لم يذق السوق العقاري في دبي منذ الطفرة العقارية الثانية في 2004 غير طعم صفقات (البيع الأولي).
كان طعم ذلك المذاق «حلواً جداً» في أفواه المطورين وأرصدتهم المصرفية وفي أفواه المستثمرين أيضاً على حد سواء، وكان مصطلح «إعادة البيع» أو «السوق الثانوي» لا يكاد يسمع عنه أحد في السوق طيلة 10 أعوام تلت الطفرة، حتى بدأ مصطلح «إعادة البيع» أو «السوق الثانوي» كلمات جديدة متداولة وترّن في الآذان بفعل جملة من التطورات الاقتصادية وتبعاتها من تغيرات جذرية في سلوك المطورين والمستثمرين بدأت في 2015 وزادت بقوة كبيرة جداً خلال 2020، فسرّعت تلك التطورات ولادة عدد ضخم من صفقات السوق في إطار «إعادة البيع» ليتبدل طعم مذاق الصفقات الجديدة، إلى «حلو جداً» في أفواه المستثمرين ومشوب بنوع من المرارة في أفواه أغلب المطورين.
السبب ببساطة شديدة هو أن صفقات «البيع الأولي» تحدث في سوق حديث ومتنامٍ مدعوماً بطفرة في التوظيف بسوق العمل، وغالباً ما يجني المطور والمشتري أرباحاً كبيرة وعائداً مجزياً وقيمة مضافة على رأس المال المستثمر في العقار، أما «إعادة البيع» فمختلفة كونها تحدث عادة في سوق يضغط فيه المعروض على الأسعار ويشهد سوق العمل فيه تطورات لجهة كم ونوع الوظائف، وبالتالي تبرم صفقات البيع بأسعار أقل عن أسعار البيع الأولي ما يحصر العائد المجزي على الاستثمار في يد المشتري، مقابل تدني وتراجع في أرباح المطورين.
قفزة كبيرة
وقد أجرى «البيان الاقتصادي» تحليلاً معمقاً في بيانات السوق خلال الأعوام الخمسة الأخيرة وخلص إلى حقيقة واضحة مفادها تضاعف عدد صفقات إعادة بيع العقارات في العام الماضي بشكل لافت وغير مسبوق في تاريخ عقارات دبي، إذ سجل السوق الثانوي صفقات بقيمة 54 مليار درهم خلال 2020، مقابل 51 مليار درهم قيمة صفقات السوق نفسه على مدى 4 أعوام مجتمعة (2016 - 2019).
هذا التطور اللافت يتطلب من المعنيين في القطاع العقاري والمتعاملين والعاملين فيه، الوقوف بتمعن لفهم طبيعة ومتطلبات السوق في المرحلة المقبلة، فمن شروط توازن السوق أن يكون هناك فرق بسيط في الأسعار بين البيع الأولي وبين إعادة البيع؛ إلا أن طبيعة أسعار العروض العقارية في السوق الأولية تظهر فجوة لصالح نظيرتها في السوق الثانوي.
أول وثانٍ
ثمة مفارقة أخرى في خلاصة تحليل تلك البيانات الرسمية الموثقة في دائرة الأراضي والأملاك في دبي، مفادها أن إعادة البيع في 2020 تفوق على البيع الأولي برقم ضخم، فقد حصدت صفقات إعادة البيع مبلغاً إجماليا تجاوزت 54 مليار درهم لـ25368 صفقة مقابل 18 مليار درهم قيمة 10054 صفقة عقارية لأول مرة. ويجمع العديد من المراقبين أن نتائج السوق الثانوي تمثل إعلاناً صريحاً وقوياً بأن عقارات دبي دخلت مرحلة جديدة وكلمة الفصل فيها أصبحت لصفقات إعادة البيع على حساب صفقات البيع الأولية.
فوائد المصائب
وغالباً ما يواجه المستثمر العقاري صعوبة في الاختيار بين الاستثمارات الأولية «على الخارطة» مقابل الاستثمارات الثانوية «إعادة البيع» بسبب الفارق في السعر لصالح عقارات الخريطة، لكن جائحة «كوفيد 19» أثرت على السوق في محورين، الأول خفض في أسعار عقارات الخريطة التي تتعرض سلفاً إلى ضغوط المعروض بشكل كبير، ثم جعلت من العقارات الجاهزة فرصة لا يمكن تفويتها. فلم يعد خيار الاختيار بين «الخريطة» و«الجاهز» صعباً ومعقداً، فسلوك المستثمرين خلال الجائحة ذهب باتجاه الحصول على مزيد من الطمأنينة، وهو ما وفره العقار الجاهز بأسعار أقل من العقارات قيد الإنجاز.
