حققت قطاعات الإنشاءات والعقارات وباقي القطاعات المرتبطة بها بشكل مباشر وغير مباشر، نقلة نوعية في عموم الدولة وعلى جملة أصعدة لعل أبرزها النضج الاستثماري الذي بات واضحاً في كم ونوع الصفقات، طبقاً لآراء مسؤولين ورؤساء دوائر وشركات. وأصبح المشهد في سوقي البناء والتشييد والعقارات أكثر رسوخاً وبات يتميز بمجموعة من الملامح التي رصدها «البيان الاقتصادي» طبقاً لتقارير صادرة عن صندوق النقد الدولي وغرفة تجارة وصناعة دبي وجمعية المقاولين بدولة الإمارات العربية المتحدة وميد انسايت.

ويلاحظ المراقبون أن التوجه الجديد لدى المستثمرين يتركز على قائمة الأهداف الاستثمارية المتعارف عليها في السوق العقارية وهي شراء العقار بهدف السكن الشخصي أو تحويله إلى منزل للعطلات أو الاحتفاظ به لمدة طويلة وبيعه لتحقيق عائد مجزٍ على البيع.

وتكاد الغالبية في السوق العقارية المحلية متفقة على أن الاستثمار العقاري في المرحلة الراهنة جاذب على خلفية تزايد القيمة الرأسمالية للمسكن ذاته، وبذلك يضرب المستثمر عصفورين بحجر واحد، فهو يشتري عقاراً وسط توقيت تشهد فيه السوق نمواً مستداماً ومعتدلاً بعيداً عن القفزات السعرية التي تسببت بها المضاربات.

ترقب

وتترقب السوق العقارية جرعات أكبر من النمو فضلاً عن ثماره المتوقعة على اقتصادات دول مجلس التعاون والمنطقة على خلفية الفوائد الكثيرة للشركات الرائدة والنامية في المنطقة ومقدرتها في الاستفادة القصوى من حدث لن تتأخر دبي في جعله علامة فارقة في تاريخ المعارض العالمية وتريد الإمارات من ورائه توجيه دعوة لاقتصادات المنطقة لتنظر إلى الجانب التجاري وتفتح أفقاً لموارد لا تنضب أسست لها دولة الإمارات العربية المتحدة.

فاستضافة دبي لمعرض التجارة العالمي «إكسبو 2020» سيكون لها أثر اقتصادي كبير في اقتصادات دول الخليج العربي والمنطقة. وهذه أبرز الملامح:

بناء المدن

نهضت شركات إعمار ونخيل ودبي للعقارات ومراس وميدان ومجموعة شوبا وجي أند كو وغيرها لتطور مشاريع كبرى تعتمد مفهوم المدن بدلاً من المباني المنفردة أو المجمعات وعلى نحو أفضل من السابق. ورغم أنها تتجه لتطوير مشاريع على شكل مدن كاملة إلا أنها تطرح عقاراتها على شكل مراحل ليتناغم مع حجم الطلب.

وأبرز تلك المدن والمجمعات المتكاملة مدينة محمد بن راشد، ولاغون وواجهة دبي المائية، في حين تبرز في أبوظبي مشاريع جزيرة السعديات وحي العاصمة المعروف الآن باسم مدينة زايد.

تطبيقات مستدامة

لم يعد البناء في الإمارات مجرد خرسانة إذ أن التوجه الرسمي للدولة ألزم القائمين على صناعة التطوير العقاري بتطبيقات مستدامة. وسارعت الدوائر والجهات الرسمية إلى وضع لوائح ومعايير بمواصفات المباني التي يجب أن تكون صديقة للبيئة تعمل بأنظمة ذكية تقلل من استهلاك الطاقة والمياه، وتوفر للقاطنين فيها أسلوب معيشة يركز على حماية البيئة والصحة.

