كان قطاع العقارات ولا يزال واحداً من المحركات الأساسية لاقتصاد الإمارات منذ تأسيسها، لاسيما دبي، حيث يضطلع القطاع بدور حيوي شديد الأهمية في نهضة الإمارة وفي نموذجها الاقتصادي المتفرد. وفي سياق توجه العالم إلى مبدأ الاستدامة كضرورة لإنقاذ كوكبنا من خطر نضوب الموارد، لا يُعد قطاع العقارات في الدولة استثناءً من هذا التوجه، فمع تطبيق الاستدامة وتبني ممارساتها يبدو القطاع مهيأ لخلق قيمة مضافة يعزز بها إسهامه المؤثر في الاقتصاد الوطني.
نظام «أتوم»
وأكدت دراسة أصدرتها «زازن بروبرتيز» في دبي عن دور الاستدامة في تعزيز سوق العقارات بالدولة، وأن تبني نهج الاستدامة آخذ في التزايد بصفة تدريجية في سوق العقارات الإماراتية موضحةً أنه مع استمرارية الزخم في هذا التبني، تزداد ربحية السوق وبالتالي، ترتفع مساهمة قطاع العقارات في الناتج المحلي الإجمالي للإمارات. واستعرضت الدراسة أبرز ممارسات الاستدامة التي تنتهجها سوق العقارات في الإمارات حالياً، ومنها تقنيات مبتكرة مثل نظام «أتوم» المتكامل لتزويد الأسقف بالألواح الشمسية، والذي حاز مؤخراً على موافقة هيئة كهرباء ومياه دبي «ديوا» موضحةً أن 63% من أبرز المستثمرين يؤكدون أهمية الاستراتيجيات الخضراء في ارتفاع معدلات الإشغال والاحتفاظ بالمستأجرين، فضلاً عن أسعار الإيجار، كما يساهم تحقيق أهداف خطة دبي الحضرية 2040 في زيادة القيمة الإجمالية لقطاع التطوير العقارية.
تصميم مستدام
وتستوفي شركات التطوير العقاري التي تعتمد منهجيات مستدامة متطلبات النجاح، فعلى سبيل المثال، يمكن أن يسهم التصميم المستدام للمشروع، والذي يتضمن مساحاتٍ خضراء واسعة، في تقليل مساحة الأسطح الصلبة؛ وبالتالي الحد من امتصاص الحرارة، ما يوفر العديد من المزايا، لا سيما في دولة مثل الإمارات التي تشهد درجات حرارة مرتفعة خلال الصيف، كما يحد من نفقات توفير الطاقة طويلة الأمد والتكاليف المرتبطة بها. وتتخلل ممارسات الاستدامة والفوائد الناتجة عنها جميع مراحل التطوير العقاري، بدءاً من التصميم المعماري وعمليات البناء والتشييد ووصولاً إلى إدارة المخلفات.
وأصدرت دبي مؤخراً قانون الملكية الجديد في إطار صياغة أطرٍ تنظيمية جديدة لتلبية الاحتياجات المعاصرة، بما ينسجم مع الإجراءات التي اتخذتها دولة الإمارات للحد من التغير المناخي مع مواصلة دعم النمو في القطاع العقاري. وعيّنت دائرة الأراضي والأملاك في دبي خبراء تقييم معتمدين ومستقلين من مؤسسة التنظيم العقاري لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال الأجنبية وضمان قدر أكبر من الشفافية، في خطوة توفر قيمة مضافة للمستثمرين من المؤسسات والأفراد، وتؤكد التزام المشاريع بالمعايير المحلية والعالمية.
خطوة مهمة
ويرى مادهاف دهار، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشؤون العمليات لدى «زازن بروبرتيز»، أن إصدار قانون العقارات الجديد في الدولة يُعد خطوة مهمة على طريق ترسيخ ممارسات الاستدامة في قطاع العقارات بالدولة.
وقال: «يعمل قانون العقارات الجديد على الحفاظ على مصالح المستثمرين وتعزيز مكانة الإمارات كوجهةٍ عالمية للاستثمار العقاري، مع استقطاب سوق العقارات في دبي لاستثمارات أجنبية جديدة تزيد قيمتها عن 27 مليار دولار عام 2021، ويبدو هذا الرقم مُرشحاً لزيادات مُطردة العام الجاري والأعوام المُقبلة». وأضاف مادهاف دهار أن إصدار قانون الوساطة العقارية الجديد أخيراً، يشكل مثالاً آخر على المنهجية المستقبلية التي تعتمدها دولة الإمارات، حيث يعالج مشكلة عالمية تتمثل بمكافحة عمليات التهريب عبر الحدود والمتعلقة بأعمال غسيل الأموال وتمويل الإرهاب من خلال ضمان قيام الوسطاء بالإبلاغ عن جميع الصفقات النقدية التي تبلغ قيمتها 55 ألف درهم فأعلى.
