اكتسبت المتاجر الإلكترونية شعبية متزايدة على مستوى العالم خلال السنوات الأخيرة، وخاصة بعد تفشي جائحة «كوفيد 19» وما فرضته من قواعد التباعد الاجتماعي، مما دعم آراء مفادها أن المتاجر التقليدية باتت في أيامها الأخيرة وأن الإلكترونية ستحل محلها بصورة تامة في يوم قريب، لكن ظلت المتاجر التقليدية مفضلة لكافة المستهلكين وكأنها تؤكد للجميع أنها «ولدت لتبقى».

بنظرة أكثر موضوعية وتعمقاً، واستناداً إلى آراء الخبراء المعنيين بالتسوق، فإن الجدل الدائر بشأن مستقبل متاجر التسوق التقليدية في ظل الزخم المتزايد الذي تكتسبه المتاجر الإلكترونية، والذي ينطلق من نظرة مفادها أن الإثنين يتنافسان، بحيث سيقضي أحدهما على الآخر بالضرورة، هو جدل عقيم، وينطلق من نظرة قاصرة. ويُجمع الخبراء أن متاجر التسوق التقليدية والمتاجر الإلكترونية يتكاملان، ولا يتنافسان. وعليه، لن يحل أحدهما محل الآخر، فكل منهما له دوره وله وظيفته.

ويرى أحمد الخاجة، المدير التنفيذي لـمؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة، أن متاجر التسوق التقليدية، موجودة لتبقى، خاصة في دبي، فهي لا تقدم للناس تسوقاً فحسب، وإنما تجربة متكاملة تتضمن عناصر ممتعة لا تتوافر بالطبع في التجارة الإلكترونية.

وقال الخاجة: «نالت التجارة الالكترونية والمتاجر الالكترونية شعبية متزايدة عبر السنوات الماضية، وبالأخص خلال فترة الجائحة التي أسهمت بازدهارها وزيادة الطلب عليها بشكل ملحوظ. إلا أن هذا لا يعني بالضرورة تأثر متاجر التجزئة التقليدية «Brick and mortar» بشكل سلبي، فما زال المتسوقون يستمتعون بزيارة مراكز التسوق ورؤية البضائع والمنتجات قبل شرائها».

ميزات

وتطرق إلى ما يُميز تجارب التسوق في الإمارات، قائلاً: «أكثر ما يميز مراكز التسوق في الإمارات، وفي دبي بالأخص، هو أنها أصبحت جزءاً مهماً من الثقافة والحياة اليومية للسكان المحليين والمقيمين، فهي ليست مجرد أماكن للتسوق فقط، بل أنها توفر تجربة ترفيهية متكاملة للزوار من جميع الأعمار والاهتمامات. وباتت مراكز التسوق اليوم تضم العديد من المرافق الحيوية بما فيها دور السينما، وتشكيلة متنوعة من المطاعم والمقاهي، إضافة إلى الوجهات الترفيهية لكافة الأعمار. وأكبر دليل على ذلك هو مفاجآت صيف دبي، وغيره من المهرجانات التي تنظمها مؤسسة دبي للمهرجانات والتجزئة على مدار العام، حيث لعبت «مفاجآت صيف دبي 2022» دوراً حيوياً في تطوير وتعزيز قطاعي التجزئة والترفيه في الإمارة على مدار الـ 25 عامًا الماضية، كما ساهمت في تعزيز مكانة دبي كأهم وجهات التسوق العالمية».

