كشفت سَفِلز، الشركة المتخصصة عالمياً في مجال الاستشارات العقارية، عن أربع توجهات عالمية تسهم في رسم ملامح مستقبل المدن الأبرز في قطاع التجزئة، والذي يُعد الأكثر تأثراً بتبعات أزمة «كوفيد 19» بين مختلف قطاعات الاقتصادات العالمية.

وجاءت هذه الخطوة بعد التحديات العديدة التي واجهتها أهم وجهات قطاع التجزئة، من عمليات الإغلاق المحلية وحظر السفر الدولي وغيرها، للحفاظ على مستويات الطلب الخاصة بالقطاع خلال عامي 2020 و2021؛ فضلاً عن اضطرار أصحاب العقارات في بعض الأسواق إلى إعادة النظر في ظروف الإيجار بسبب العديد من العوامل مثل تراجع مستويات الإقبال وإغلاق شركات التجزئة للمتاجر غير الضرورية، فضلاً عن ارتفاع عدد العقارات المتاحة للتأجير. وعملت بعض الوجهات من جهة أخرى، مثل الإمارات، على فتح حدودها الدولية ورفع القيود عن الأسواق بفضل برنامج التطعيم الناجح واسع النطاق، مما ساهم في بدء تعافي قطاعاتها الرئيسية مثل العقارات والسياحة والتجزئة.

كما عملت سَفِلز على دراسة التوجهات الناشئة في القطاع للعودة إلى الوضع الطبيعي، في الوقت الذي تعمل فيه الدول على رفع القيود المفروضة جزئياً أو كلياً وتحاول فيه شركات التجزئة تعويض خسائرها في الأسواق؛ وفيما يلي التوجهات الرئيسية الأربع التي توصلت إليها سَفِلز والتي تسهم في رسم ملامح مستقبل قطاع التجزئة:

 

أولاً: احتفاظ الوجهات العالمية الرئيسية بمكانتها

 

أشار تصنيف سَفِلز للمدن الأكثر جاذبية في قطاع التجزئة الذي صدر في إطار تقرير الشركة الخاص بالتأثيرات العالمية لعام 2022 إلى حفاظ نيويورك وباريس ولندن على مكانتها كوجهات رئيسية ناجحة في قطاع التجزئة العالمي، مع توقعات بتعافي هذه المدن في العام الحالي بشكل أسرع من بقية الوجهات العالمية. كما أظهرت الوجهات التي تتمتع بسوق محلية راسخة، مثل نيويورك، مرونةً أكبر خلال الـ 18 شهراً الماضية، مع إمكانية استعادة مركزها بشكل أسرع من الوجهات الأخرى. وعانت، من جهة أخرى، أسواق الوجهات التي تعتمد بشكل أساسي على السياحة الوافدة انخفاضاً حاداً، حيث تشير التوقعات إلى حاجتها لمزيد من الوقت لتتعافى من تبعات الأزمة الصحية؛ فعلى سبيل المثال، واجهت هونغ كونغ، التي يعتمد اقتصادها بشكل رئيسي على إيرادات السياحة، من هبوط كبير في مستوى الإيجارات بين الربع الأخير من 2019 والربع الثالث من 2021.

 

ثانياً: توفير الأسواق الرئيسية الناشئة لمزيد من فرص التوسع أمام شركات التجزئة

 

سلطت الأزمة الصحية الضوء على العديد من الأسواق الناشئة التي توفر فرصاً قيّمة لشركات التجزئة خلال الأعوام المقبلة، من خلال التركيز على جوانب التعافي في الوجهات الرئيسية ضمن القطاع. وتكمن أبرز فرص النمو التي تساعد شركات التجزئة على التوسع عالمياً ضمن أسواق الشرق الأوسط والصين.

كما تبرز اليوم مستويات الطلب المرتفعة في قطاع التجزئة بالشرق الأوسط ولا سيما في دبي، عن طريق التحول من الاعتماد الامتيازات الخالصة إلى امتلاك العلامات التجارية لمتاجرها الخاصة في الوجهات الرئيسية، مع التركيز على بيع السلع الفاخرة.

 

وأشار كيني لام، مدير مساعد لشؤون قطاع التجزئة بالشرق الأوسط لدى سَفِلز، قائلاً: «تمتلك العديد من العلامات الفاخرة متاجر خاصة بدبي تم افتتاحها بالتعاون مع الشركاء المحليين ومن خلال منح حقوق الامتياز. ولكن مع التغيرات الجديدة في السياسات الحكومية، تشهد سَفِلز تحول مزيد من الشركات العالمية إلى سياسة الملكية الكاملة لمتاجرها. كما تتوجه أنظار شركات السلع الفاخرة حالياً إلى أسواق القاهرة والمملكة العربية السعودية والبحرين بسبب مستويات الرخاء المالي التي يتمتع بها سكانها، حيث توفر هذه الأسواق للشركات مزيداً من فرص التوسع في المنطقة».

توفر الصين أيضاً العديد من إمكانيات النمو في أسواق مدنها الرئيسية، فضلاً عن الفرص الإضافية المتاحة في أسواق مدنها من المستويين الثاني والثالث.

