ها قد انتهى الصيف، وباتت الشواطئ خاوية، والمكاتب ممتلئة، مع عودة معظم الدول، خاصة في أوروبا وأمريكا، إلى العمل.
وتسيطر على مكتب فاينانشال تايمز، مثله مثل عدد لا يحصى من المكاتب الأخرى، حالة التعاطف المعتادة بعد الإجازة حول الصدمة التي يشعر بها البعض عند تسجيل الدخول إلى الإنترنت بعد أيام عدة من التوقف عن العمل والنوم لأوقات متأخرة، والابتعاد عن كل ما له صلة بالعمل بشكل عام.
وبصفة شخصية، ليس لدي شيء مفيد يمكن أن أقوله في هذا السياق، خصوصاً لأنني فشلت في الحصول على إجازة خلال شهر أغسطس. لكنني كنت أفكر ملياً في حقيقة غريبة وينكرها كثيرون عن العمل: الناس يحبونه أكثر مما يعتقدون. وقد يكون هذا غير واضح بدرجة كبيرة في وقت يتعرض فيه العمل للكثير من الانتقاد والهجوم.
ربما تكون حالة الاستقالات الكبرى قد خفت حدتها منذ الوباء، لكن الحديث عن البيئة السامة بأماكن العمل، ورؤساء العمل المزعجين والإرهاق، والإجهاد، والاستقالات الهادئة، أو القيام بالحد الأدنى في العمل، لم ينته بأي حال من الأحوال. كما أن الأخبار حول الحق في الانفصال، وأسبوع العمل المكون من أربعة أيام، ومقاطع فيديو «كويت توك» التي تظهر عمالاً في سن الشباب يتخلون عن وظائفهم بجرأة لم تنته بعد.
وفكرة أن العمل فظيع، خصوصاً العمل المؤسسي، ليست جديدة بالطبع. كما أن قصص ديلبرت المصورة موجودة منذ الثمانينيات. وتم بث مسلسل «ذي أوفيس» لأول مرة في عام 2001. كما نشر كتاب «مرحباً بالكسل» للخبير الاقتصادي الفرنسي كورين ماير للمرة الأولى في عام 2004م، وهو الذي يمثل الدليل المبكر الأكثر مبيعاً للاستقالة الهادئة.
وهناك أيضاً المقال الذي كتبه عالم الأنثروبولوجيا الأمريكي الراحل ديفيد جرايبر عن «الوظائف الهراء» في مرحلة ما بعد الأزمة المالية عام 2008، وقد حقق المقال نجاحاً كبيراً وانتشاراً عالمياً وأصبح فيما بعد كتاباً. كما أن الاضطرابات التي أحدثتها جائحة «كوفيد» بدورة العمل ساهمت في تعميق الشعور الغريزي بأن العمل يجعل معظم الناس غير سعداء.
لكن ماذا لو لم يكن الأمر كذلك بالفعل؟ وماذا لو كان الاعتقاد بأننا جميعاً مصابون بالسأم المرهق في حد ذاته، للعمال وأصحاب العمل على حد سواء؟ لذلك حرص باحثون مثل سكوت شيمان. وهو أستاذ علم اجتماع كندي، على البحث بعمق في ما وراء عناوين «كويت توك» لسؤال الناس عن شعورهم الحقيقي تجاه وظائفهم.
وبعد جمع البيانات من 42000 عامل في الولايات المتحدة وكندا منذ عام 2019، توصل إلى بعض النتائج المفاجئة. فقد أظهر البحث الذي أجراه سكوت شيمان في أواخر العام الماضي أن 79 % من العمال في الولايات المتحدة يشعرون بالرضا «إلى حد ما» أو «جداً» عن وظائفهم. لكن تخيل كم عدد الأشخاص الذين يعتقدون أن معظم الأمريكيين يشعرون بالطريقة نفسها: 49 % فقط.
إنها إذن فجوة كبيرة بين ما يراه الموظفون بأعينهم وما يعتقدون أنه الواقع. وتزداد الفجوة أكبر عندما تسأل الناس عن عدد المرات التي يجدون فيها عملهم مرهقاً. وقد وجد شيمان أن 32 % من العمال يقولون إن عملهم مرهق «في كثير من الأحيان أو دائماً». ومن الواضح أن هذا ليس جيداً.
ولكن 69 % يعتقدون أن أغلب الأمريكيين يشعرون بالشعور نفسه. ويبدو هذا الأمر مقلق أيضاً عندما يقول أغلب المشاركين إنهم يشعرون بالتوتر في العمل «أحياناً، أو نادراً أو أبداً». وتوجد فجوات مماثلة في الإدراك عندما يتعلق الأمر بالشعور بعدم الحصول على الأجر الكافي والاعتقاد بأن العلاقات بين الرؤساء والموظفين في مكان العمل سيئة.
بعبارة أخرى، يعتقد الناس أنهم محظوظون شخصياً، وعندما يواجهون بأدلة تشير إلى خلاف ذلك، فإنهم ببساطة لا يصدقون ذلك. قال لي شيمان: «الكثير منهم يقولون في الواقع: «الناس يكذبون». وتتفق هذه النتائج مع بيانات أخرى أظهرت منذ فترة طويلة مستويات عالية نسبياً من الرضا الوظيفي في الولايات المتحدة. كما تعكس نتائج أبحاث شيمان في كندا، وهي جنة للعمال مقارنة بالولايات المتحدة».
لا يمكن إنكار أن بعض أماكن العمل سامة حقاً. وضغوط العمل مشكلة حقيقية، وبعض أصحاب العمل يشبهون حقاً ميراندا بريستلي، المديرة القاسية في فيلم «الشيطان يرتدي برادا». لكن هذا لا يعني أنه ينبغي لنا أن نفترض أن معظم أماكن العمل قطعة من الجحيم.
فقد وجد شيمان وزملاؤه أيضاً أنه عندما يعتقد الناس أن معظم العمال غير راضين، فإنهم يميلون إلى الشعور بالتزام أقل تجاه وظائفهم وأصحاب عملهم. ولا يمكن أن يكون هذا جيداً لأي شخص. كما أنه يعكس فجوات أخرى بين الواقع وما يعتقده الناخبون بشأن حالة الهجرة والاقتصاد والاستعداد لمعالجة تغير المناخ، وهذا بالفعل لا يساعد. ومع ذلك، إذا كنت قد أبعدت للتو منشفة الشاطئ الخاصة بك وعدت للجلوس على مكتبك، فقد يكون من المفيد أن تضع في اعتبارك أنك ربما تقوم بعمل يجعلك، ومعظم الناس الآخرين، راضين إلى حد معقول.