قال مصرفيون إن قرابة 82% من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدولة تتعرض للفشل خلال السنوات الثلاث الأولى من تأسيسها، وذلك إما نتيجة المنافسة الحادة أو نقص التمويل أو نقص المهارات والخبرات، وهو معدل مرتفع يحمل تبعات كبيرة بالنظر إلى أهمية الدور الذي تلعبه المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في اقتصاديات العديد من الدول، بما فيها الإمارات.

جاء ذلك في ورشة عمل تدريبية نظمتها «أكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة» التي أطلقت حديثا، وهو برنامج تدريب يرعاه بنك أبوظبي الوطني، بالتعاون مع سي بي آي ميديا واتصالات.

وقال محمد المهاري، مدرب ائتمان المؤسسات لدى وكالة موديز في كلمته أمام الورشة، وشارك فيها 35 من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، «في الماضي كان كل من يتمتع بخلفية أكاديمية أساسية ورؤية واضحة وعزم على العمل بفرص جيدة لتكوين امبراطورية تجارية، إلا أن ذلك لم يعد كافياً اليوم، لأن الأعمال الناشئة باتت تتنافس اليوم مع الأفضل في مجالات عملها، ليس فقط في سوقها المحلي وإنما في بقية أنحاء العالم، كما باتت تعمل في بيئة أكثر تعقيدا بكثير».

وجاءت رعاية بنك أبوظبي الوطني لأكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، انطلاقاً من التزامه التنموي وإيمانه بأهمية الدور الذي تلعبه هذه المؤسسات في دفع مسيرة التنمية. فقد باتت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تشكل العمود الفقري لاقتصاد دولة الإمارات العربية المتحدة، وهو ما تؤكده الأرقام التي نشرها صندوق خليفة لتطوير المشاريع، حيث تضم الإمارات حوالي 300 ألف مؤسسة صغيرة ومتوسطة تمثل 94% من مجموع المؤسسات العاملة في البلاد، كما توظف قرابة 90% من القوى العاملة في القطاع الخاص.

وأضاف المهاري أن تصاعد حدة المنافسة في أسواق الإمارات والمنطقة، جعل من إطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة ناجحة أكثر صعوبة من أي وقت مضى. كان بإمكان المرء في الماضي أن يبدأ مشروعا ناجحاً إذا توفرت لديه الفكرة المناسبة وقام بتنفيذها في المكان الصحيح في الوقت المناسب، لكن تلك الأيام ولت من غير رجعة.

وبحسب تقديرات «أيه تي كيرني»، فإن هذا القطاع يتمتع بالقدرة على إضافة 100 مليار دولار إلى اجمالي الناتج المحلي، وخلق ما يصل إلى مليوني وظيفة في دول مجلس التعاون الخليجي خلال السنوات المقبلة.

وقد باتت المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تساهم بالفعل بنحو 60% من اجمالي الناتج المحلي غير النفطي، وفقا لوزارة الاقتصاد في الدولة، ولهذا السبب وضعتها رؤية أبوظبي الاقتصادية على قائمة أولوياتها. كما تسعى المبادرات الحكومية مثل صندوق خليفة ودبي للمشاريع الصغيرة والمتوسطة والمبادرات الأخرى الخاصة، على توفير الدعم لهذه الفئة من المؤسسات.

وركزت أكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة برنامجها على تأهيل أصحاب الأعمال الناشئة بالخبرات والمعارف الضرورية التي تعزز من فرص نمو وازدهار أعمالهم.

تنويع

وعلى الرغم من أن بنك أبوظبي الوطني، لم يتوسع - على غرار البنوك الأخرى - في تقديم الائتمان للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، إلا أنه يمتاز بتوفيره أشكال مختلفة من التمويل للشركات الصغيرة، حيث قام بتطوير تشكيلة متميزة من المنتجات والحلول المصممة خصيصاً لتلبية متطلبات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ويشمل ذلك التمويل التجاري، تسهيلات رأس المال العامل، خصم الفواتير والضمانات.

ولم يكتف أكبر بنوك الدولة من حيث الأصول بذلك بل حرص على توسيع نطاق الدعم لهذه الفئة الحيوية من المؤسسات، ومن هنا نشأت فكرة أكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي ترمي إلى تعزيز معارف وقدرات رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة ومعالجة الفجوات في المعارف والمهارات العامة.

وتضمن برنامج الأكاديمية، الذي لا يزال في طور التطوير، خمس ورش عمل الرامية لبناء المهارات من خلال التركيز على مواضيع عملية حيوية في نمو وتطور المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، لمساعدة أصحاب هذه المؤسسات على اتخاذ القرارات الصائبة التي تتيح لهم تنمية وتطوير أعمالهم.

