الأسواق كانت عبر التاريخ من أهم المعالم في مدن شبه الجزيرة العربية، حيث كانت بمثابة مهد الثقافة الحضرية التقليدية في العديد من المجتمعات. وهنالك ترابط وثيق بين الأسواق التجارية وتطور المدن، فهذه الأسواق ليست مجرد منصة للتبادل التجاري، فلطالما كانت، وما زالت بمثابة بيئة تجارية متكاملة وجزء أساسي من النسيج المجتمعي ونمط الحياة المتبع، وتعد دبي تجربة نابضة في هذا التطور.
نظراً لتغلغل مشهد وثقافة التجارة في صميم المجتمعات العربية بسبب طبيعة هذه البلدان التجارية، فليس من المستغرب أن تتمكن دبي، والتي احتلت مكانة تجارية مهمة منذ قرن من الزمان، من وضع بصمتها على ساحة الأزياء الفاخرة العالمية، واكتساب سمعة لامعة كأهم الرواد في قطاع التجزئة و كوجهة تسوق عالمية.
من دبي إلى العالم
في عام 1981 تم افتتاح أول مركز تسوق تجاري في دبي مع مفهوم حديث، وهو مركز الغرير، والذي يمثل بحق بداية قصة نجاح تجارة التجزئة في الإمارة، وجاء بعد ذلك تأسيس مؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة لإطلاق مهرجان دبي للتسوق عام 1996، والذي أصبح اليوم أكبر وأطول مهرجانات التسوق السنوية استمرارية في العالم. وتوالت بعد ذلك إطلاق المهرجانات والفعاليات المتنوعة.
وعلى مستوى الإمارات، فإن قطاع التجزئة في تطور وازدهار متواصلين بالرغم من التحديات العالمية الراهنة، فهو مساهم رئيسي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة بما يقارب 14%، ويعد من أهم المصادر غير النفطية الداعمة للنمو الاقتصادي.
ويمثل قطاع تجارة التجزئة نحو 27 % من الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي، والتي تحتضن أكثر من 62 في المئة من مجمل العلامات التجارية الرائدة في العالم حالياً. ليكون أحد أكبر القطاعات مساهمةً في اقتصادها، بقيمة مضافة تبلغ 105.1 مليارات درهم (28.6 مليار دولار)، فلا يتفوق عليها سوى قطاع السياحة.
ومنذ افتتاح سيتي سنتر ديرة في عام 1995، والذي كان يعتبر آنذاك أكبر مركز تسوق في الدولة، إلى تدشين أكبر مركز تسوق في العالم وهو «دبي مول» في خضم الأزمة المالية العالمية عام 2008، فقد تمكن قطاع التجزئة في دبي من الوصول إلى العالمية معززاً بذلك مكانة الإمارة كوجهة مفضلة للتسوق، تضم مراكز تسوق ضخمة، وتحتضن أشهر وأهم العلامات التجارية الفاخرة.
تطور مستمر
تقدم دبي للمتسوقين تجربة تسوق غامرة ومتكاملة نظراً لوجود أهم علامات الأزياء الفاخرة والعالمية في الإمارة وحرص هذه العلامات على الوجود في منطقة الخليج بشكل عام وفي دبي على وجه الخصوص.
وتقدم أجندة أنشطة وفعاليات التسوق في دبي برنامجاً حافلاً على مدار العام، فعلى سبيل المثال، تساهم حملة إطلاق تشكيلة الربيع / الصيف لعام 2022 التي أطلقتها مؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة في استقطاب أهم الفعاليات التابعة لعلامات تجارية عالمية فاخرة من بينها كارتييه، كريستيان ديور، لويس فيتون، بالنسياغا، كريستيان لوبوتان، جيمي تشو، سالفاتور فيراغامو، وستيلا مكارتني وغيرها.
ويأتي افتتاح معرض لويس فيتون للسفر حول العالم، وإطلاق مجموعة جيمي تشو الرمضانية الحصرية، إضافة إلى الكشف عن مجموعة قطع بالنسياغا المحدودة الإصدار في دبي وأماكن أخرى مختارة، ومتاجر ديور المتنقلة الحصرية وإطلاق مجموعة الكبسولات الحصرية لستيلا مكارتني في دبي؛ تأكيداً على أهمية مكانة دبي كوجهة مفضلة للعديد من العلامات التجارية الفاخرة في عالم التسوق.
كما تقدم دبي منصة مهمة للعديد من مصممي الأزياء الفاخرة المبتدئين من الإماراتيين وغيرهم للانطلاق عالمياً، فعلى سبيل المثال تم إطلاق سلسلة من الأسواق المحلية للسيدات خلال مهرجان دبي للتسوق 2022، والتي ضمت مجموعة من الفعاليات والمعارض المتنقلة بهدف تشجيع ودعم المشاريع التي تديرها السيدات والترويج لمنتجاتها المصنوعة في الإمارات كالعبايات والحقائب والحرف اليدوية.
وتلبي دبي تطلعات جميع المتسوقين لما تتميز به من تنوع في المنتجات سواء كانت مجموعات كلاسيكية أو أحدث صيحات الموضة. وبالرغم من التغييرات التي يشهدها قطاع الأزياء الراقية والمنتجات الفاخرة في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث تتطور العلامات التجارية باستمرار لتلبية احتياجات مختلف شرائح المتسوقين، فإن تطور هذا القطاع على مستوى المنطقة، وفي دبي على وجه الخصوص، في نمو مستمر، ومن المتوقع أن يصل سوق الرفاهية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 11 مليار دولار العام المقبل وحده.
وسواء كانت السياحة هي المحفزة لقطاع التجزئة في دبي، أو كانت التجارة هي التي تنعش صناعة السياحة، تبقى الحقيقة الثابتة هي أن دبي، التي بدأت مسيرتها كمركز تجاري على ضفاف الخليج، أصبحت اليوم أحد أهم وأكبر وجهات تسوق السلع والمنتجات الفاخرة في العالم.