أفاد مشاركون في حوارات اقتصادية، التي نظمتها أمس دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، بأن الإمارات تأتي في المرتبة الأولى على مؤشر التنويع الاقتصادي، حيث حققت 57 % على المؤشر الصادر عن «إرنست آند يونغ»، متفوقة بذلك على أستراليا وروسيا، بالإضافة إلى اقترابها من المعدل العالمي البالغ 58 %، والذي حققته بعض الدول، كالبرازيل وكندا، في ما احتلت الدولة الصدارة على مستوى دول الخليج العربي.

ويركز المؤشر على 3 جوانب اقتصادية، وهي التصدير، وحصة القطاع غير النفطي، وإنفاق القطاع العام.

حوارات اقتصادية

وكانت دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، قد أطلقت أمس «حوارات اقتصادية»، والمعنية بعرض أبرز المواضيع والدراسات والمؤشرات الاقتصادية التي تلامس جميع القطاعات الحيوية على كافة الأصعدة، وتهدف الدائرة من إطلاق «حوارات اقتصادية»، إلى تبادل الآراء والخبرات حول ثقافة الاقتصاد المعرفي والمستدام، ومناقشة أبرز التوجهات العالمية تحت منصة واحدة، تجمع نخبة من الخبراء وكبار رجال الأعمال والرواد والمستثمرين والمسؤولين على الصعيدين الحكومي والخاص، والتي تتمحور حول النمو الاقتصادي ومحركاته والإنتاجية والاستدامة والابتكار.

واستعرضت النسخة الأولى من «حوارات اقتصادية»، الكتاب الصادر عن صندوق النقد الدولي، تحت عنوان «الاستغناء عن النفط: مسار صقور الخليج نحو التنوع الاقتصادي»، وعلى أهمية التنويع الاقتصادي الناجح في دولة الإمارات، والمتوافقة مع الاستراتيجية الاقتصادية لما بعد النفط. وحضر اللقاء نخبة من قادة الصناعة والدبلوماسيين وكبار المسؤولين التنفيذيين في القطاع الحكومي والخاص، إلى جانب عدد من كبار المسؤولين من صندوق النقد.

مسار جديد

وأكد سامي القمزي مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، أن تخصيص النسخة الأولى من «حوارات اقتصادية» لمناقشة التنويع الاقتصادي، ما هو إلا تلبيه لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الرامية إلى إطلاق المبادرات والبرامج اللازمة لتوجيه اقتصاد دولة الإمارات بمعزل عن إيرادات النفط، ووضعه في مسار جديد نحو اقتصاد متنوع وقائم على المعرفة.

وأشار إلى أن تدشين الكتاب، يأتي أيضاً تجسيداً لإعلان صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2016 عاماً للقراءة، ورؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، بضرورة تعزيز القراءة، كغاية أساسية تؤدي إلى رفع مستوى المعرفة لدى المجتمع على أرض الدولة.

وقال مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في دبي: «انتهجت قيادتنا الرشيدة، استراتيجية واضحة للتنويع الاقتصادي، بعيداً عن قطاع النفط والغاز على مر العقود الثلاثة الماضية، والذي كان يسهم في أوائل الثمانينيات، ما يقارب 55 % من الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي، واعتمدت قيادتنا الرشيدة، استراتيجية التنوع الاقتصادي والتنمية الاقتصادية المستدامة، الهادفة إلى تطوير مختلف القطاعات الاقتصادية من دون التركيز على قطاع معين».

وأضاف سامي القمزي: «تشير الإحصاءات الأخيرة للناتج المحلي لإمارة دبي، على الانتقال النوعي والكمي، إلى اقتصاد التنوع الإنتاجي في شتى المجالات، وفي فترة وجيزة من حيث سرعة وتيرة الإنجاز. وهذا يؤكد نجاح الاستراتيجية التي اتخذتها الحكومة، حيث يسهم النفط اليوم بأقل من 2 % من الناتج المحلي الإجمالي في دبي، في حين أن قطاعات التجارة والعقارات والخدمات اللوجستية والمالية، تشكل اليوم ركائز اقتصاد الإمارة».

مساهمة القطاعات

وأوضح سامي القمزي، أن قطاع تجارة التجزئة والجملة وخدمات الإصلاح، احتل مقدمة القطاعات المساهمة في الناتج المحلي لإمارة دبي في عام 2015، حيث ساهم بنسبة 29 %، أي ما قيمته 107 مليارات درهم، ونتوقع أن ترتفع هذه المساهمة إلى 140 مليار درهم في 2021، مدعومة بخطة دبي الاستراتيجية 2021، بالإضافة إلى استضافة دبي لمعرض إكسبو العالمي 2020، وحل القطاع العقاري وخدمات الأعمال ثانياً، حيث ساهم بما قيمته 55 مليار درهم في الناتج المحلي الإجمالي للإمارة العام الماضي، ما نسبته 15 %، على أن تصل مساهمة القطاع إلى 62 مليار درهم في عام 2021. وحل قطاع النقل والتخزين والاتصالات ثالثاً، بنسبة 14.8 %، أي ما يعادل 54 مليار درهم، على أن ترتفع مساهمة القطاع إلى 15.7 %، أي 80.1 مليار درهم بحلول عام 2021.