2020
وفي 2020 رصدت «إف إي إم العقارية» أحوال سوقي العقارات الجاهزة وقيد الإنجاز في ظل جائحة «كورونا» وما يمكن أن تؤول إليه نتائج معركة العرض والطلب القائمة منذ عامين والتي زادت الجائحة وتيرتها خلال العام الماضي، مؤكدة أن بعض المستثمرين الأفراد يغادرون في الوقت الراهن بعد تحقيق مكاسب سريعة تاركين وراءهم فرصاً استثمارية متميزة للمشترين الجدد، لا سيما مع قرب اكتمال العديد من المشاريع قيد الإنجاز.
معركة فاصلة
وقال فراس المسدي، الرئيس التنفيذي لـ«إف إي إم العقارية»، إن الكلمة الفصل في معركة توازن العرض والطلب القائمة باتت محسومة لسوق التأجير من جهة ولسوق إعادة بيع العقارات الجاهزة من جهة أخرى، فإعادة البيع تستعيد به العقارات عافيتها في عدد الصفقات لا الأسعار.
وأضاف: صحيح أن هناك عدة مشاريع على وشك الإنجاز أو في طريقها للتسليم لتزيد من إمدادات المعروض وترجح كفته أمام الطلب، لكن بالمقابل لا يمكن غض الطرف عن شهية المستثمرين المفتوحة في سوق العقارات قيد الإنجاز.
وأشار إلى أن ما يجعل عوامل استقرار العرض مقابل الطلب محصورة في سوقي إعادة البيع والتأجير، تكمن في أن المعروض العقاري لن يشهد زيادة في حجمه لا العام الجاري ولا في المستقبل المنظور، إذ لا يلوح في أفق السوق أي خطط للمطورين لإطلاق مشاريع ضخمة جديدة.
وأوضح أن الأشهر الماضية شهدت تباطؤاً كبيراً في عدد عمليات الإطلاق لمشاريع جديدة، عشية تشكيل اللجنة العليا للتخطيط العقاري بإمارة دبي، والتي تنهض بعدة مهام وأبرزها وضع استراتيجية واضحة ومدروسة لتحقيق قيمة مضافة للمشاريع.
ولفت إلى أن دخول العالم في مواجهة مع فيروس «كورونا» دفع بكبار مطوري العقارات في دبي للتركيز على المشاريع قيد الإنجاز وتسليمها إلى الملاك، ووضعوا المشاريع التي كان من المزمع إطلاقها خلال 2020 في أجندة المستقبل القريب.
أسعار معقولة
وقالت ديانا ماجاريو، العضو المنتدب لشركة «IQI» للعقارات في دبي: إن الكثير من المستثمرين يتطلعون لشراء المباني والشقق لأنهم يعتقدون بأن العام الجديد سيشهد عدداً كبيراً من الزوار الأجانب وعدد الوحدات المتاحة ليس كافياً لاستيعابهم. وأشارت ماجاريو إلى أن دبي توفر أسلوب حياة جيداً، وسهولة الوصول والإقامة، مع أنظمة شفافة وتمويل سهل، وحوافز للمطورين، وأسعار دخول بأسعار معقولة.
مستثمرون جدد
ويقول الخبير العقاري طارق رمضان: إن من الواضح بروز إعادة البيع كوجه جديد للسوق وليس ظاهرة، ويمكن ملاحظة حراك عقاري يقوده مستثمرون جدد خبروا على نحو جيد لعبة الاستثمار، واستفادوا من دروس الأزمة المالية العالمية، إلى جانب وسطاء حرفيين يحاولون النهوض بمسؤوليات أكثر المهن والأنشطة العقارية تأثيراً في السوق، وربما يمكن تفسير سبب حفاظ العقارات في بعض المناطق على قيمها ما يقود للاعتقاد بأن الأسعار لن تبقى على حالها خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب الامتصاص المتوقع للمعروض ولنضج الصفقات العقارية في أوساط المستثمرين الجادين.
وأضاف أن الكثير من المراقبين والمهتمين بصناعة العقار ومتابعي أدائه يعتقدون بأن الإشارات على مدى نجاح إعادة البيع قوية وقد تحتاج للحفاظ عليها وزيادتها رقابة الجهات المعنية أينما تطلب ذلك لضمان عدم تعريض تلك السوق الجديدة لتحديات غير محسوبة قد تدفع إلى تقليص حجم الفرص الاستثمارية وابتلاعها من قبل نفر متمرس على استغلال الفرص في الأزمات.
واقترح رمضان صياغة سيناريوهات حماية للسوق الجديدة في إطار المحافظة على المصلحة العليا من دون المساس بشخصية السوق المفتوحة ولكن على أوضح وأوسع من الطريقة المرنة التي تعاملت بها دبي مع قضايا ارتفاع الأسعار وأقرب من الطريقة التي تعاملت معها في ضبط إيقاع الزيادات في القيمة الإيجارية وآخرها قانون تثبيت الإيجارات 3 سنوات من تاريخ التعاقد.