أكد خبراء إماراتيون وعرب في مجال الأعمال والاقتصاد أن الشراكة الصناعية التكاملية، التي تم الإعلان عنها في 29 مايو الماضي، بين دولة الإمارات العربية المتحدة، وجمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، نقلة نوعية في التنسيق الإقليمي، لبناء اقتصاد تكاملي بين الدول الثلاث، في ظل أزمة اقتصادية عالمية جراء سلسلة صدمات، بدأت من وباء كوفيد 19 إلى التداعيات الشاملة على الحياة جراء الحرب في أوكرانيا. وأكد المشاركون في الجلسة الحوارية «مساحتكم عبر البيان» على «تويتر» أن الشراكة الجديدة نواة لقاطرة اقتصادية متاحة لانضمام دول أخرى في المنطقة، وأنها تفتح الباب أمام أسواق عالمية أوسع بكثير من الأسواق الوطنية للدول الثلاث لبناء استقلالية اقتصادية على قاعدة الربح المشترك.
أدارت الجلسة، الإعلامية نوفر رمول، المذيعة بمؤسسة دبي للإعلام، التي ثمنت في البداية مبادرة منى بوسمرة، رئيس التحرير المسؤول لـ«البيان» على إتاحة المجال لهذه الجلسة الحوارية. وأكدت رمول في مقدمة الجلسة أن هذه الشراكة الثلاثية، جاءت لتلبية حاجة عربية، وفي ظل المشهد العالمي، حيث ما زالت تداعيات وباء كوفيد 19 تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي.
تحدث مهند شحادة، وزير الاستثمار الأردني الأسبق، عن أهمية هذه الشراكة، وسط تغير سريع يشهده العالم. وأكد أن اقتصاد ما بعد كورونا يختلف عن اقتصاد ما قبل كورونا، واقتصاد ما قبل حرب أوكرانيا يختلف عن اقتصاد الحرب في أوكرانيا، فالعالم يشهد خللاً في سلاسل التوريد، ويشهد تضخماً غير مسبوق، مبنياً على اختلال الطلب واضطراب الإمداد، لافتاً إلى خطوة الوضع الحالي على استقرار العالم، وأكد أن الدرس الذي أخذه العالم من جائحة كورونا هو أن يكون أكثر اعتماداً على الذات، وبعد كورونا يقف العالم أمام لحظة، تتبلور فيها تحالفات اقتصادية تكاملية حتى يستطيع العبور من هذه الأزمة الاقتصادية العالمية. وأضاف مهند شحادة: «اليوم الشراكة الإماراتية- الأردنية- المصرية نموذج مهم جداً، وبني على نقاط القوة والتكاملية لكل دولة».
التكتل نواة لطموح أكبر
وأشار وزير الاستثمار الأردني الأسبق إلى مزايا الدول الثلاث لإنجاح هذه الشراكة: «إذا نظرنا إلى الأردن فسنجد أننا لا ننظر إلى سوق فيها 10 ملايين أردني، بل إلى سوق تضم مليار إنسان. لدينا اتفاقيات تجارة حرة مع الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، واتفاقية التجارة العربية. الأردن تفتح سوقاً عالمية. الأردن من أكبر مصدري الفوسفات والبوتاس، الداخلة في صناعة الأسمدة، ونعلم الشح، الذي يعانيه العالم اليوم بخصوص الأسمدة. الأردن لديه ميزة الأيدي العاملة المتدربة، وفيه أكبر نسبة مهندسين وأطباء».
بخصوص مصر، قال شحادة: إن لديها دراية في التصنيع وفائض في الطاقة، والأردن بحاجة إلى تعديل سعر الطاقة، فالغاز المصري يمكن أن يدخل في الصناعة الأردنية، والانطلاق نحو العالمية بناء على الشراكة، ولفت إلى أن مصر بوابة على السوق الأفريقية العملاقة للمنتج الأردني، وأكد أن دولة الإمارات تتمتع بمزايا تنافسية فريدة، فلديها المعرفة والدراسة في سوق الخدمات، ومتفوقة بنموذجها الاقتصادي، لأن الصادرات لا تقتصر فقط على المنتجات، بل على الخدمات أيضاً، وبالتالي نحن نرى بداية لتكتل ونواة لقاطرة ضمن المعطيات العالمية، للوصول إلى التكاملية.