وقال أليكس ثيرسبي، الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك أبوظبي الوطني، «التزمنا في العام الماضي بدعم نمو وتطور قطاع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في الدولة في إطار في إطار مبادرتنا الاستراتيجية بشأن مواطنية المؤسسات ودورنا كمؤسسة مصرفية وطنية رائدة تلعب دوراً محورياً في دعم مسيرة التنمية في البلاد في ظل قيادتها الرشيدة».

تحديات مشتركة

ويتقاسم أصحاب الأعمال المشاركون في البرنامج تحديات مشتركة. إذ تقول تقول فاديفو موثورامان، المدير الأكاديمي لمركز تطوير أفضل مهارات الدماغ للأطفال، لم أسع أبدا إلى الحصول على تسهيلات مالية من البنوك، لكن الآن وبعد أن أصبح لدينا فرعان في أبوظبي ومصفح، أصبحت أفكر في الحصول على قرض لتمويل افتتاح فرع ثالث. وتقول فاديفو إن افتتاح مركزها الأول استغرق قرابة العام بسبب تغيير التشريعات التنظيمية في مجال تخصصها، وقد باتت الآن توظف 12 شخصاً يدرِّسون الرياضيات لتحسين تركيز الأطفال وتقوية ذاكرتهم.

وتضيف بقولها: مع مضي عمليات المركز قدما فقد بتنا نتطلع للتوسع، ولكن الأمر الرئيس الذي يعوقنا في هذا المجال هو رأس المال، إضافة إلى عدم فهمي للعمليات المصرفية فأنا مهندسة تقنية، ولا أعرف الكثير عن العمليات المصرفية والمحاسبة. لقد استفدت كثيراً من ورشة العمل، فهذا النوع من البرامج ممتاز للشركات الصغيرة والمتوسطة. وشخصيا لا أعلم إن كان هناك أي بنك آخر يقوم بتنظيم مثل هذه الورش المتميزة.

ويتم حضور ورش عمل الأكاديمية مجاناً، ويتولى تنفيذ الورش مسؤولون من مؤسسات بارزة، بما فيها وكالة موديز، جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين، برايس ووتر هاوس كوبرز، حوكمة والمستشار رون كوفمان الذي ألف مجموعة من أكثر الكتب مبيعا.

وتقول بيفرلي رافيسانكر، الرئيسة التنفيذية لشركة تك العالمية للاستشارات: «كانت الورشة التي حاضر فيها مسؤولان من وكالة موديز مشوقة جدا. فقد توزع الحضور على 8 موائد مستديرة، وكان على الجالسين حول كل مائدة التفكير في التحديات التي تواجه المشاريع الصغيرة والمتوسطة مع البنوك ثم كتابتها على لوحة بيضاء». ومثل كل الحاضرين، اكتشفت السيدة رافيسانكر أن معظم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تواجه نفس المشاكل الخمس الكبيرة، وإن كان بتراتبية مختلفة: أسعار الفائدة العالية، اشترط إيداع نقدي بقيمة 100% كضمان، عدم وضوح الرؤية بشأن المخاطر وقلة الاهتمام بعمليات التوثيق. ومع معاناة الجميع نفس النوع من المشاكل، أصبح التفكير في الحلول أكثر سهولة.

ومن جانبه يقول كينجسون جيبراج، مؤسس شركة «آي دبليو إي تي» التي تسوق حلول المياه والطاقة المتقدمة، عند حضوره لورشة العمل الأولى: كانت الورشة مفيدة جداً، حيث أتاحت لنا فهم الكيفية التي تنظر بها البنوك إلى العملاء. ويضيف بقوله: «بعد أن عملت لمدة 10 سنوات لدى شركة «كولتيك»، وهي ذراع التبريد المركزي في شركة «تبريد»، بدأت عملي الخاص، غير أن المشكلة الرئيسة التي نواجهها اليوم في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تتمثل رأس المال العامل، وقد واجهتنا هذه المشكلة بسبب نمونا السريع، ودعم البنوك هو ما نحتاجه بشدة».

يذكر أن أكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة مفتوحة لكافة الشركات، بما فيها المؤسسات التي لا تتعامل مع بنك أبوظبي الوطني، إلا أنه حتى تتأهل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة للمشاركة يتعين أن تكون زاولت أعمالها لمدة لا تقل عن سنتين وأن يكون الحد الأدنى لمبيعاتها 5 ملايين درهم سنوياً، وهو ما يعني تأهل 24,000 شركة فقط من أصل 300,000 شركة في الدولة.

