طالب عدد من المختصين والمستثمرين، بضرورة وضع جهاز رقابي متخصص للتحكم بقطاع الفوركس في دولة الإمارات، وخصوصاً داخل الفضاء الإلكتروني، ويكون تابعاً للمصرف المركزي أو أي هيئة أخرى متصلة بالقطاع، حيث انتشرت مؤخراً العديد من الشركات على مواقع التواصل الاجتماعي، سواءً تويتر أو فيسبوك، والتي تغري مواطني الدولة والمقيمين على أرضها بأرباح كبيرة في وقت قصير، تصل في بعض الأحيان إلى «الخيالية».
وأشار العديد من المستثمرين، إلى أن عدم وجود مظلة تشريعية للقطاع، يشجع هذه الشركات الوهمية على الاستمرار في الإيقاع بالمزيد من الأشخاص، خصوصاً أولئك الراغبين في الاغتناء بسرعة. مقرين بأن الكثير من المستثمرين في الإمارات، سبق وتعرضوا لعمليات احتيال وخسائر كبيرة في الماضي، ما أثر سلبياً في أسواق الفوركس على المدى القصير.
وحذروا المستثمرين في أسواق الإمارات، من التعامل مع شركات وساطة مالية غير مرخصة، تعمل في مجال تداول العملات والسلع عبر الإنترنت، مشيرين إلى أن العديد من المواقع الإلكترونية التي كثرت في الآونة الأخيرة، تقوم بالنصب والاحتيال على المستثمرين الذين لا يملكون الخبرة الكافية في هذا المجال، كما نصحوا بالاستفسار والتدقيق على عمل هذه الشركات قبل الدخول في أي استثمار. داعين المستثمرين إلى اختيار الشركة التي لها وجود فعلي عبر مقار في الدولة، مع التأكد من صدور ترخيص من جهات رسمية لها خصوصاً من المصرف المركزي في الإمارات.
واستقبل البيان الاقتصادي أكثر من شكوى من مستثمرين تم الاحتيال عليهم، وخسروا مدخراتهم، بعد أن «طمعوا» في أرباح سريعة، وكان السؤال المشترك لهؤلاء عن الجهة التي يؤول إليها حماية المستثمرين والرقابة على هذه المواقع.
بدوره، حاول البيان الاقتصادي التواصل مع الجهة المسؤولة عن رقابة القطاع، حيث بدأنا بالاتصال بدائرة التنمية الاقتصادية في دبي، على أساس أنها الجهة التي تمنح الرخص التجارية داخل إمارة دبي، وكان الجواب من إدارة الاتصال، والتي أكدت أن القطاع لا يتبع للدائرة، ولا علاقة لها به، لا من قريب ولا من بعيد. المحاولة الثانية كانت التواصل مع هيئة الأوراق المالية والسلع، بحكم أن الفوركس يعتبر من الأدوات الاستثمارية التي تدخل في إطار السلع.
وكان رد الهيئة مشابهاً لرد دائرة التنمية الاقتصادية، حيث أكد لنا المسؤول الإعلامي، أن الهيئة مسؤولة عن فقط عن أسواق المال وتداول الأسهم، ولا علاقة لها بقطاع تداول العملات. ليكون الملجأ الأخير عند المصرف المركزي، والذي حاولنا الاتصال به أكثر من مرة دون رد.
وعود خيالية
وتعمل هذه المواقع «المحتالة» عن طريق وعد المستثمرين بأرباح وهمية، حيث تطلب من العميل فتح حساب تداول مجاني دون الحاجة إلى دفع أي رسوم، ثم تداول قيمة هذا الحساب. ويقوم العميل بالتداول بالحساب المجاني، حيث يربح بالغالب بهامش مريح، وهو ما يغريه إلى الدخول والاستثمار بأمواله أكثر فأكثر. حتى تصله رسالة بأنه خسر قيمة المبلغ المستثمر، وعليه دفع مبالغ جديدة لتعويض خسائره.
أحد هذه المواقع يعد بـ 133 ألف درهم ربح شهري، وآخر يعد بـ 1600 دولار في الساعة، وموقع آخر وصل إلى حد الوعد بأن يصبح عملاؤهم مليونيرات خلال أقل من شهر. يقول سام انيستون الرئيس التنفيذي لشركة آي إي إس إنترناشيونال للاستشارات المالية «أستطيع إيجاد 40 موقعاً يعدني بالثروة من خلال تداول الفوركس خلال ساعتين، والملاحظ أنها تتزايد يومياً، وهو ما يدل على أن بعض الأشخاص ينخدعون بهذه الوعود الكاذبة».
