة بالزيادة الشهرية البالغة 202 ألف وظيفة على مدار العام الماضي. وكان قطاعا البناء والرعاية الصحية الأقوى أداءً، في حين شهد قطاع التصنيع خسائر في الوظائف. وبشكل عام، كان التوظيف في يونيو ويوليو أقل بنحو 86 ألف وظيفة عن التقديرات السابقة، مما أثار مخاوف من أن سوق العمل بدأت تفقد زخمها قبل الموعد المتوقع. وارتفع متوسط الدخل في الساعة بنسبة 0.4 % خلال الشهر، وهو ما يعادل زيادة سنوية بنسبة 3.8 %.

وتوقع جون ويليامز ثبات معدل البطالة عند نحو 4.25 % هذا العام، مع نمو الاقتصاد بنسبة تصل إلى 2.5 %، ما يشير إلى عدم وجود قلق بالغ حيال حدوث ركود وشيك. ولا يتوقع توم بورسيلي، كبير خبراء الاقتصاد الأمريكي لدى شركة «بي جي آي إم فيكسد إنكوم»، خفض أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة هذا الشهر، لكنه ذكر أن البيانات تبرر إجراء العديد من التخفيضات، ويسلط ذلك الضوء على وجود نطاق عريض من الآراء حول التوقعات الاقتصادية. وقال بورسيلي إن «انتظار ظهور أدلة عن أبطأ المؤشرات الاقتصادية، مثل تقرير الوظائف، يعني أنك متأخر بالفعل».

وفي مقابلة أجريت معه الجمعة، أبدى الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، ويليام دادلي، قلقه إزاء بطء وتيرة تحركات الاحتياطي الفيدرالي، بعد أن دعا سابقاً البنك المركزي إلى خفض الفائدة في يوليو، مضيفاً أن الركود والهبوط الناعم «احتمالان واردان».