وتقول رافيسانكر عن ذلك: حضرت ورشة العمل التي تركز على فهم مبادئ المحاسبة، وقد تميزت هذه الورشة التي حاضرت فيها رئيسة قسم الشرق الأوسط في جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين، بعدم تركيزها على العموميات مثل كيفية إعداد الميزانية العمومية أو مراقبة التدفقات النقدية، وإنما ركزت بدلا من ذلك على ما هو أكثر أهمية بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة حيث تناولت أهمية المحاسبة في أعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وما هي العناصر المهمة التي يتعين على هذه المؤسسات التركيز عليه في بياناتها المالية.

أكاديمية

توقع أليكس ثيرسبي أن ينعكس نمو وتطور أعمال أكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إيجابياً على أداء وعمليات البنك في المستقبل، خاصة وأن الأكاديمية تستهدف مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على تنمية وتطوير أعمالها ما يجعلها مؤهلة للحصول على تسهيلات ائتمانية أكبر في المستقبل.

غالبية رواد الأعمال لا يقرأون بياناتهم المالية جيداً

قالت بيفرلي رافيسانكر، الرئيسة التنفيذية لشركة تك العالمية للاستشارات، إن معظم رواد الأعمال لا يعرفون حقاً ما الذي يجب أن ينظروا إليه عندما يرون بياناتهم المالية. مشيرة إلى أن ورشة العمل التدريبية التي نظمتها أكاديمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة أتاحت للمشاركين فرصة تعلم الأسئلة التي يجب أن تطرح على المحاسبين للحصول على الإجابات التي تعين الشركات على إدارة أعمالها وعملياتها بشكل أكثر كفاءة من خلال التعرف إلى بياناتنا المالية بشكل أفضل.

وتؤكد رافيسانكر أن من أكثر الأمور التي استفادت منها هو معرفة المطبات القياسية التي تواجهها المؤسسات الصغيرة، والمتمثلة في كل من: الفشل في التكيف مع متغيرات البيئة الداخلية والخارجية، عدم القدرة على فهم التحولات الاستراتيجية للسوق، كيفية مواكبة النمو، إدارة رأس المال العامل والتنبؤ بالميزانية، وكذلك عدم القدرة على إدارة الحسابات.

وعند الانتهاء من الدورات، تم تسليم مسؤولي المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المشاركة شهادات مشاركة، التي يمكن أن تشكل مرجعاً يمكن استخدامه عند إجراء مناقشات رسمية مع البنوك، المحاسبين وهيئات القطاع العام، كما أنها مفيدة عند التقدم بعروض في المناقصات التنافسية أو عند العمل في شراكات بين القطاعين العام والخاص.

وقد كانت آراء وردود فعل الحضور إيجابية للغاية، وفقا للمنظمين من كل من بنك أبوظبي الوطني وCPI ميديا. كما قدم بعض المشاركين اقتراحات لبرنامج الأكاديمية لعام 2016-2017، ومنهم جوليا ستولياروفا، مديرة «فينشي سوليوشن»، وهي وكالة استشارات متخصصة في تنفيذ البرمجيات، حيث قالت: «جئت من دبي إلى أبوظبي لحضور جلسة «كيف يمكن للمؤسسات تأهيل نفسها للاستفادة من الخدمات والتسهيلات المصرفية».

والأمر الأساسي الذي لاحظته هو أن التحديات ظلت كما هي، فأنا أدير شركتي الخاصة في هذه المنطقة منذ سبع سنوات، وبرغم كل الطروحات عن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، فإن التحديات التي تواجهها مع البنوك والحكومة لم تتغير منذ ذلك الحين، فالتحديات نفسها لا تزال قائمة. وأنا شخصيا أود في المرة القادمة أن يتم عقد جلسة حول كيفية الحصول على دعم مالي حقيقي. وأيضا، هل تقوم البنوك بالتحدث إلى الحكومة للحصول على إجراءات ميسرة أكثر بالنسبة لنا؟ أتمنى أن يفعلوا ذلك».

تنوع المنتجات يلبي متطلبات الشركات

قال نيلانجان راي، مدير إدارة الخدمات المصرفية التجارية العالمية في بنك أبوظبي الوطني في أبوظبي «نعمل في بنك أبوظبي الوطني على تقديم حلول ومنتجات متنوعة لتلبية متطلبات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، التي تم تطويرها خصيصاً للأعمال التي تولد عائدات وتتطلب خدمات مصرفية.

وقد شملت قائمة المتأهلين لحضور ورشة العمل الثانية للأكاديمية السيدة رافيسانكر التي ترأس شركة عمرها 9 سنوات في دبي ويعمل بها 25 موظفاً، تتخصص في توفير حلول التعلم الإلكتروني للشركات الكبرى في مجال الطيران، النفط والغاز، الدفاع والتصنيع، ولكنها أيضا تدعم أعمال المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأخرى.