أعلنت الحكومة الفرنسية الثلاثاء أنها ستعلق الزيادة المقرّرة على ضريبة الوقود مدة ستة أشهر في محاولة لتهدئة الاحتجاجات العنيفة التي تحولت إلى أسوأ أزمة يواجهها الرئيس ايمانويل ماكرون.

ويعتبر هذا تنازلا بين العديد من التنازلات التي قدمها رئيس الوزراء الفرنسي إدوار فيليب في كلمة تلفزيونية نادرة بعد أن هزت البلاد اشتباكات في الشوارع وأعمال تخريب في باريس خلال عطلة نهاية الأسبوع.

وقال بعد نحو الأسبوعين من تظاهرات حركة "السترات الصفراء" في كلمته "يجب أن تكون أصم وأعمى لكي لا ترى ولا تسمع هذا الغضب".

وأضاف "لا ضرائب تستحق أن تعرض وحدة الأمة للخطر".

وأكد أن أسعار الكهرباء والغاز التي تنظمها الحكومة ستجمد كذلك خلال فصل الشتاء، وأن إجراءات تشديد المراقبة التقنية للسيارات، والمقرر أن يتم بموجبها فرض غرامات على السيارات القديمة الأكثر تلويثا ابتداء من الأول من سيتم تعليقها ستة أشهر.

وأشار إلى أن "أبناء الشعب الفرنسي الذين ارتدوا السترات الصفراء يحبون بلدهم، ويرغبون في ضرائب منخفضة ويريدون أن يكون راتبهم كافيا، وهذا ما نرغبه كذلك".

وتزايدت الضغوط بعد أن تحولت الاحتجاجات إلى أسوأ اشتباكات شوارع في وسط باريس منذ عقود وأدت إلى إصابة واعتقال العشرات.

وتعتبر هذه التنازلات التي تأتي بعد حزمة مساعدات للأسر الأكثر فقراً بقيمة 500 مليون يورو (570 مليون دولار)، المرة الاولى التي يتنازل فيها الرئيس ماكرون في وجه المعارضة الشعبية.

كما أنها ضربة لماكرون، مصرفي الاستثمارات السابق، الذي رسم لنفسه صورة المصلح الاقتصادي الحاسم.

وأجبرت احتجاجات الشوارع الحاشدة مرارا رؤساء فرنسيين سابقين على التراجع عن مواقفهم، وهو ما تعهد ماكرون عدم القيام به في سعيه الى "تغيير" الاقتصاد والدولة الفرنسية.

ومن غير الواضح بعد ما إذا كانت تلك الاجراءات ستهدئ غضب الشارع الفرنسي.

وصرح بنجامين كوتشي أحد منظمي حركة "السترات الصفراء" أن "الفرنسيين لا يريدون الفتات، إنهم يريدون الرغيف كاملا".

وكتبت زعيمة اليمين المتطرف مارين لوبن، المؤيدة للحركة الاحتجاجية، على تويتر أن المحتجين يريدون إلغاء زيادة الضريبة على الوقود وليس تعليقها فقط.

وكان إلغاء الزيادة -- ثلاث سنتات على البنزين الخالي من الرصاص وست سنتات على الديزل - هو المطلب الرئيسي للمحتجين، إضافة إلى رفع الحد الأدنى للأجور وعودة فرض ضريبة الثروات على الأغنياء بعد ان ألغيت العام الماضي.

وقالت مجموعتان تغلقان مخازن للبنزين في بريتاني أنهما ستنهيان الإغلاق عقب إعلان هذه الإجراءات التي ستكلف الدولة نحو ملياري يورو (2,3 مليار دولار)، إلا أن آخرين قالوا أنهم لا ينوون وقف التظاهرات.

وقال ليونيل رامبو (41 عاما) الذي كان يشارك في إغلاق مخزن خارج لومان في غرب فرنسا "إنهم يأملون أن نعود إلى المنزل، ولكننا لن نتحرك".