المدينة الذكية

وأكد مدير عام دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، أن إمارة دبي لم ولن تتوقف عند هذه الإنجازات، فقد اتخذ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، رعاه الله، قراراً استراتيجياً لتحويل دبي إلى أذكى مدينة في العالم. وقد استعد الجميع لتحقيق هذا التغيير، وجعل دبي صقر الاقتصاد المعـرفي في منطقة الخليج العربي، وتتمثل مهمتنا في تحقيق هذه الرسالة بحلول 2017. وأكد أيضاً أن تجربة دبي في التنويع الاقتصادي، قد أصبحت مثار إعجاب العالم، وتستمر الجهود في هذا الاتجاه نحو تحقيق اقتصاد قائم على المعرفة، بما يضمن الارتقاء بمعايير المعيشة على نحو مستدام.

مؤشرات اقتصادية

ومن جانبه، قال رائد الصفدي كبير المستشارين الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية: «استخدمت دولة الإمارات ثروتها النفطية في تحديث البنية التحتية وخلق فرص العمل، وتحسين المؤشرات الاجتماعية، مع المحافظة على تراكم الاحتياطيات الرسمية، وانخفاض الديون الخارجية، ودعم الدول الفقيرة في آن واحد، وبلغ متوسط النمو الاقتصادي الحقيقي في البلاد 5 % سنوياً خلال العقد والنصف الماضية، إلى جانب نمو أنشطة الاقتصادية غير النفطية بشكل مطرد، ومن المتوقع أن ترتفع حصة القطاعات غير النفطية من 70 % إلى 80 % خلال السنوات الـ 15 المقبلة».

وأضاف: «وفقاً لمؤشر التنويع الاقتصادي، الذي يركز على ثلاث جوانب اقتصادية، ألا وهي التصدير، وحصة القطاع غير النفطي، وإنفاق القطاع العام، تأتي الإمارات في المرتبة الأولى على دول مجلس التعاون بنتيجة 57 %، حيث تفوق نتيجة دولة الإمارات كلاً من: أستراليا، وروسيا، والتي هي قريبة من المعدل العالمي (58 %)، والتي تشكلها كل من البرازيل وكندا».

تطوير الإنتاجية

واعتبر كبير المستشارين الاقتصاديين في دائرة التنمية الاقتصادية في دبي، أن تطوير الإنتاجية يشكل عنوان المرحلة المقبلة في مسيرة التنمية الاقتصادية التي تنتهجها دبي، بما يشمل إنتاجية الأفراد والعاملين في الإمارة، إلى جانب إنتاجية الاقتصاد ككل، وهو ما يلقى اهتماماً كبيراً من الحكومة.

ولفت رائد الصفدي، في تصريحات صحافية، على هامش «حوارات اقتصادية»، إلى أن المرحلة الأولى لنهضة دبي، قد ركزت بطبيعة الحال على قطاعات ذات إنتاجية محدودة، على غرار الإنشاءات، في ظل تطوير البنية التحتية والعمرانية، إلى جانب قطاع التجزئة وغيره، وبالرغم من ذلك، برز الابتكار بشكل ملحوظ خلال مسيرة دبي التنموية في السابق، فيما تتطلب المرحلة الثانية، التركيز على الأبحاث والتطوير والابتكار، وهنا، يأتي دور الحكومة في دعم هذا التوجه، وتطوير الترابط بين الجامعات وقطاعات الأعمال، ما يدعم نمو الإنتاجية في المرحلة المقبلة.

وأكد أهمية تطوير الإنتاجية لدى الأفراد، بدءاً من مرحلة الدراسة المبكرة للأطفال، وصولاً إلى الجامعات، موضحاً أن دبي باتت نموذجاً يحتذى به في التنويع الاقتصادي، وأن التنويع لا يرتبط فقط في إنتاج وتصدير عدة منتجات أو خدمات، بل يرتبط أيضاً بتطوير مستوى جودة تلك المنتجات، وبالتالي، تنويعها في مراحل لاحقة. فالإنجازات التي حققتها دبي، كبرج خليفة، على سبيل المثال، تكمن أهميتها في إيجاد معايير جديدة لكل قطاع، من حيث مستوى الجودة، سواء في الخدمات أو المنتجات على حد سواء، وهذا يصب في تعزيز التنويع الاقتصادي أيضاً، باعتباره وسيلة لتحقيق عدة أهداف، تشمل رفع مستوى المعيشة، وتسريع وتيرة نمو الناتج المحلي الإجمالي بطريقة مستدامة.

