ترتبط جاذبية المدن بالنسبة للمواهب العالمية بمجموعة من المقومات المتكاملة، وما تقدمه من منظومة شاملة للعيش والعمل، ومدى قدرتها على الارتقاء بجودة الحياة وتوفير البيئة المثالية التي تزخر بفرص النمو والتطور والازدهار للكوادر البشرية المؤهلة من كل أنحاء العالم. وعدد خبراء أكثر من عشرة عوامل جعلت دبي أبرز وجهة عالمية جاذبة للمواهب والكفاءات مثل: نمط الحياة والأمن والأمان وفرص العمل وجودة الحياة والبنى التحتية وفرص التطور والبنية الرقمية ومستوى الدخل والرعاية الصحية وتسهيلات التراخيص وغيرها.
وعند تحليل تلك العوامل، يتضح أنها تجسد مفهوم السعادة التي تقدمها دبي لسكانها، فالسعادة ترتبط بكل ما تقدمه المدينة لسكانها من خدمات عامة ومرافق ومنشآت تصب جميعها في تحسين جودة الحياة ورفاهيتها بالتزامن مع فرص التطور المهني والعمل ومستوى الدخل والأمان وغيرها من العوامل التي تهم الإنسان، ومن هنا تواصل دبي تعزيز تنافسيتها وجاذبيتها بالنسبة للمواهب العالمية بالمقارنة مع أهم المدن على غرار نيويورك وسنغافورة ولندن وغيرها، الأمر الذي يتجسد في تقاطر كبرى الشركات العالمية لإنشاء مراكز ومقرات إقليمية لها في دبي، بالإضافة إلى بروز شركات ناشئة تحولت إلى شركات مليارية بالاستفادة من تنوع قاعدة المواهب العالمية من مختلف التخصصات التي باتت دبي تتمتع بها.
كفاءة ومرونة
وذكر الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص للأمم المتحدة المعني بتمويل أجندة 2030 للتنمية المستدامة، أن العالم يشهد سباقاً مستمراً على جذب المواهب، مشيداً في هذا الإطار بما قدمته دبي والإمارات في الفترة الأخيرة من تيسير للإقامات وطرح تأشيرات طويلة الأمد وغيرها من المبادرات للزيارة والإقامة وتعزيز سهولة العيش، منوهاً بما تتمتع به دبي من ربط واسع وكثيف مع كل دول العالم، وأكد ضرورة أن تواصل دبي تطوير مقوماتها وتعزيز صدارتها والحفاظ على مكانتها المتقدمة بين أهم المدن الجاذبة للمواهب في العالم.
وأوضح أن المدن، وفي إطار تعزيز جاذبيتها للمواهب العالمية، عليها توفير خدمات عامة قادرة على التواصل بين مختلف جنباتها بكفاءة كبيرة وبمرونة عالية وبأقل تكلفة للمعاملات، على غرار سهولة الانتقال من مكان إلى آخر من حيث زمن وتكلفة التنقل، مشيراً إلى أن قدرة المدينة على ربط السكان مع بعضهم البعض وأيضاً مع أماكن السكن والعمل والدراسة والمرافق العامة من خلال شبكة نقل ومواصلات عامة تتمتع بالفعالية والكفاءة تنعكس إيجاباً على جودة الحياة ومؤشر ارتياح السكان بشكل عام. ولفت محيي الدين إلى أن استقطاب الكفاءات والمواهب لا يرتبط بتقديم رواتب مجزية فقط، بل من الضروري أن تقدم المدينة البنية التحتية المتطورة، وخدمات عامة عصرية للرعاية الصحية والتعليم وغيرها مع بناء نمط حياة مثالي للأفراد والعائلات، بحيث تتمتع المدينة بمزيج من المقومات تعزز جاذبيتها للعمل والحياة.
بيئة حيوية
وأكد محمد بلوط، الرئيس التنفيذي والشريك المؤسس لشركة «كيتوبي»، وهي شركة مليارية «يونيكورن» متخصصة في عالم المطاعم وتعتمد على التكنولوجيا، أن عرض فكرة الانتقال للعمل والعيش في دبي على أي من فئات المواهب من أي مكان في العالم بات أمراً بالغ السهولة، إذ أصبح الانتقال إلى دبي فكرة مرحباً بها جداً في أوساط المواهب العالمية.
ولفت إلى أن دبي باتت تتمتع بقاعدة عالمية واسعة من المواهب المقيمة فيها، مما ينوع الخيارات أمام الشركات سواء رغبت في استقطاب كفاءات من الخارج أم الاستعانة بالمواهب المتوافرة محلياً، مما يعكس مدى الحيوية التي باتت تتمتع بها بيئة العمل في الإمارة. وأشار إلى أن التواجد في دبي بالنسبة للمواهب مرتبط بالسعادة التي تقدمها المدينة لسكانها، موضحاً أن السعادة هنا تعني أرقى معايير جودة الحياة الأمن والاستقرار والانفتاح على مختلف الثقافات والارتباط الوثيق مع العالم وتوافر بيئة عمل عصرية والتطور المتسارع في المدينة، وأضاف: «بالنسبة لي فإن دبي هي أسعد المدن في العالم».