وأضاف: نحن أمام تجربة حقيقية مبنية على أساس الربح المشترك. عندي قناعة تامة أن هذه التجربة حين تنجح وتنمو وتتطور، ستكون قاطرة يلحق بها آخرون.
بدائل جديدة
بدوره، وصف النائب خير أبو صعيليك، رئيس لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، رئيس المنتدى الاقتصادي الأردني، الوضع العالمي بأنه حرج، وهذا تحد كبير منذ الأزمة العالمية 1929، الكساد الكبير، وأوضح أن بدايات الأزمة الحالية بدأت بحرب تجارية باردة بين الصين وأمريكا، ثم جاءت جائحة كورونا، ثم الحرب في أوكرانيا، والنتيجة انفجار التضخم ثم سياسيات الضبط النقدي. كل هذا يدعونا إلى البحث عن بدائل جديدة. لم يعد المفهوم السابق للعولمة صالحاً للعمل الآن. الكل يبحث عن مزيد من التكامل، حتى يتغلب على أزمة الغذاء. منطقة الشرق الأوسط ستكون الأكثر تأثراً في هذه الأزمة من ناحية الغذاء، لذا هذا التكتل الاقتصادي مهم جداً في هذا التوقيت.
وأشار النائب خير أبو صعيليك في مداخلته إلى أن عدد سكان الدول الثلاث 122 مليون نسمة، والعنصر الأبرز في الرقم أن 49 في المئة هم من الشباب. هذه المجتمعات الثلاثة شابة، وهذا يتطلب خلق فرص عمل. في الأردن البطالة 23 في المئة، وفي مصر هناك حاجة لفرص عمل. القطاعات الخمسة (الزراعة والأغذية والأسمدة، والأدوية، والمنسوجات، والمعادن، والبتروكيماويات) مولدة لفرص عمل كبيرة وتصديرية، مثل قطاعات الزراعة والأسمدة والأدوية. وصنف أهداف هذه الشراكة: تلبية حاجة السكان، وزيادة القدرة التصديرية، وتشغيل العاطلين عن العمل.
وتحدث صعيليك عن مبدأ الشراكة المثمرة في أي تكتل اقتصادي، وهو العمل على قاعدة «رابح رابح»، فعلى الجميع أن يكون رابحاً، وتحفظ صعيليك على فكرة ضم عدد كبير من الدول حالياً، لأنه بحسب رأيه يجب أولاً إنجاح الفكرة على هذا المستوى الثلاثي.
منظومة فاعلة
من جهته، قال صلاح خميس الجنيبي، الباحث والمحلل السياسي الإماراتي، إن هذه الشراكة ليست جديدة، وإنما صيغة جديدة لتكوين تحالف اقتصادي، لتواكب التطلعات الجديدة نظراً لتغير الفاعليات الدولية. في السابق كان العالم منقسماً بين تكتلين رئيسيين، الرأسمالي والشيوعي. بعد انهيار السوفييتي، برز القطب الأوحد بقيادة أمريكا، وهذا الأمر خلق أسواقاً مختلفة في كافة العالم. ولفت الجنيبي إلى أهمية اللوبيات الاقتصادية في العالم العربي، حيث أشار إلى أن هذه الجماعات تتشكل في كل زمان ومكان، اليوم إذا نظرنا إلى تجار محصول الحبوب فهم يشكلون نوعاً لوبياً، لأن جماعات المصالح تتفق في نظرة واحد.
وتوقع الجنيبي أن يأخذ التكتل الاقتصادي القائم على الشراكة الثلاثية مكانه في العالم، حيث التكامل الاقتصادي بين الدول الثلاث سيثمر عن منظومة فاعلة قوية، وستفتح الباب أمام انضمام دول أخرى.
