بعد انقضاء العطلة الصيفية، وعودة المكاتب إلى الحياة من جديد مع رجوع الموظفين إلى أعمالهم، لن يطول الوقت حتى يتلاشى أثر الاسترخاء عن وجوههم، ويبدأ التفكير من جديد في التخطيط للرحلة المقبلة.
ومع اقتراب موعد هذه الرحلة، سيواجه الكثيرون على الأرجح أنواعاً مختلفة من الضرائب السياحية طوال فترة رحلتهم. وسواء أكانت هذه الضرائب مفروضة على الإقامة الفندقية، أم زيارة المتاحف أم دخول الحدائق الوطنية، فإن دفع مبالغ إضافية مقابل كونك سائحاً أصبح أمراً شائعاً على نحو متزايد.
لطالما فرضت وجهات سياحية عدة، ما بين إيبيزا إلى بوتان، رسوماً على زيارات السائحين، لكن الحكومات في ربوع العالم بدأت تتحمس أكثر لفرض المزيد من الرسوم. لذلك، وجدنا كلاً من البندقية وبالي تفرضان رسوماً على الدخول هذا العام. وفرضت اليونان هي الأخرى «ضريبة المرونة المناخية» في يناير الماضي ضمن جهودها الرامية إلى كبح جماح السياحة المفرطة. وبدأت إدنبرة إجراء مشاورات هذا الشهر لفرض «رسم الزائر العابر». وفي الأسبوع الماضي، أعلنت نيوزيلندا زيادة ضريبتها بما يقرب من ثلاثة أضعاف اعتباراً من الأول من أكتوبر.
قد يبدو هذا غير عادل للمسافرين، الذين ما زالوا يعانون من ارتفاع تضخم تذاكر الطيران وتكاليف الإقامة بعد الجائحة. وعموماً، تحفز السياحة الاقتصادات المحلية. ويوظف القطاع نحو 330 مليون شخص حول العالم، ويشكل ما يقل بدرجة طفيفة عن 10% من الاقتصاد العالمي. كما يدعم السفر كلاً من التعليم والتبادل الثقافي، ناهيك عن مساعدته في تخفيف التوتر. إذن، ما السبب وراء هذا السعي القوي لزيادة تكاليفه؟
وتوجد حجة معقولة لصالح فرض الضرائب السياحية في بعض الأماكن، فالسائحون يخلفون وراءهم أحجاماً كبيرة من القمامة، ويتسببون في الكثير من الضوضاء والاختناقات المرورية. كما قد يؤدي ازدياد حركة الزوار في مواسم الذروة إلى التأثير سلباً على المواقع الأثرية وزعزعة الأنظمة البيئية القيمة.
ولذلك، تعمل الضرائب على تحميل المسافرين تكلفة هذه التداعيات السلبية، وبإمكانها تنظيم الطلب. وفي صيف العام الجاري، تسلط حالات رش سكان كتالونيا المياه على السائحين وهم يتناولون وجباتهم، وكتابة سكان أثينا عبارات مناهضة للسياح على جدران المدينة، الضوء على حقيقة مهمة مفادها أنه ليس كل السكان المحليين يستفيدون من السياحة.
في حقيقة الأمر، يمكن للإيرادات التي تولدها الضرائب السياحية أن تجعل من السفر الكثيف أكثر استدامة. يمكن إعادة إنعاش موازنات صيانة نتاجات الفنون والثقافة والبنية التحتية، التي غالباً ما تكون أول البنود الملغاة خلال أوقات الأزمات. ويعود ذلك بالتالي بالنفع على كل من السكان المحليين والسياح أيضاً. وفي هذا الصدد، من المهم الإشارة هنا إلى أن جزر البليار الإسبانية تستخدم متحصلات هذه الضريبة في الحفاظ على البيئة، كما تستخدم في صيانة مسارات المشي وركوب الدراجات.
كما يمكن حتى لمثل هذه الرسوم الضئيلة توفير مصادر قيمة للدخل للمناطق المحلية التي تعاني من الضوائق المالية. ويعتقد مسؤولو إدنبرة أن فرض ضريبة تبلغ 5% على تكلفة الغرفة الفندقية في الليلة الواحدة من شأنها جمع 50 مليون جنيه استرليني سنوياً. وفي المناطق التي تتسم بثقافة أو تاريخ أو جغرافيا فريدة، مثل البندقية، فسنجد أن الضرائب لا تشكل مانعاً للسائحين، إلا في حدود معينة. ويمكن لهذه الرسوم على الأقل توليد إيرادات قد تخفف من الضغوط التي يسببها الازدحام.
وتوصلت دراسة عن الضرائب في منطقة بوليا بإيطاليا، إلى أن توعية الزوار بأن مثل هذه المتحصلات تستخدم في تعزيز الاستدامة كانت سبباً في زيادة رغبتهم لدفع الرسوم. أما بالنسبة للوجهات الأقل تميزاً، فإن فرض الضرائب ولو كانت في حدها الأدنى من شأنه إثارة مخاطر إبعاد السياح تماماً. لذلك، فإنه في أماكن مثل الدول الجزرية الصغيرة التي تعتمد على السياح على وجه الخصوص، من المهم أن تخضع رسومها للمعايرة والمقارنات للحفاظ على تنافسية الأسعار.
تشير إحدى التقديرات إلى أن زيادة الضرائب السياحية بنسبة 10% في جزر المالديف قد تقلل من الطلب بمقدار 5.4%. كما أن هناك حاجة إلى إدراك أن الزيادة الأخيرة في أعداد السياح ببعض الوجهات يمكن أن تعكس طفرة ما بعد الجائحة بكل بساطة، وليست وضعاً طبيعياً جديداً. وفي هذه الحالة، فإن زيادة الضرائب قد تؤثر على أعداد السائحين بصورة أكبر من المتوقع بكثير.
وعلى أية حال، فإن منح المناطق المحلية خيار فرض رسوم على السياح يبدو معقولاً إلى حد كبير. وعند تطبيقها، من المهم أن تتسم الرسوم بالإنصاف والبساطة، شأنها شأن كل الضرائب. وبالنسبة للمدن، فإن فرض ضرائب بالفنادق هو الأكثر شيوعاً، لكن يجب أن يمتد الأمر إلى شركات التأجير الخاصة، مثل «إير بي إن بي»، للحيلولة دون التهرب.
كما تكون التعريفات الموحدة عادة أسهل في فهمها. على أية حال، فإنه مع ارتفاع أعداد المنتمين إلى الطبقة المتوسطة على مستوى العالم، من الطبيعي أن تزداد الشواطئ والجبال والأحياء القديمة المرصوفة بالحصى ازدحاماً. وبالرغم من تذمرهم، فإن السكان المحليين سيواجهون صعوبة في كبح تدفقات السائحين. من الضروري إذن أن يصب السفر في صالح الجميع، وذلك إذا استخدمت الضرائب السياحية وإيراداتها بحكمة.