وتطرّق دهار إلى اهتمام الإمارات عموماً بتطبيق مفهوم التنمية المُستدامة، فقال: يُعزى النمو السريع لدولة الإمارات على مدى 50 عاماً إلى رؤى القيادة الحكيمة والرغبة في الابتكار، مما ساهم تطور مختلف القطاعات، بما فيها قطاع العقارات. فعلى سبيل المثال، تهدف «خطة دبي الحضرية 2040» إلى تعزيز موارد الدولة وتكريس دبي أفضل مدينة للعيش في العالم. وتهدف الخطة إلى زيادة المساحات الخضراء في دبي بما يزيد عن الضعف، ما يعزز جهود الدولة في دعم «مبادرة تحقيق الحياد المناخي بحلول عام 2050»، لتكون الإمارات أول دولة في المنطقة تحقق هذا الإنجاز».
وأضاف دهار أنه يمكن لشركات التطوير العقاري المساهمة في تحقيق أهداف تلك المبادرة من خلال اعتماد البنى التحتية والتقنيات الصديقة للبيئة، مثل الألواح الشمسية التي يوفر استخدامها إنتاج ما يصل إلى 28% من الطاقة بما يضمن تحقيق الاستدامة. ويساهم المسار الذي تنتهجه الإمارات في قيادة مسيرتها الرائدة وتحقيق أهدافها الطموحة وتهيئة ظروف النجاح في مختلف القطاعات.
عملية شاملة
رغم أهمية تبني مفهوم الاستدامة في قطاع العقارات بالدولة، إلا أن ثمة عملية تحديث شاملة من شأنها تعزيز أهمية القطاع في اقتصاد الإمارات ورفع قيمة مساهمته في ناتجها المحلي الإجمالي سنوياً، وهي المُساهمة التي تُقدّر حالياً بنحو 5.5%، بحسب دراسة «زازن بروبرتيز». وتُعد الاستدامة عنصراً شديد الأهمية ضمن عملية التحديث هذه، ولكنها ليست العنصر الوحيد، فثّمة عناصر أخرى يحتاجها تحديث قطاع العقارات بالدولة، كالرقمنة والأتمتة وتبني التقنيات الحديثة بصفة عامة.
وفي مطلع العام الماضي، عقدت «جيه إل إل» الأمريكية للاستشارات العقارية ندوة افتراضية في دبي ناقشت التوقعات السنوية لقطاع العقارات في المنطقة عموماً واستعرضت الشركة رؤيتها حول توجهات العقارية التي من المتوقع أن تحرك قطاع العقارات في المنطقة خلال الأعوام المُقبلة وخلصت إلى أن الاستدامة والاعتماد على التقنيات هما الركنان الأساسيان للنهوض بقطاع العقارات في المنطقة خلال العقد الجاري وما بعده.
وفي سياق مواز، لايزال ثمّة تأخر نسبي في الوعي التقني يشوب مرحلتي التصميم والإنشاء إقليمياً عموماً، بما في ذلك الإمارات، بحسب تقرير حديث أصدرته هذا الشهر مجلة «ميد» البريطانية المتخصصة في قطاع الإنشاءات بالمنطقة بالتعاون مع «إيست- أو- هولدينغ»، المنصة المتخصصة في رقمنة العمليات بقطاع العقارات.
وتضمن التقرير تصريحات أدلى بها يوروس تروجانوفيتش، الرئيس التنفيذي الفرعي لشركة «إيست- أو- هولدينغ» فإن تبني الرقمنة والأتمتة الذكية في كافة مراحل عمل قطاع العقارات بالدولة من شأنها تعظيم مستوى الكفاءة في التشغيل.
وقال تروجانوفيتش: «تخلق القنوات الرقمية المتطورة، بما في ذلك التطبيقات، البوابات الرقمية وبرامج الحواسب فرصا للخدمة الذاتية للعملاء العقاريين، سواءً كانوا مُلاك أو مستأجرين. فمن تجديد عقود الإيجار وسداد الرسوم الحكومية أو فواتير الخدمات وطلبات استصدار التراخيص، وغيرها، بدأت صناعة العقارات تشهد عملية أتمتة واسعة النطاق».