وأشار الجنيبي إلى أهمية القطاعات الخمسة في هذه الشراكة، وشدد على أهمية تحقيق الاكتفاء في الأمن الغذائي الذي يتطلب تكاملاً لوجستياً، تبدأ من الإنتاج الزراعي إلى التصنيع الزراعي بكافة متطلبات هذه العملية. وأشاروا إلى إمكانات دولة الإمارات في مجال الطاقة بأنواعها، وتوفر مواد أولية غنية في الأردن وقدرات تصنيعية في مصر.
خريطة جديدة للأسواق
في السياق، قال وليد حارب الفلاحي، الرئيس التنفيذي لشركة دبي للاستشارات، إن الدول الثلاث بينها علاقة قوية ومهمة في التجارة والاقتصاد، وكل دولة من هذه الدول عندها ميزات قوية. على سبيل المثال، الأيدي العاملة، والزراعة، والصناعة. أصبحت مصر اليوم من أكبر الدول التي تجذب الصناعات، وقمنا بتحويل بعض الصناعات إلى مصر، لأن أسواق مصر كبيرة جداً للشركات الخاصة. اليوم هذه الأسواق تفتح على أسواق أفريقيا، وسوق الأردن لديها اتفاقيات كبيرة مع السوق الأمريكية، واستفادت الشركات من السوق الأردنية للدخول إلى السوق الأمريكية. هناك فرص استثمارية كبيرة للشركات في مساحات أكبر بكثير حتى من الوطن العربي. خريطة الأسواق التي تفتحها هذه الشراكة، كبيرة جداً.
وعبر الفلاحي عن أمله في أن تثمر هذه الشراكة عن إنشاء مناطق اقتصادية وليس فقط مناطق حرة، لأن المناطق الاقتصادية تعطي فرصة للتصدير واستخدام التسهيلات المتوفرة في الدول، وأشار إلى أهمية دراسة نوعية السلع، فمثلاً قامت حكومة إثيوبيا بدعم زراعة القطن، وأقامت مصانع قريبة منها، من المزرعة إلى المصنع.
الاكتفاء الذاتي والتشريعات
وشدد مدحت الشريف، استشاري الاقتصاد السياسي و سياسات الأمن القومي في مصر، على أهمية الاكتفاء الذاتي، وقال: إنه من المهم جداً إعادة تقييم الحالة الاقتصادية العالمية في هذا الوقت. كل ما كنا نتحدث عنه طوال العصر العالمي الحديث أصبح الآن محل تقييم. فكرة الانكفاء نحو الذات والاكتفاء الذاتي أصبح ضرورياً. هناك دول مهددة بثورات جياع. أوروبا تتحضر لسيناريو هجرة الجياع. العالم يمر في مرحلة من عدم اليقين. لا توجد بيانات وحسابات مخاطر، لذا أصبح التكامل الإقليمي مهماً جداً.
وأشار إلى أن القطاعات الخمسة هي اقتصادات ضروريات الحياة، وهذا سر اختيار المجالات الخمسة خطوة أولى، مشيراً إلى مشاريع زراعية طموحة في مصر في مرحلة التطوير مثل منطقة توشكا، ومشاريع في الدلتا الجديد والصحراء الغربية وتحلية مياه البحر، وأيضاً صناعات الأسمدة. وأوضح أن التكامل بين الدول الثلاث كاف لصناعة أسمدة قوية للغاية تنافس في السوق العالمية، لأن عناصر صناعة الأسمدة متوفرة، فهناك المادة الخام في الأردن والقدرات التصنيعية في مصر والطاقة والتسويق في الإمارات، وهذا ينطبق على الزراعة أيضاً.
ولفت إلى أهمية العامل الأول في هذه الشراكة وهو الإرادة السياسية، وهو متوفر. وشدد على ضرورة تكامل التشريعات، فكل تصوراتنا يجب أن تبنى على أهمية تنسيق التشريعات بين الدول الثلاث. لدينا تجربة المناطق الحرة في الإمارات، وتجربة المناطق الاقتصادية في مصر، مثلاً هيئة تنمية قناة السويس لديها نوع خاص من التعامل، الأردن لديها تجربة في منطقة العقبة وتشريعات مختلفة، وأيضاً قوانين الاستثمار العامة، التي تسهل دخول وخروج الأموال، بشكل سلس.