فلل سكنية

شهدت أعوام 2000 وحتى 2009 تركيزاً كبيراً على تطوير عقارات الشقق السكنية لكن تجربة السوق العقارية لاسيما خلال مراحل التعافي عام 2010 أو الانتعاش في 2012 والنمو في 2013 أثبتت أن عقارات الفلل السكنية من أكثر السلع العقارية جذباً للمستثمرين لاسيما الراغبين في الاستخدام الشخصي. وأصبحت الشركات في المرحلة الراهنة توازن ما بين الشقق والفلل في تطوير مشاريعها الجديدة.

حذر المستثمرين

هناك العديد من الفروقات التي تجعل السوق العقارية أكثر استدامة من الأعوام الماضية. ومن أبرز تلك الفروقات، أن المستثمرين باتوا أكثر حذراً لجهة الشراء من دون التأكد من ملاءتهم المالية التي تخضع هي الأخرى لرقابة رسمية بموجب تعليمات البنك المركزي. ما جعل من المبيعات النقدية أكثر ظهوراً مقابل المبيعات الممولة عبر القروض.

تنظيم عقاري أقوى

أصبحت أنظمة السوق أفضل من الأعوام الماضية وأكثر وضوحاً هذا غير أن طبيعة المشاريع العقارية هي الأخرى أخذت تتغير نظراً لإعادة النظر في العديد من المشروعات العقارية التي جرى إطلاقها بعد 2002. وفرضت الأنظمة الجديدة لوائح تجعل من الاعتماد على المبيعات المُسبَقَة غير كافٍ لتطوير المشروع، كما جعلت منه منفذاً ضيقاً للراغبين بجني الأرباح على حساب السوق والاقتصاد الوطني.

تراجع المضاربات

المضاربون الذين قادوا الأسعار إلى مستويات جنونية قبل عام 2009 لم يعد لهم مكان في السوق العقارية. فآليات السوق الجديدة الناظمة لعمليات البيع وبحث المطورين عن المستخدم النهائي. وانتقائية المستثمر ذاته.

ووفرة المعروض تجعل من المضارب عبئاً على نفسه قبل أن يكون عبئاً على السوق. هذا غير أن أسواق دبي السكنية تعززت بفضل عوامل عدة، من بينها مكانة الإمارة كوجهة آمنة، وسعر الصرف الثابت المربوط بالدولار، إلى جانب تحسن الثقة الاستثمارية الاستهلاكية والتجارية.

فرص استثمارية

تبرز مجموعة من الفرص الاستثمارية المغرية في الأسواق العقارية والإنشائية والأنشطة التجارية المرتبطة بها خلال العام المقبل 2015 والأعوام اللاحقة طبقاً لتعليقات أدلى بها لـ«البيان الاقتصادي» مسؤولون معنيون بتلك القطاعات.

وطبقاً لتحليل «البيان الاقتصادي» فإن العائدات المتوقعة للمشتغلين في سوقي العقارات والبناء لعام 2015 تتفاوت بين نشاط وآخر، فقد تتراوح العوائد ما بين 30% - 50% بالنسبة لمطوري العقارات من الشركات والأفراد لكنها تصل إلى 10% - 35% بالنسبة لمطوري عقارات الضيافة والتجزئة والترفيه، وتتراوح تلك العائدات ما بين 10% - 20% في أنشطة البيع والتأجير.

وعلى الرغم من الدور الضخم لقطاع البناء إلا أن عائدات شركات المقاولات غالباً ما لا تتجاوز الـ 5%، وتصل ما بين 10%- 15% في الأنشطة التجارية ذات الصلة بمقاولات الباطن في قطاعي العقارات والبناء.

توزيعات

من أبرز ملامح السوق الفرص الاستثمارية لاسيما في بيع وتأجير العقارات والأنشطة المرتبطة بها من وساطة عقارية هذا غير الفرص التي تبرز في جدوى عائدات الاستثمار في عقارات الترفية والضيافة والتجزئة والعقارات الصناعية. وفيما يخص أسواق البناء فتتلخص الفرص في عقود البناء والأنشطة التجارية المرتبطة بتلك الصناعة من مقاولات الباطن المتنوعة.

