توقع تقرير حديث أصدرته مؤسسة دبي للمستقبل بالشراكة مع «اقتصادية دبي» بعنوان «اقتصاد البيانات الجديد»، أن ترتفع قيمة سوق البيانات الضخمة عالمياً من نحو 70.5 مليار دولار في عام 2020 إلى 243.4 مليار دولار بحلول عام 2027، ولفت إلى أن هذا القطاع يشكل ما بين 7% و10% من الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الاقتصادات المتقدمة مثل ألمانيا والمملكة المتحدة وهولندا، حيث تكتسب البيانات المفتوحة أهمية كبيرة لدورها المحوري في تعزيز جهود الحكومات لبناء اقتصادٍ معرفي ذكي ومتطور، ويشهد سوق البيانات الضخمة ونظم تحليلها نمواً مطرداً على مستوى العالم، فيما تشكل عمليات جمع البيانات وتحليلها وتوظيفها قطاعاً اقتصادياً قائماً بذاته يولّد فرصاً وأسواقاً جديدة ونماذج أعمال مبتكرة غير تقليدية باستخدام خوارزميات البرمجة وتقنيات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التقنيات المستقبلية.
واستعرض التقرير أهم الاتجاهات الوطنية والعالمية للاستفادة من الفرص الكبيرة التي يوفرها اقتصاد البيانات، وسبل الارتقاء بمجالات الابتكار والبنية التحتية وريادة الأعمال، وتطوير المؤسسات المتوسطة والصغيرة، واستقطاب المواهب والمهارات، وتصميم اللوائح والسياسات التنظيمية لمواكبة المتطلبات الجديدة.
نمو القطاعات الحيوية
وتعد البيانات من أهم عوامل تحفيز القطاعات الاقتصادية، إذ ساهم توافر بيانات نظم المعلومات الجغرافية بنمو قطاع تطبيقات تحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية فوصلت قيمته السوقية إلى أكثر من 128 مليار دولار، ما فتح المجال أمام ابتكار مجموعة من التقنيات الجديدة في مجال أنظمة الملاحة، ومكّن الشركات في مختلف القطاعات من ربطها ببيانات أخرى لتطوير تطبيقات جديدة مثل برمجيات تخطيط المناطق الحضرية والدعم اللوجستي.
كما أدى تبادل البيانات بين المؤسسات البحثية والمستشفيات إلى نمو قطاع الطب الدقيق عبر دراسة بيانات المرضى وتحديد مواقع الطفرات الوراثية وتحليل الحمض النووي لاكتشاف الأمراض الوراثية مبكراً، فضلاً عن تطوير أساليب العلاج المخصصة لكل مريض حسب حالته، ومن المتوقع أن تبلغ قيمة قطاع الطب الدقيق عالمياً نحو 105 مليارات دولار بحلول 2026.
تعزيز دور البيانات
وأوصى التقرير بضرورة تعاون جميع الجهات لزيادة جودة البيانات وإدارة استخدامها، وتسهيل وصول الجهات الحكومية والخاصة والشركات الناشئة والمبتكرين إلى البيانات مفتوحة المصدر ومشاركتها مع الباحثين والمهتمين بالحصول على البيانات والمعلومات التي تساعد في تخفيض التكاليف ومدة البحث والتطوير وجمع البيانات وفرزها.
وأشار إلى أهمية تطوير منصات البيانات المفتوحة الحالية، وتوفير وسائل بديلة لتسريع تبادل البيانات عبر نماذج مبتكرة مثل «أمانات البيانات» بدعم من القطاعين الحكومي والخاص، إضافة إلى ضرورة منع احتكار الأنشطة الاقتصادية في مجال البيانات، ومواءمة سياسات مشاركة البيانات مع متطلبات مختلف القطاعات، وتشجيع الشركات الناشئة والمشاريع الرقمية المتخصصة بتطوير تقنيات قائمة على توظيف البيانات.
تعزيز التنافسية
وأكد خلفان جمعة بلهول الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، أن لدى دبي ودولة الإمارات تجربة ناجحة ورائدة عالمياً في مجال توظيف الفرص الواعدة لقطاع البيانات، التي أصبحت من أهم الأصول عالية القيمة، وثروة وطنية لحكومات المستقبل تساعدها على تعزيز تنافسية اقتصاداتها، وتدعم استعدادها لتغيرات وتحديات المستقبل مع تسارع التحول الرقمي في كل القطاعات الحيوية.