ولايات اقتصادية عربية
وتحدث رعد محمود التل، الأستاذ في قسم الاقتصاد في الجامعة الأردنية، عن أهمية هذه الشراكة في تعزيز العلاقات العربية واستدامة الاستقرار، وتنمية اقتصادية مستدامة. الدول الثلاث تشكل 25 من الناتج المحلي للمنطقة، يقدر بما يعادل 765 مليار دولار، حجم الشراكة التي تشكلها الدول كفيل بحل أزمة سلاسل التوريد إلى حد كبير. اليوم الدول تشكل سوقاً كبيرة تضم 26 في المئة من سكان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. بالإضافة إلى التجارة البينية وتبلغ 56 مليار دولار. والكتلة التجارية للدول الثلاث تشكل 55 مليار دولار من الصادرات الصناعية. أيضاً هناك بنية تحتية لوجستية متطورة، قناة السويس، ميناء العقبة، ميناء جبل علي، هناك عامل الأيدي العاملة مثلاً، المهارة المرتفعة في الأردن، الكلفة المنخفضة في مصر، والتنوع في الإمارات، وشراكة حقيقية مع القطاع الخاص.
وتوقع التل أن هذه الشراكة عملاق اقتصادي قادم، معبراً عن أمله في أن تكون هناك سياسات اقتصادية موحدة، بغض النظر عن السياسة، والتفكير نحو تأسيس ولايات اقتصادية عربية موحدة. وأشار إلى أن أكثر ما يلفت في هذه الشراكة هو تحديد الميزات التنافسية، فهناك فرص كبيرة لزيادة إنتاج القمح والذرة من 16 مليون طن إلى 30 مليون طن سنوياً. القدرات تسمح بذلك. في مجال المعادن، هناك فرص كبيرة لمشاريع مقدرة بقيمة 23 مليار دولار، من خلال تصنيع منتجات عالية القيمة، مثل الزجاج ومكونات السيارات وألواح الطاقة الشمسية. وأكد التل أن التكتلات الاقتصادية يجب أن يؤسس لها إطار تشريعي وتنظيمي فضلاً عن الإرادة السياسية.
القاطرة العربية
إلى ذلك، أكد د. مدحت نافع، الخبير الاقتصادي، الرئيس السابق للشركة القابضة للصناعات المعدنية، مصر، إن العالم يتجه نحو النكوص عن العولمة وسط الأزمة الكبيرة العالمية، وهذا يعني الاعتماد على الذات بدرجة أكبر. هناك دول لديها موارد كبير مثل الصين وروسيا قد تنجح في تحقيق اكتفاء نسبي بالاعتماد على مواردها، أما في دول مثل الشرق الأوسط فإن الأمر بحاجة إلى تكتلات، مثل الشراكة الثلاثية.
في مصر عمالة ماهرة ومدربة، واقتصاد كبير، والأردن مواد خام وثروات طبيعية قابلة للاستثمار، وفي الإمارات لديها نموذج اقتصاد الرفاه، وتعرف كيف تلبي احتياجات المستهلك، وكيف تسوق دولياً. وأضاف أن المطلوب هو مشروع القاطرة للوحدة العربية، وهذه الشراكة هي النواة.
وتحدث نافع عن فرص نجاح الصناعات الطبية وسلط الضوء على عدد من النماذج، وأشار إلى ضرورة خلق قيمة مضافة على المواد الخام، بمعى أنه لو تم تصدير المواد بشكل الخام، فهذه خسارة في عالم الأعمال، لأن المواد الخام قابلة للتصنيع وإضفاء قيمة أكبر عليها في الأسواق، وسلط الضوء على الإمكانات الكبيرة للسودان في المجال الزراعي في حال تحقق لها الاستقرار السياسي المناسب لاستقطاب الاستثمارات، وأشار إلى التقدم الكبير في رؤية الإمارات لتحقيق الأمن الغذائي، وأكد أن توسيع الشراكة يحتاج إلى دراسة متأنية، وألا تكون السياسة هي محرك أي شراكة.