وأشار الخاجة إلى نتائج استطلاع حديث أجرته «البيان» قبل عيد الأضحى الماضي، عن أفضل الوجهات التي يرغب القُرّاء بزيارتها خلال العُطلة، فكانت النتيجة أن 63% منهم يفضلون زيارة مراكز التسوق، فقال: «بالتأكيد، هذه دلالة واضحة على أهمية مراكز التسوق في تقديم تجارب ترفيهية متكاملة للزوار، فهي مقصد مفضل لدى الكثير من سكان دولة الإمارات العربية وزوارها، فهي لم تعد مقصداً للتسوق فحسب، بل أصبحت وجهات توفر العديد من تجارب التسلية والترفيه وقضاء أجمل الأوقات برفقة العائلة والأصدقاء. وما زالت المتاجر الفعلية تلعب دوراً مهماً في تواصل العلامات وشركات التجزئة مع عملائها، رغم انتقال العديد منها إلى أسواق التجارة الإلكترونية، وأكبر دليل على ذلك هو العدد الكبير من مراكز التسوق والعلامات التجارية التي تشارك في مهرجانات التجزئة السنوية في دبي، مثل مفاجآت صيف دبي، الذي يقدم لزواره برنامجاً حافلاً ومميزاً من الفعاليات الترفيهية العائلية في مراكز التسوق الكبرى، إلى جانب العديد من تجارب المأكولات المخصصة، ومجموعة من العروض والتخفيضات الكبرى.

فمنذ افتتاح «سيتي سنتر ديرة» عام 1995، والذي كان يعتبر آنذاك أكبر مركز تسوق في الدولة، إلى تدشين أكبر مركز تسوق في العالم وهو «دبي مول» في 2008، فقد تمكن قطاع التجزئة في دبي من الوصول إلى العالمية معززاً بذلك مكانة الإمارة وجهة مفضلة للتسوق، تضم مراكز تسوق ضخمة، وتحتضن أشهر وأهم العلامات التجارية الفاخرة».

تكامل

وعن طبيعة العلاقة بين متاجر التسوق التقليدية والمتاجر الإلكترونية خلال الفترة الراهنة ومستقبلياً، قال الخاجة: «أعتقد أن العلاقة بينهما علاقة تكامل، إذ بالرغم من توجه العديد من العلامات التجارية إلى التجارة الالكترونية فإننا نلاحظ توجه مراكز التسوق والمتاجر التقليدية إلى إدخال المفاهيم التجريبية التي تجذب العملاء وتعزز التفاعل معهم. فعلى سبيل المثال أطلقت مجموعة ماجد الفطيم»، إحدى أبرز مشغلي مراكز التسوق بالشرق الأوسط، «متجر ذات كونسيبت» في مول الإمارات بدبي لتوفير العديد من السلع والتجارب للعملاء بما فيها صالونات التجميل وصالة لياقة بدنية والمرايا الذكية.

وإذا نظرنا إلى فعاليات «مفاجآت صيف دبي»، والذي أسهم على مدار 25 عاماً في ترسيخ مكانة دبي كوجهة تسوق رائدة في المنطقة والعالم، نجد أن العديد من الفعاليات الترفيهية يتم تنظيمها ضمن مراكز التسوق، حيث بإمكان الزوار الاستفادة من قضاء أمتع الأوقات مع كافة أفراد العائلة والاستفادة من التخفيضات الهائلة على مجموعة واسعة من المنتجات لعلامات تجارية محلية وعالمية فاخرة. هذه كلها مؤشرات إيجابية على الدور الجوهري الذي تلعبه متاجر التجزئة الفعلية في دعم انتعاش ونمو اقتصاد التجزئة».

وأضاف الخاجة: «كما ذكرت سابقاً، أعتقد أن مفهوم التسوق في المتاجر التقليدية يمر بتغييرات جذرية، حيث تتجه العديد من العلامات التجارية إلى إدخال عوامل ومفاهيم تجريبية جديدة تتيح للمتسوقين التفاعل مع السلع والمنتجات بطرق مختلفة ضمن أجواء ترفيهية. لذا أعتقد أن مواصلة الابتكار وتقديم مفاهيم جديدة ومميزة من شأنه أن يساعد المتاجر التقليدية في منافسة التجارة الالكترونية، نظراً لما تقدمه من تفاعل تفتقر إليه التجارة الالكترونية.