وقال بلهول إن مؤسسة دبي للمستقبل حريصة على التعاون مع كل شركائها في دولة الإمارات والعالم لدراسة مستقبل قطاع البيانات، وتحديد التوجهات الجديدة، وإطلاق حوارات شاملة ودعم الجهات الحكومية والخاصة لتطوير أنظمتها الرقمية وسياسات إدارة البيانات وتخطيط الاستراتيجيات المستقبلية لتوظيف البيانات الضخمة والتقنيات الحديثة، بما يسهم بتوليد قيمة اقتصادية إضافية في السنوات المقبلة.
وأضاف: «يقدم هذا التقرير الذي تم إعداده بالشراكة مع «اقتصادية دبي» مجموعة من التوصيات والمقترحات والدراسات التحليلية حول أنسب الأطر التنظيمية والنماذج التجارية لتسريع عمليات تبادل البيانات واستخدامها مع التركيز في الوقت نفسه على حماية البيانات وخصوصية المستخدمين لتشجيع جميع الجهات الحكومية والشركات العالمية على الاستثمار بشكل أكبر في تطوير قطاع البيانات».
تحقيق أهداف الاستراتيجيات الوطنية
من جهته، قال محمد شاعل السعدي المدير التنفيذي لقطاع الشؤون الاستراتيجية المؤسسية في اقتصادية دبي: «بدأت دبي مسيرتها الناجحة والرائدة عالمياً في تبني التكنولوجيا المتقدمة منذ عام 1999 بإطلاق أول استراتيجية متكاملة لقطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وغيرها من المبادرات مثل الحكومة الإلكترونية والحكومة الذكية ووصولاً إلى تشجيع تطبيقات البيانات المفتوحة وتوظيف تقنيات التعاملات الرقمية (بلوك تشين) للارتقاء بأداء العمل الحكومي، وتسريع عملية التحول الرقمي لتكون دبي رائدة على مستوى المنطقة في تبني أحدث الابتكارات والتقنيات المستقبلية».
وأكد السعدي أن تحديات جائحة فيروس كورونا المستجد أظهرت خلال الفترة الأخيرة أهمية وأولوية دور الاقتصاد الرقمي في تحقيق أهداف الاستراتيجيات الوطنية، مشيراً إلى ضرورة مواصلة تطوير استخدامات الابتكارات الرقمية وسياسات البيانات لمواكبة متطلبات كل قطاعات الاقتصاد والأعمال والاستثمارات التكنولوجية.
مصادر البيانات
وتختلف البيانات الضخمة عن البيانات التقليدية والتحليلات والإحصاءات لأنها تشكل مجموعات بيانات أوسع وأكثر تطوراً وتعقيداً تجمع باستمرار من مصادر البيانات الجديدة، مثل الأجهزة المزودة بالحساسات، أو معلومات صفحات الإنترنت وتطبيقات الأجهزة النقالة، أو البيانات الحية التي تبث مباشرة من منصات التواصل الاجتماعي مثل تويتر ويوتيوب وفيسبوك.
وتمتاز مجموعات البيانات هذه بأنها أضخم بكثير من البيانات التقليدية، إذ يتراوح حجمها من عشرات التيرابايت إلى مئات البيتابايت، وتتضمن النصوص والصور والصوت ومقاطع الفيديو، ما يعني أن معالجتها تتطلب أكثر من برامج معالجة البيانات التقليدية، وقد ساهم ذلك بظهور علم البيانات كنوع من المهارات أو الخبرات الجديدة التي تستخدم الرياضيات وعلم الإحصاء وبرمجة الحواسيب وتعلّم الآلة لاستخراج معلومات قيّمة من هذا المقدار الهائل من البيانات.
نماذج الأعمال المتخصصة في مجال البيانات
ويعود النمو والنجاح الذي حققته الشركات العملاقة في قطاع التقنية، مثل «أمازون» و«كريم» و«فيسبوك» و«غوغل» و«نتفلكس»، إلى كمية البيانات التي تجمعها وتستخدمها، فقدرة تلك الشركات على دمج تدفقات البيانات عن التركيبة السكانية وتاريخ المشتريات والتفاعلات وأنماط التسوق، تمكنها من تطوير ما يطلبه العملاء وتشكيل نماذج السوق وتقديم منتجات وخدمات مخصصة جداً وذات طابع شخصي. وهذا يعني أن للبيانات أثراً مضاعفاً، فهي تمكّن الشركات من زيادة إيراداتها الحالية، وخلق مصادر دخل جديدة، ما يؤدي إلى إنتاج مزيد من البيانات.
وتساعد البيانات الشركات على تطوير ميزة منافسة، وتُظهر الأبحاث أن الشركات التي تركز على البيانات تحقق عادة عوائد أعلى من الشركات الأخرى حتى في القطاعات التقليدية، وفي المقابل يستخلص رواد الأعمال والمطورون قيمة أكبر من البيانات بالاعتماد على مجموعة من النماذج الجديدة المبتكرة.