ويضيف انيستون «رغم أن المعلومات عن هذه الشركات والمواقع قليلة، إلا أن العديد من الناس يرغبون في خوض المغامرة، عله يطرق باب الثروة، خصوصاً وأنها تعد بالكثير.. سمعت عن شركة وعدت المستثمرين بهامش ربح 110 % سنوياً، لاستثمار بنحو 20 ألف دولار.. هذا الرقم جنوني وخيالي». وأوضح سام انيستون، أن الموظفين بأطقم الطيران والبنوك والمدارس والجامعات وشركات القطاع الخاص الأكثر عرضة لاحتيال هذه المواقع، حيث تعدهم هذه الأخيرة بأن تتضاعف رواتبهم إذا ما فتحوا حسابين أو ثلاثة في هذه المواقع.
نصب واحتيال
من جانبه، قال إسكندر نجار المدير العام لمبيعات منطقة الشرق الأوسط في شركة إيه دي إس سيكيوريتيز، التي تعتبر أكبر شركة تداول فوركس في الإمارات والمنطقة، أن الموقع أو الشركة التي تعد المستثمرين بهوامش ربح أو أرباح، هي بالتأكيد تدخل ضمن خانة النصب والاحتيال، وأضاف قائلاً: «أكثر المختصين خبرة ودراية في أي مجال استثماري، يعرف جيداً أنه من المستحيل التنبؤ بهامش الربح، حتى لو كان يراقب السوق والبيانات المالية بشكل يومي».
وأشار إلى أن التداول بالعملات، شأنه شأن باقي الأدوات الاستثمارية (الذهب والفضة وعقود النفط والعقار والأسهم وغيرها)، معرض للتقلبات، ومن المستحيل تقدير الربح والخسارة المتأتية منه، وأضاف «من يعدك بربح وفير، فاعرف أنه يخدعك».
جهات رقابية
وحول الجهة الرقابية التي تنظم القطاع، قال نجار «تنظيم القطاع يختلف من دولة إلى أخرى، مثلاً هنا في دولة الإمارات، شركتنا تتبع المصرف المركزي لدولة الإمارات، أما مكاتبنا في لندن وهونغ كونغ، فتخضع لرقابة السلطة المالية بالنسبة للأولى، وهيئة الأوراق المالية والعقود الآجلة بالنسبة لمكتب هونغ كونغ».
ولا تتبع أغلبية مواقع تداول الفوركس على الإنترنت، لأي سلطة داخل الدولة، بعضها يقع في جزر صغيرة في أماكن نائية حول العالم، ومن الصعب تتبعها ومساءلتها قانونياً، وبعضها الآخر لا يوجد له مقر على الإطلاق سوى في الشبكة العنكبوتية، وللأسف فهذه الأخيرة، وجدت طريقاً لها نحو العملاء، إما عن طريق الإيميلات أو مواقع التواصل الاجتماعي.
وأضاف نجار أن «مواقع التواصل الاجتماعي، هي محض وسيلة للاتصال بين الناس. وبالنسبة للعديد من الشركات، منصة تسويقية يمكن استخدامها للتواصل مع العملاء. وكون شركة تداول فوركس تستخدم هذه المواقع بنشاط، لا يعني بالضرورة أنها تعمل بصورة غير قانونية، أو أن عروضها خادعة ووهمية».
وشدد نجار على أن المستثمر الذي يقرر دخول عالم التجارة بالفوركس، أن يختار التعامل مع الشركات ذات السمعة في السوق، والمرخصة من طرف الجهات المسؤولة، حيث أكد أنه من التطور الإلكتروني الحاصل عالمياً من السهل الوصول إلى هذه المعلومات، ومعرفة إذا ما كانت هذه الشركات مرخصة محلياً أم لا.
وقال «السمعة والتاريخ والرخصة، هي ما يجب مراعاته عند اختيارك لوسيط التداول، وليس وجودها في موقع للتواصل الاجتماعي أم لا».
المواقع ستختفي
يقول ويليام مسروثير مسؤول تداول في أحد شركات أبوظبي «بعض عملائنا سحبوا أموالهم من حساباتهم في الشركة، واتجهوا نحو تلك المواقع، حيث وعدتهم بأرباح كبيرة في وقت قصير». وأضاف «أنا متأكد أن هذه المواقع ستختفي بعد أن تجمع مبلغاً من المال، وعندها، لن يجد المستثمرون جهة لمطالبتها بحقوقهم، أو أين ذهبت أموالهم. المسألة ليست في احتمالية اختفاء هذه المواقع من الوجود، بل في التوقيت فقط».