وأضاف رائد الصفدي، أن كتاب صندوق النقد، قد ركز على دور الحكومة القيادي في تحفيز مناخ الأعمال، ودعم القطاعات، عوضاً عن التركيز على شركات معينة، وهذه معطيات جديدة، بات صندوق النقد الدولي يركز عليها في المرحلة الحالية، بعد أن كان يدعو في السابق لأن ينحصر الدور الحكومي فقط في تنظيم الاقتصاد الكلي، على أن تتحرك الأسواق والقطاعات وفقاً لآلياتها الخاصة. أما الآن، فقد تم الاستفادة من تجربة دبي، التي تجسد الدور الحكومي الريادي في دعم نمو وتطور العديد من القطاعات، والإنفاق على تحديث البنية التحتية، ومن ثم الانتقال بالاقتصاد نحو المعرفة، من خلال التركيز على دور التقنية، بالإضافة إلى جهود الأبحاث والتطوير في دعم عملية النمو خلال المرحلة المقبلة.

خطوات جريئة

وفي السياق ذاته، قال الدكتور أسامة كنعان مدير مركز الشرق الأوسط للاقتصاد والمال في صندوق النقد الدولي، إن المركز أقام مجموعة من الندوات، بالاشتراك مع الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في الكويت، وذلك لتحفيز النقاش حول السياسات الاقتصادية لدول مجلس التعاون، لضمان تنمية مستدامة.

وأضاف أن استراتيجيات التنويع هي من الخطوات الجريئة، التي أصبحت ذات أهمية خاصة في مواجهة انخفاض أسعار النفط، والحفاظ على مستويات المعيشة في جميع أنحاء دول مجلس التعاون الخليجي.

ولفت الدكتور أسامة كنعان، في تصريحات صحافية، على هامش الحدث، إلى أن الإمارات وسائر دول مجلس التعاون، قد حققت تطورات كبيرة لخلق بيئة أعمال مثالية، وتطوير الأطر التشريعية والقانونية والاستثمار في البنية التحتية والتعليم، وغيرها من القطاعات الحيوية، لافتاً إلى أن المناقشة التي دارت خلال «حوارات اقتصادية»، قد طرحت السبل الإضافية التي يمكن تحقيقها في هذا الإطار، واقترحت بعض التوصيات، زيادة الاستثمار في دعم مناخ عمل الشركات الصغيرة والمتوسطة، باعتبارها مصدراً حيوياً لفرص العمل في المستقبل، ويتضمن ذلك، تسهيل حصولها على التمويل، والحد من العقبات التي تواجهها هذه الشركات، وتحسين البيئة التشريعية الداعمة لها، وقد اتخذت بعض دول مجلس التعاون، العديد من هذه الخطوات.

ضخ الاستثمارات

وأكد مدير مركز الشرق الأوسط للاقتصاد والمال في صندوق النقد، أهمية بحث الأنشطة التي يجب دعمها وتحفيزها من قبل الحكومة، وفي مقدمها الصادرات التي ترتبط بالمنتجات ذات التقنيات الحديثة والمتقدمة، وقد استعرض الكتاب أهم السياسات التي يمكن اعتمادها في دعم تصدير هذه المنتجات، والتي تسهم في رفع الإنتاجية بشكل عام في الاقتصاد المحلي، مشيراً إلى أهمية ضخ المزيد من الاستثمار في إصلاح نظام التعليم للمساهمة في تطوير الصناعات والخدمات المرتبطة بالتقنيات الحديثة، إلى جانب الاهتمام بالتعليم المهني بمختلف مراحله، لخلق قوى عاملة، تتمتع بالمهارات العملية اللازمة لدعم مختلف القطاعات.

وأكد الدكتور رضا شريف، والدكتور فؤاد حسنوف، خبراء صندوق النقد الدولي، ضرورة التنويع الاقتصادي، ووجوب تغيير المسار الاقتصادي السائد في عدد من الدول المصدرة للنفط، نحو الاقتصادات المبتكرة، على الرغم من الصعوبات التي ينطوي عليها تحول من هذا النوع.

توجُّه للتصدير

يبدأ كتاب الاستغناء عن النفط: مسار صقور الخليج نحو التنوع الاقتصادي، بسؤال القراء عن تصور مستقبل لم يعد فيه النفط المصدر الرئيس للطاقة. ويكشف الكتاب، التجارب التي حفزت الشركات إلى تطوير الصناعات التكنولوجية والتوجه نحو التصدير، والأهم من ذلك، خطوات تحقيق النمو القياسي والتنويع الاقتصادي الحقيقي، ودور الدول في تحقيق ذلك. ويسرد الكتاب عدداً من الدروس والتجارب، التي من شأنها مساعدة دول الخليج والدول الأخرى المصدرة للنفط، على دعم مسار التنوع الاقتصادي.