لم يكد ليوناردو ديل فيكيو، المولود سنة 1935، يكمل عامه الأول حتى مات أبوه، تاركاً للأم ميراثاً ثقيلاً من مسؤولية تربية خمسة أولاد، في مدينة ميلانو الإيطالية، اضطرت أمه وهو ابن السابعة من العمر إلى إيداعه بدار للأيتام، ليس فقط لأنها لم تعد قادرة على إعالته، بل لأنه كان طفلاً عنيداً مشاكساً.

رحلة كفاح

في السنة السابعة من إقامته بدار الأيتام جاءت مسؤولة جديدة، وكانت أول كلمة وجهتها إليه، حين لمحت في عينيه الذكاء والاجتهاد: «لا يختار الإنسان والديه، ولكن يمكنه أن يقرر كيف سيكون مستقبله». هنا فهم ليوناردو ابن الـ14 ربيعاً الرسالة، وقرر أن يعتمد على نفسه، فترك الدار، وبدأ رحلة كفاحه بالعمل بمصنع للسيارات، ثم انتقل للعمل في ورشة تنتج المكونات المعدنية للنظارات، حيث فقد طرف أصبعه بآلة تقطيع أجزاء النظارة. يقول ديل فيكيو عن تلك الفترة «لم يكن أحد بالورشة يعتبرني صانعاً ولا ينادونني باسمي، بل كانوا ينادونني دائماً باحتقار وتعالٍ «تعال أيها الصبي»، وكانوا يوكلون إليّ الأعمال البسيطة التي لا تحتاج إلى خبرة، مثل جلب المواد الخام أو خدمتهم وصنع المشروبات لهم».

20 ساعة يومياً

في أثناء عمله بالورشة كان يدرس بالمعهد الصناعي للتصميمات، فكان يمضي 14 ساعة من يومه بين العمل والدراسة، إلى أن حصل على دبلومة أكاديمية بريرا للفنون، وبعد أن أتقن كل ما يمكن تعلمه في صناعة النظارات، من التصميم إلى تصنيع الأجزاء، كالعدسات والإطارات، إلى التسويق، أسس مصنعه الأول بمساعدة زوجته، واستطاع توظيف 14 عاملاً، وبلغت ساعات عمل المصنع 20 ساعة يومياً. هناك في مدينة أغوردو الصغيرة التي تقع شمالي البندقية بدأ شركته، وقد اختار هذه المدينة لأن الحكومة كانت تقدم قطعة أرض لمن يؤسس عمله فيها، كما أن المدينة كانت قريبة من الشركات المهتمة بصناعة النظارات والعدسات. بدأت إمبراطورية ديل فيكيو بمصنع صغير على ضفاف نهر أغوردو إلى جانب منزله الصغير، وكان عمله اليومي يبدأ عند الثالثة فجراً ويستمر إلى نهاية اليوم.

ألف دولار

وبعد 6 سنوات من العمل الجاد الشاق؛ أسس ديل فيكيو مصنع شركته «لوكسوتيكا»، التي صارت فيما بعد اسماً بارزاً في عالم النظارات، لاسيما بعد أن قدم تصميماته إلى بعض العلامات التجارية البارزة، ليؤسس علامته الخاصة عام 1971، ويلقب باسم «إمبراطور صناعة النظارات في العالم». وما بين عامي 1981 و1995، أسس ديل فيكيو العديد من الأفرع لماركته الخاصة في أنحاء أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، وتستحوذ شركته لوكسوتيكا الآن على 90 % من النظارات في العالم، وتصنعها لأشهر العلامات التجارية، مثل «راي بان» و«أرماني» و«بولغري»، و«شانيل» و«بروك براذرز»، حتى صارت الشركة تلقب بـ«أمازون صناعة النظارات». وبفضل ديل فيكيو صارت النظارة من أهم صيحات الموضة، بعد أن كانت مجرد «أداة» طبية تُشعر من يلبسها بالخجل من مظهره. وبفضل تعاونه مع دور الأزياء الشهيرة استطاع رفع ثمن النظارة الواحدة إلى أكثر من 1000 دولار، بمعدل 10 أضعاف ثمنها قبل ذلك.

1.4 مليار دولار

ولم تكتفِ شركته بتصنيع النظارات، بل كانت – ومازالت - تبيعها عبر سلاسل المبيعات الخاصة بها مثل Pearle Vision

وLenscrafters وSunglass Hat.

وفي عام 1990 أدرج ديل فيكيو شركته في بورصة نيويورك؛ في خطوة غير مسبوقة عالمياً لشركة بحجم شركته. كما تمكن من شراء مؤسسة شو Shoe التي تقدر قيمتها السوقية بخمسة أضعاف قيمة شركته نفسها، وكانت المرة الأولى التي تستحوذ فيها شركة إيطالية على تجمع شركات أمريكي، وتمت الصفقة مقابل 1.4 مليار دولار، وكان من ذكائه أن باعها بعد ذلك مباشرةً إلا فرعاً واحداً منها وهو Lenscrafters المتخصص في صناعة النظارات وإطاراتها؛ حتى يكون له منفذ لبيع النظارات لحسابه في الولايات المتحدة الأمريكية. ولم يكتفِ ديل فيكيو بتصنيع وبيع النظارات الفاخرة، بل اتجه إلى الأسواق النامية وصمم نظارات بأسعار اقتصادية، وقدمها ضمن المبادرات الخيرية حول العالم.. كل هذا جعل من ديل فيكيو واحداً من أغنى أغنياء إيطاليا والعالم حسب تصنيف مجلة «فوربس»، وهو ثاني أغنى شخص في إيطاليا، حيث قدرت ثروته بنحو 27 مليار دولار.