وأضاف أن بعض الناس يدركون مخاطر الاستثمار في هذه المواقع، لكنهم يتجهون إليها. وإن سألتني عن السبب، سأقول ببساطة إنه الطمع. وأكد مسروثير أن الشركات التي تعمل بشكل قانوني معروفة، وهي مرخصة من طرف البنك المركزي. كما أضاف أن المواقع الإلكترونية التي تعمل بشكل قانوني أيضاً معروفة، حيث إنها تضع اسم الجهة المنظمة والمشرفة على عملهم في الموقع، كما تضع تفاصيل التسجيل التجاري، ورقم الرخصة التجارية الخاصة بهم.
حجم القطاع
بلغ حجم القطاع داخل دولة الإمارات 400 مليار درهم خلال العام الماضي، وهو ينمو بشكل كبير، مقارنة بباقي الأدوات الاستثمارية، كما أن التداول اليومي بلغ خلال العام الماضي 1.6 تريليون دولار، وهو ما يعادل 4.4 مليارات دولار يومياً، أو 16 مليار درهم. كما أن عدد المتداولين النشطين داخل الدولة، يبلغ حالياً ما بين 30 إلى 50 ألف متداول. وتعد الإمارات أسرع أسواق المنطقة نمواً خلال السنوات القليلة الماضية، حيث ينمو القطاع محلياً ما بين 20 إلى 25 % سنوياً.
خسائر بملايين الدولارات والسبب غياب الإطار القانوني
يرى شريف خورشيد محلل فني في أسواق المال، أن غياب الإطار التنظيمي الحاكم لتجارة الفوركس، قد فتح هذا المجال أمام الصالح والطالح معاً، بسبب عدم وجود قوانين رادعة، تنقي هذا السوق من الشركات التي تتبع أساليب الاحتيال على المستثمرين، بغرض التربح غير القانوني. وغير معروف بعد، حجم الأموال التي تتلقاها الشركات الوهمية بسبب عمليات النصب والخداع، ويعتقد شريف خورشيد، أن هذه الأموال تقدر بملايين الدولارات، ويتحدث عن هذه النقطة بقوله: لا توجد أرقام محددة بشأن قيمة الأموال التي تجنيها شركات الفوركس الوهمية من جراء أساليبها في الاحتيال والخداع. لكن الأكيد أن هناك حجماً ضخماً من الأموال التي يتم التلاعب بها من خلال تجارة الفوركس، وذلك من جانب الشركات الوهمية، وهناك أمثلة كثيرة على هذه الشركات، التي تظهر فجأة ثم تختفي، ومعها حجم ضخم من الأموال التي احتالت في الحصول عليها.
حداثة القطاع
من جانبه، يشرح يوسف مالك مدير العلاقات والتطوير في شركة «إف إكس سوليوشينز»، أوجه جوانب مشكلة عدم وجود إطار قانوني منظم لتجارة الفوركس، بقوله: لا يوجد إطار تنظيمي لتجارة الفوركس، ويعود السبب في ذلك، إلى حداثة نشأة هذا السوق بالنسبة للمستثمرين الأفراد، حيث تعود البدايات الأولى لانفتاح تجارة الفوركس أمام الأفراد، إلى أواخر عقد التسعينات من القرن الماضي، وعلى وجه التحديد في الولايات المتحدة، وبالتالي، فإن العمر الزمني لفتح تجارة الفوركس للأفراد والمستثمرين، حوالي 15 عاماً في أقصى تقدير، وتنسحب حداثة هذا السوق، ليس على دولة الإمارات وباقي دول المنطقة فحسب، وإنما كذلك الدول المتقدمة، كالولايات المتحدة الأميركية، حيث كان التعامل في هذا السوق قاصراً إلى حد كبير على المصارف المركزية والشركات الضخمة العاملة في مجال التصدير والاستيراد، واستطرد قائلاً: اهتم المستثمرون الأفراد بأسواق العملات، بغرض توسيع محافظهم الاستثمارية على نحو يقلل من المخاطر التي قد يتعرضون إليها لدى قيامهم بالاستثمار في أسواق مختلفة للسلع والعملات. وقد أفضى غياب الإطار القانوني المنظم لتجارة الفوركس، إلى تشويه سمعة تجارة الفوركس نتيجة للكثير من الممارسات غير السليمة، والتي تندرج ضمن جرائم النصب والاحتيال.