وأعلن فيليب الثلاثاء أن الحد الأدنى للأجور في فرنسا من المقرر زيادته بنسبة 3 في المئة اعتبارا من يناير "وهي واحدة من أعلى الزيادات خلال ال25 عاما الماضية".

إلا أن الحكومة تحرص على تجنب يوم آخر من الاحتجاجات وإحراق السيارات، وسط دعوات من بعض الأشخاص إلى احتجاجات جديدة السبت.

ماكرون صامت

ظهرت حركة "السترات الصفراء"، نسبة إلى السترات التي يرتديها المحتجون، على وسائل التواصل الاجتماعي في أكتوبر بعد أشهر من الغضب المتزايد إزاء رفع أسعار الوقود.

وتحولت الحركة بسرعة إلى احتجاجات واسعة ضد ارتفاع كلفة المعيشة خصوصا في البلدات الريفية والصغيرة التي يتهم سكانها ماكرون بتمثيل النخبة الباريسية دون فهم معاناتهم اخر كل شهر لسد احتياجاتهم.

وصرح وزير الداخلية كريستوف كاستانير أنه سيتم نشر مزيد من رجال الشرطة السبت المقبل إضافة إلى 65 ألف رجل شرطة نشروا خلال عطلة نهاية الأسبوع المقبل، داعيا إلى أعضاء الحركة "العاقلين" إلى البقاء في منازلهم.

ولم يدل ماكرون بأي تصريح حول عمليات التخريب التي شهدتها باريس منذ عودته من قمة مجموعة العشرين في الارجنتين الأحد.

وقال مكتب ماكرون أنه لن يتحدث علنا عن العنف "في الوقت الحالي"، رغم أنه عقد لقاء مقتضبا مع احد المحتجين في مكتبه الثلاثاء.

كما أنه زار مكاتب حكومة محلية في بلدة بوي ان فالي والتي أحرقت في احتجاج في عطلة نهاية الأسبوع، وسط صيحات الاستهجان التي لقيته عند مغادرته.

إلا أنه ارجأ زيارة مقررة الى بلغراد بسبب "مشاكل" في بلاده، بحسب ما أعلن نظيره الصربي الكسندر فوتشيتش الاثنين.

وماكرون الوسطي (40 عاما) انتخب في مايو وفقا لاجندة أعمال شملت إجراءات تحض الشركات على الاستثمار لايجاد الوظائف.

وبعد توليه السلطة مباشرة سعى إلى خفض الضرائب على اوساط الأعمال وأصحاب الدخل المرتفع.

وأثارت هذه الإجراءات الغضب بين أصحاب "السترات الصفراء" الذين أغلقوا الطرق السريعة ومخازن الوقود حول البلاد خلال الأسبوعين الماضيين.

وانتشرت الاحتجاجات في نحو مئة مدرسة لا تزال مغلقة كليا أو جزئيا من قبل المراهقين الذين أعربوا عن خيبة أملهم حيال إصلاحات تتعلق بدخول الجامعات.

إحصاء الخسائر

قتل أربعة أشخاص خلال الاحتجاجات بينهم عجوز في الثمانين من عمرها توفيت في المستشفى الأحد بعد إصابتها بعبوة غاز مسيل للدموع في مرسيليا.

وتحولت الاضطرابات إلى أعمال تخريب ونهب في جادة الشانزلزيه وغيرها من المناطق السياحية السبت، وانتشرت صور صادمة للاحتجاجات في أنحاء العالم.

وقالت الشرطة أن 412 شخصا اعتقلوا في العاصمة السبت. وذكرت رئيسة بلدية باريس آن هيدالغو أنه تم سحب أكثر من 200 سيارة محترقة من الشوارع.

وأشارت إلى أن كلفة الضرر الذي لحق بمواقف الحافلات والمقاعد العامة وغيرها السبت تتراوح بين ثلاثة إلى أربعة ملايين يورو.