نشرت صحيفة «ذا غارديان» البريطانية تقريراً أثار ضجّة كبيرة، حيث جاء بعنوان «صناعة رقائق الحواسيب لها سر مناخي»، وكما يتضح من عنوانه، فقد سلط الضوء على التأثير المناخي والبيئي الضار لصناعة أشباه الموصلات.

وأشار التقرير إلى حقائق مثيرة للقلق في هذا الشأن مُستمدّة من بيانات رقمية، منها على سبيل المثال: أن شركة «تايوان» لصناعة أشباه الموصلات المحدودة، المعروفة اختصاراً بـ«تي إس إم سي»، أكبر شركة على مستوى العالم لإنتاج أشباه الموصلات، تستهلك وحدها حوالي 5% من إجمالي الطاقة الكهربائية المُستهلكة في تايوان بأكملها، وفقاً لبيانات رسمية. وتوقّعت البيانات أن ترتفع النسبة خلال العام الجاري إلى 7.2%.

وفي الولايات المتحدة، يكفي أن نعرف أن مصنعاً واحداً يتبع شركة «إنتل»، في ولاية «أريزونا» قد خلّفت أنشطته خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري فقط نفايات يُقدّر حجمها بحوالي 15000 طن، منها 60% تُعتبر نفايات ضارة بالبيئة.

علاوة على ذلك، استهلك المصنع خلال نفس الفترة مليون غالون من المياه النقية، وهي كمية تكفي لملء 1400 حمام سباحة أوليمبي، كما استهلك خلال الفترة ذاتها طاقة كهربية تُقدّر بنحو 561 مليون كيلوواط ساعة.

وبحسب نتائج دراسة أصدرتها جامعة «هارفارد» الأمريكية، فإن صناعة أشباه الموصلات ليست مستهلكة للطاقة فحسب، بل إنها تستأثر بنصيب أكبر من التأثير الكربوني الضار الناتج عن الأجهزة الإلكترونية عموماً.

وهنا تتجلى مُعضلة، فالعالم في الوقت الراهن يحتاج إلى أشباه الموصلات على نحو مُلح ويستهلكها بنهم شديد، بينما هي تستهلك الطاقة بنفس القدر من النّهم، إن لم يكن أكبر، وتُخلّف انبعاثات كربونية ضارة بكميات هائلة.

منهج أخلاقي

ولا يبدو الحل مستحيلاً، في ظل تنامي الاهتمام بالتأثير البيئي. وفي هذا السياق، بدأت الشركات تتبنى منهجاً أخلاقياً يُراعي التأثيرات الثلاثة المذكورة أعلاه لأنشطتها، ولا يكتفي بالاهتمام بالأرباح فقط.

وفي معرض الحديث عن التأثير البيئي الضار لصناعة الرقائق، يبدو من الأمور المبشرة أن شركتي «تي إس إم سي» و«إنتل» تحديداً، وهما الأكثر إضراراً بالمناخ والبيئة على مستوى العالم بين شركات إنتاج الرقائق، بحكم كونهما الأكثر إنتاجاً، قد أعلنتا التزامهما بتحقيق أهداف صارمة على صعيد خفض الـتأثير الكربوني لأنشطتهما.

فقد تعهدت «إنتل» بالحصول على كافة الطاقة التي تستهلكها في تشغيل أنشطتها اليومية من مصادر متجددة بحلول 2030، بينما تعهدت «تي إس إم سي» بتحقيق الهدف نفسه، ولكن بحلول 2050. وعليه، لا تبدو الصورة سوداء، ويظهر في الأفق أمل مبشر بقدرة العالم على حل المعضلة وتحقيق التوازن بين حاجته إلى الرقائق وخفض تأثيرها المناخي الضار.

أسباب فنية «عقّدت» الأزمة

أشباه الموصلات تحكم مستقبل التطور التكنولوجي