وتلعب إدارة البيانات والتحليلات لفهم العملاء وتحسين تجاربهم دوراً أساسياً في دعم متاجر التجزئة التقليدية، لذا عليهم استخدام المعلومات التي لديهم في تقديم منتجات وخدمات مخصصة من شأنها بناء ولاء العملاء لتلك العلامات التجارية».

واختتم الخاجة بالحديث عن مُستقبل متاجر التجزئة في دبي تحديداً، فقال: «هنالك ترابط وثيق بين الأسواق التجارية وتطور المدن والحضارة والعمارة، فهذه الأسواق ليست مجرد منصة للتبادل التجاري، فلطالما كانت، وما زالت بمثابة بيئة تجارية متكاملة وجزءاً أساسياً من النسيج المجتمعي ونمط الحياة المتبع. وعلى مستوى دولة الإمارات، فإن قطاع التجزئة في تطور وازدهار متواصلين بالرغم من التحديات العالمية الراهنة، فهو مساهم رئيسي في الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ويعد من أهم المصادر غير النفطية الداعمة للنمو الاقتصادي.

وتقدم دبي للمتسوقين تجربة تسوق غامرة ومتكاملة نظراً لتواجد أهم علامات الأزياء الفاخرة والعالمية في الإمارة وتحرص هذه العلامات على التواجد في منطقة الخليج بشكل عام وفي دبي على وجه الخصوص. بالمحصلة، تعتبر دبي اليوم من أهم وجهات التسوق والسياحة حول العالم، وسواء كانت السياحة هي المحفزة لقطاع التجزئة في دبي، أو كانت التجارة هي التي تنعش صناعة السياحة، تبقى الحقيقة الثابتة هي أن دبي، التي كانت بدأت مسيرتها كمركز تجاري على ضفاف الخليج، أصبحت اليوم أحد أهم وأكبر وجهات تسوق السلع والمنتجات الفاخرة في العالم».

شعبية

وأكدت نسرين بستاني، مديرة العلاقات العامة والاتصال المؤسسي في «ميركاتو» و«تاون سنتر»، أن شعبية متاجر التسوق التقليدية في ازدياد واضح، ولا تتراجع لحساب شعبية المتاجر الإلكترونية، كما يجادل البعض.

وقالت: «لا يوجد تراجع بشعبية متاجر التجزئة وتبقى مراكز التسوق ومتاجر التجزئة تحتل مكانة عظيمة عند المتسوقين فقد لاحظنا أن معظم المتسوقين يفضلون زيارة المتاجر الموجودة في المراكز التجارية للقيام بالتسوق والتأكد من نوعية القطع والملابس وتجربتها قبل الشراء. ومن ثم الاستمتاع بتجربة زيارة أكثر من متجر وانتقاء المنتجات سواء الملابس أو الالكترونيات وغيرها».

وتطرقت إلى طبيعة العلاقة المستقبلية، بين متاجر التسوق التقليدية والمتاجر الإلكترونية، فقالت: «تُعتبر علاقة تكامل وليست تنافساً فما توفره متاجر التجزئة لا توفره المتاجر الإلكترونية حيث توفر متاجر التجزئة العديد من الميزات الإيجابية التي تمكن المتسوق من التأكد من جودة السلعة أو المنتج».

وأضافت: «في الوقت الحاضر، لا تستطيع كل من المتاجر الإلكترونيّة والتقليديّة تحمّل رحلة عميل صعبة وغير واضحة. لقد ثبت أن تجربة التسوق سهلة الاستخدام والمنظّمة جدّاً هي الشغل الشاغل لمعظم العملاء.

أهم العناصر للمتاجر التي تعتمد معاملات بين الشركات ومعاملات بين الشركات والعملاء وتجربة المنتجات والقدرة على لمس سلعة ما وتجربتها يؤثر على قرار المستهلك 3 مرات أكثر من أي خيار آخر. فمن الواضح أن هذه الميزة موجودة فقط في المتاجر التقليديّة».