لا يوجد رادع
ويلخص محمد حسن رئيس قسم التداول في إحدى شركات الفوركس، مشاكل ومضاعفات عدم وجود إطار قانوني منظم لتجارة الفوركس العربية، بقوله: عدم وجود إطار قانوني معناه، أنه لا يوجد رادع يردع الشركات من استغلال أموال المستثمرين والعملاء بشكل غير صحيح، فإيداعات الأفراد لدى شركات السمسرة تكون في خطر، إذا لم تكن هناك رقابة على هذه الشركات، كما أن الرقابة تسهم في كبح جماح الممارسات الفنية غير الصحيحة في هذه الأموال، أو تمارس بعض هذه الشركات ممارسات غير سليمة، كأن تحدث أعطالاً في منصة التداول بشكل متعمد، لكي يخسر المستثمر أو يزاول التداول بشكل معين، فيكون لصالح شركة الوساطة.
مضيفة طيران تخسر مدخرات 7 سنوات من العمل
استثمرت ألينا، مضيفة سابقة في إحدى شركات الطيران في دبي، نصف مدخراتها التي جنتها من 7 سنوات من العمل المتواصل، وبعد أن أخبرها بعض أصدقائها بأنه ربح مبالغ كبيرة من موقع لتداول «الفوركس»، قررت استثمار ما يعادل 66 ألف درهم من خلال حسابين.
وتقول «تواصل معي أحد الموظفين في الموقع عن طريق الإيميل، وأخبرني أن مقر الشركة في جزر العذراء البريطانية». وأكدت أن الأيام الأولى حققت خلالها ربحاً كبيراً لم تكن تتوقعه، لكنها قررت إغلاق الحسابات بعد أن قرأت في إحدى المدونات معلومات غير جيدة حول الشركة، «تواصلت مع نفس الموظف حول إغلاق الحسابين. في السابق كان يرد عليها في حينها، أما عند قرار الإغلاق أصبح التواصل صعباً، وفي الأخير أخبروها أن إغلاق الحساب سيستغرق أياماً لكن استرداد رأس المال سيستغرق شهوراً. وإلى اليوم لم تسترد ألينا أموالها رغم أنها لاتزال تحاول».
استثمر 12 ألف دولار من أموال دراسة ابنه الوحيد
عباس، وهو أحد المستثمرين من باكستان ويعمل في وظيفة بنكية، قال إنه استثمر 12 ألف دولار، سحبها من الأموال التي كانت العائلة قد ادخرتها من أجل تعليم ابنهم الوحيد. وأكد أنه استثمر المبلغ كله في أحد المواقع المتخصصة في تداول العملات، حيث قابله مندوب عن الشركة التي تملك مقرها خارج دولة الإمارات، وأكد له أن لا مجال للخسارة حيث إنك تستثمر أموالك في أكثر من عملة ومن المستحيل أن تنخفض جميعها.
ويضيف «ربحت 2000 دولار في أول أسبوع، لكن وبعد ذلك حاولت الاتصال بالشركة أكثر من مرة، لكن دون جدوى حيث أقفلت الشركة وسحبت موقعها واختفت وكأنها لم توجد على الإطلاق. وحاولت البحث مراراً وتكراراً عن أية معلومة تدلني عن مقر الشركة وموظفيها لكن دون جدوى. والآن أنا نادم أني آذيت مستقبل ابني وأنصح الجميع بعدم الاستثمار في القطاع بتاتاً».
اربح 264 ألف دولار عند استثمارك 20 ألفاً !
يقول علاء مستثمر لبناني، إنه كان يدرس فكرة الاستثمار في قطاع الفوركس حيث أن العديد من أصدقائه جنوا أرباحاً من ورائه، حيث تواصل مع شركة نشطة على موقع تويتر، وحين التواصل معها وعدته بـ110 % ربحاً صافياً على كل 20 ألف دولار، أي أنه سيربح 22 ألف دولار شهرياً، و264 ألف دولار في السنة والمطلوب استثمار 20 ألفاً مرة واحدة.
ويضيف علاء: «في البداية تحمست كثيراً للفكرة خصوصاً وأن الأرباح كبيرة جداً، لكن وبعد الدخول والبحث والقراءة حول القطاع وجدت أن النسبة التي وعدتني بها الشركة خيالية، ولا يوجد استثمار من هذا النوع على مستوى العالم، عندها راسلت الشركة أخبرهم أني قررت الانسحاب، لكنهم ظلوا وعلى مدى شهر كامل في التواصل معي، حيث أكدوا لي أني أستطيع التداول مجاناً في البداية بحساب 5 آلاف دولار، لكني رفضت».