 

ثالثاً: شركات التجزئة التي حافظت على نموها خلال الأزمة الصحية لمستويات الطلب المستقبلي في القطاع

 

سجلت بعض القطاعات، مثل الألبسة الرياضية والأدوات المنزلية والعافية والأغذية والمشروبات والسيارات الكهربائية، أداءً متفوقاً خلال الأزمة الصحية؛ في الوقت الذي واجهت فيه العديد من العلامات التجارية تحديات كبيرة للحفاظ على مستوى مبيعاتها. وواصلت هذه القطاعات عملياتها ضمن المتاجر الفعلية وعلى الإنترنت على مدار الـ 18 شهراً الماضية، مع توقعات باستمرار هذا النجاح بفضل الإيرادات الكبيرة التي حققتها والفرص التي تتيحها لها المتاجر الجذابة بعد انتهاء الأزمة. وتُعد هذه الفترة مثاليةً بالنسبة لشركات التجزئة ضمن هذه القطاعات لافتتاح مزيد من المتاجر وتوسيع نموها في الأسواق الفعلية، لا سيما مع انخفاض قيمة إيجارات الوحدات التجارية في الوجهات الجذابة عمّا كانت عليه في عام 2019. كما يمكن أن تتيح ديناميكيات الأسواق الحالية لعلامات السلع الفاخرة إمكانية نقل متاجرها الحالية إلى وحدات أكبر ضمن مواقع أكثر جاذبيةً، فضلاً عن توفير مزيد من الفرص أمام السلع الفاخرة الجديدة. وشهدت المنطقة في عام 2021 سيطرةً متزايدةً وواضحةً لمتاجر السلع الفاخرة جداً، حيث شكلت نسبة العلامات الفاخرة 92% من مجموع العلامات التي افتتحت متاجر جديدة في الشرق الأوسط.

 

رابعاً: تركيز المتاجر على العروض التجريبية بدلاً من الجوانب التجارية

 

عملت الأزمة الصحية على تسريع اعتماد توجهات القطاع التي كانت بارزةً بالفعل خلال الفترة التي سبقتها، حيث انتقل دور المتاجر الفعلية قبل الأزمة من كونها مجرد مساحة للأعمال التجارية إلى مكان جديد لاختبار العروض التجريبية لترسيخ مكانة العلامة التجارية بين العملاء.

كما تحول دور هذه المتاجر مع ازدياد الاعتماد على أشكال التجارة الإلكترونية، ولا سيما خلال الأزمة الصحية، لتصبح وجهات ملهمة توفر مزيداً من تجارب التسلية والترفيه. وقدمت شركات التجزئة ومشغلو مراكز التسوق في الشرق الأوسط العديد من المفاهيم التجريبية التي تجذب العملاء وتعزز التفاعل معهم ضمن المراكز التجارية المتأصلة في ثقافة المنطقة باعتبارها إحدى الوجهات المفضلة في الصيف.

 كما أطلقت مجموعة ماجد الفطيم، إحدى أبرز مشغلي مراكز التسوق بالشرق الأوسط، متجر ذات كونسيبت في مول الإمارات بدبي لتوفير العديد من السلع والتجارب للعملاء. ويتيح المتجر لعملائه الاستفادة من خدمات العديد من صالونات التجميل وصالة لياقة بدنية والمرايا الذكية لتجريب مختلف المنتجات والسلع، بهدف التحول إلى وجهة مخصصة لمختلف أنماط الحياة.

كما تقدم علامات رياضية عالمية، مثل أديداس ونايكي، بيئات قائمة على التجريب في متاجرهما بدبي مول، حيث يمكن للعملاء ممارسة الرياضة أو تخصيص منتجاتهم ضمن المتاجر. وأشارت سَفِلز أيضاً إلى بروز توجهات عكسية مع افتتاح بعض العلامات، التي لم تكن سابقاً بحاجة إلى العمل على أرض الواقع، لمتاجر فعلية جديدة لها؛ في إطار استراتيجيتهم لبناء العلامة التجارية الخاصة بهم وترسيخها. وتُعد نتفليكس، عملاق خدمات البث المباشر عبر الإنترنت، من أبرز الأمثلة على هذه التوجهات مع استعدادها لافتتاح أول متاجرها الفعلية في طوكيو.

 كما لعبت التبعات الملموسة التي نتجت عن أزمة «كوفيد 19» إلى تسريع اعتماد التوجهات السابقة للأزمة، مثل ترشيد منافذ علامات الأزياء في الأسواق العامة وإنشاء المساحات التجريبية للعلامات التجارية وإعادة التركيز على المتاجر المنتشرة في المدن والشوارع الرئيسية، عوضاً عن إجراء تحول جذري في أسواق التجزئة الأساسية أو إلغاء الدور الجوهري لمتاجر التجزئة الفعلية.

ولا تزال المتاجر الفعلية أداةً أساسيةً لمختلف العلامات وشركات التجزئة للتواصل مع عملائها، رغم انتقال العديد منها إلى أسواق التجارة الإلكترونية، كما تسهم هذه المتاجر في زيادة مستويات الوصول إلى العملاء وتحسين مستوى مبيعات التجزئة؛ لا سيما بعد إجراءات الإغلاق التي خفضت نشاط العلامات التجارية وقدرتها على التواصل مع العملاء. كما تلعب المساحات التجريبية دوراً مهماً في تعزيز العلاقة بين العلامات التجارية والعملاء وتحسينها، خصوصاً مع الإقبال الكبير على أسواق التجارة الإلكترونية في العالم.