قال المدير العام لدائرة الأراضي والأملاك في دبي سلطان بطي بن مجرن، إن عائدات الاستثمار العقاري تتفاوت ما بين تلك التي يجنيها المطور وبين ما يجنيه ملاك العقارات سواء اتجهوا لبيع عقاراتهم أو قاموا بتأجيرها. وبالطبع فإن عائدات المطور أكبر، مثلما هي أكبر عند المقاول مقارنة بمقاول الباطن.

وأضاف بن مجرن أن تعدد وتنوع الأنشطة المرتبطة بالعقارات والإنشاءات تجعل الاستثمار فيهما أمراً يستحق الاهتمام لاسيما في سوق واعدة مثل دبي، لافتاً إلى أن أن حركة بيع الأراضي المتنوعة والمتعددة الاستخدامات بالإضافة إلى حركة التصرفات بالعقارات الجاهزة والتي تحصد أسبوعياً مليارات الدراهم تؤكد غنى وثراء هذا النشاط الاقتصادي الحيوي بالفرص الاستثمارية الواعدة.

الإنشاءات

قال رئيس جمعية المقاولين بالدولة الدكتور أحمد سيف بالحصا إن معدل هامش الأرباح على العقود الإنشائية في الدولة يتراوح ما بين 5% و10%. وأوضح أن عوامل عدة تلعب دوراً كبيراً في تحديد ذلك الهامش.

وأشار بالحصا إلى أن الانتعاشة التي يمر بها القطاع ثمرة المرونة التي أتبعتها شركات المقاولات خلال الفترة القليلة الماضية بقبولها عقوداً إنشائية بهامش أرباح بين 3% و5% لتتمكن من امتصاص الضغوطات التي فرضتها الأزمة المالية العالمية وانعكاساتها على القطاع العقاري.

وأضاف أن شركات المقاولات في الوقت الراهن تضع نصب أعينها ما لا يقل عن 7% و8% عائدات مرجوة لتنفيذ أية عقود إنشائية. وأشار بالحصا إلى أن البيانات المتوافرة تؤكد تزايد الطلب على قطاع البناء بنسبة تصل إلى 20% خلال العام الجاري مقارنة بالعام الماضي.

ولفت إلى أن فوز الإمارات باستضافة إكسبو 2020، يشكل أهم محفزات النمو خلال المرحلة المقبلة متوقعاً ظهور التأثيرات الإيجابية لهذا الحدث على قطاع الإنشاءات مطلع العام المقبل مع بدء تكليف شركات المقاولات بتنفيذ المشروعات العقارية والبنية التحتية المتعلقة بالفعالية.

وشدد بالحصا على أهمية حصول شركات المقاولات الوطنية على حصة مرضية من المشروعات الجديدة التي يجري طرحها خلال المرحلة المقبلة، لافتاً إلى أن هذه الشركات تواجه منافسة شديدة مع الشركات الأجنبية التي غالباً ما تقوم بإحالة العقد إلى مقاولي الباطن بعد الفوز به.

ولفت إلى أن السوق المحلية شهدت خلال الفترة الأخيرة تأسيس عدد كبير من شركات المقاولات خلال الفترة الماضية بالتزامن مع انتعاش السوق العقارية وزيادة الطلب على قطاع الإنشاءات والمقاولات.

العقار الصناعي

يرى خالد بن كلبان رئيس مجلس إدارة شركة الاتحاد العقارية العضو المنتدب لدبي للاستثمار أن متوسط العائد على الاستثمار العقاري تحسن وحقق نتائج مميزة ليتراوح حالياً بين 8% و12% حسب نوع العقار واستخداماته.

لافتاً إلى أن العقارات السكنية والمكتبية على وجه التحديد سجلت أدنى مستوياتها في 2011 عند 4% و6% عشية الأزمة المالية العالمية. لكن بن كلبان شدد على أن الحال تغير لصالح التعافي لتستعيد سوق العقارات مجدداً نشاطها وحيويتها بدعم النمو الاقتصادي من جهة وانتعاش الطلب.

وأكد أن العائد على الاستثمارات العقارية في الدولة يعد الأعلى إقليمياً لتكسب السوق مزيداً من الجاذبية والمقدرة على ابتكار وسائل جديدة لاستقطاب الرساميل العربية والأجنبية والتي عادة ما تبحث عن ملاذات آمنة في أسواق تتميز بتدني نسبة المخاطر في الاستثمار.

عقارات الضيافة

وقال أحمد المطروشي العضو المنتدب لشركة إعمار العقارية إن السوق العقارية في دبي تعيش تحولات مهمة على صعيد استعادة العائد الاستثماري بريقه ليخطف أبصار المستثمرين بجدوى مضيهم في ضخ المزيد من الاستثمارات في السوق العقارية لاسيما في قطاعي السكن والمكاتب.

قاطرة المشروعات تسير قدماً

أظهر مؤشر دولي بروز دولة الإمارات في قائمة ضمت 40 دولة مصنفة على أنها الأكثر ديناميكية على صعيد المشاريع الضخمة. وتبلغ قيمة المشاريع المخطط لها من الآن حتى سنة 2030 في دول مجلس التعاون الخليجي 2.5 تريليون دولار وتعد الأكبر في العالم على الإطلاق أغلبها في الإمارات والسعودية.

وتستحوذ المشاريع في الإمارات على 22% من المشاريع المستقبلية المطروحة في دول مجلس التعاون، وعلى 34% من المشاريع الإنشائية المستقبلية فيها. وخلال عامي 2014 و2015 وصلت قيمة المشاريع إلى نحو 11.66 مليار درهم أي ما يعادل 18 مليار دولار.

 بينما تصل قيمة المشاريع في قطاع الإنشاءات في طور الانتهاء أو تم الانتهاء منها فعلياً وذلك مع وجود دبي في الصدارة من حيث حجم المشاريع التي تشكل 60% من المشاريع نحو 13 مليار دولار، ومن المتوقع أن تصل قيمة عقود مشاريع الإنشاء في دبي حتى 2020 إلى 63 مليار دولار للمشاريع متعددة الاستخدام، 12.6 مليار دولار للسكنية و6.6 مليارات دولار للفنادق والمنتجعات و2.5 مليارات دولار للتجزئة و9.2 مليارات دولار للحدائق و3.1 مليارات دولار للمكاتب، و2.1 مليار دولار للمستشفيات والعيادات الطبية و2.1 مليار دولار لأغراض أخرى. وتشكل المباني نحو 91% من المشاريع المستقبلية في دبي.

يذكر أن عدد شركات المقاولات في دبي اللواتي فزن بعقود منذ عام 2009 حتى 2013 بلغ 132 وذلك عن 272 عقداً رئيسياً، في حين وصلت إلى نحو 522 عقداً رئيسياً لـ216 شركة منذ 2004 حتى 2008.

فرص

تزخر السوق بالمكاسب الحقيقية والكبيرة التي يمكن اغتنامها من خلال تطوير مجمّعات مناسبة ومعقولة كجزء من بناء اقتصاد مجزّأ، حيث تساهم فيه كل فئة للدخل في تحقيق التنمية الشاملة، والارتقاء بالسوق العقارية فيه. هذه المساكن تحقّق عوائد عالية للمستثمرين؛ فالارتفاعات في الإيجارات وأيضاً في المرافق المجتمعية مثل الرعاية الصحية والخدمات الترفيهية، يمكنها زيادة العوائد الإجمالية للمطوّرين