استراتيجيات متكاملة
وأشارت منى أبو الهنا، شريك في قطاع الخدمات الاستشارية للقطاع العام والحكومي في «بي دبليو سي الشرق الأوسط» إلى أن جذب المواهب يجب أن يرتبط أيضاً باستراتيجيات تضمن الإبقاء على هذه الفئة من الكوادر البشرية المؤهلة، والمحافظة عليها عبر توفير فرص التطور المهني المناسبة، بما يقدم لهم آفاقاً مستقبلية واعدة.
وذكرت أن المدن يجب أن تعمل على توفير ميزات معينة تلبي متطلبات فئة المواهب المحددة التي تستهدف استقطابها، فعلى سبيل المثال، تبحث فئة الشباب ممن باتوا يعرفون بـ «الرقميون المتنقلون» عن مدن تتمتع ببنية تقنية متطورة ومرافق سياحية وترفيهية متنوعة للاستمتاع بالحياة وليس مجرد العمل فقط. أما استقطاب فئة الخبراء والمختصين الأكبر عمراً والأكثر خبرة مع عائلاتهم فيتطلب توفير الأمن والأمان وتوفير منظومة خدمات متطورة من تعليم ورعاية صحية وغيرها.
وأوضحت أن المنافسة على المواهب التي شهدها العالم خلال الفترة الماضية لم تكن بين الشركات والمؤسسات فحسب، بل بين الدول.
نجاحات بارزة
وقالت منى أبو الهنا: «ركزت دبي والإمارات خلال السنوات الماضية على استقطاب المهارات من مختلف أنحاء العالم، وسجلت نجاحات بارزة، فهناك العديد من المبتكرين والشركات الناشئة التي انطلقت محلياً، وهم عبارة عن مواهب تم استقطابها من الخارج وتم توطين المعرفة التي قدموها، فهناك شركات مليارية انطلقت من دبي ووصلت إلى العالمية. ومن جانب آخر هناك العديد من الكوادر الإماراتية المبدعة التي تحقق ابتكارات بارزة».
وأكدت أن إصدار دولة الإمارات لتأشيرات الإقامة طويلة الأمد المخصصة للمبدعين ورواد الأعمال وأصحاب المهارات والمبتكرين، وغيرهم من الفئات، تجسد ما يجب أن تقوم بها الحكومات من إجراءات ضرورية لاستقطاب فئات معينة من المواهب والخبرات.
وألمحت إلى أن تقرير مؤشر تنافسية المواهب العالمي ذكر أن استقطاب المواهب يتطلب توفير حلول وبيئة متكاملة للمواهب لتقديم الخدمات المتطورة لهم، وهو ما تقوم به دبي، فعلى سبيل المثال، من أجل استقطاب مواهب الصناعات الإبداعية أو الصناعات التقنية، يتطلب ذلك تقديم خدمات طبية متقدمة مما يستلزم استقطاب مواهب طبية متخصصة وتطوير قطاع الرعاية الصحية بشكل عام، لذا فإن اعتماد نموذج التخطيط الاقتصادي المتكامل ضروري جداً لاستقطاب المواهب.
وأوضحت أن دبي ركزت خلال السنوات الماضية على مختلف عوامل الجذب بشكل كلي ومتكامل مما أثبت أنه وبالرغم من التحديات المتواصلة التي شهدها العالم، ستواصل الإمارة استقطاب نخبة المواهب العالمية بالتزامن مع تعزيز جاهزية البيئة المحفزة للكفاءات بشكل متواصل وتطوير السياسات والقوانين.
وأشار طارق سلام، رئيس الإدارة في شركة دييل بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي منصة متكاملة لإدارة عمليات الموارد البشرية للفرق العالمية، إلى وجود العديد من الأسباب التي تجذب العاملين العالميين إلى مدن معينة، ولكن الكثير منهم ينجذبون إلى تلك المعروفة بالشمول وتوفر الرضا المعيشي والمهني، وتعد أفضل المدن للعاملين عن بُعد على مستوى العالم هي مراكز التمويل والأعمال، ومراكز الإبداع وريادة الأعمال.
كما تتجسد عوامل الجذب المهمة فيما تقدمه المدن من الجوانب الثقافية والمجتمعية، فضلاً عن البيئة المواتية للعيش والعمل، وتغطية واسعة لشبكة الاتصالات. وحول أبرز المدن الجاذبة للعاملين في العالم أوضح سلام أنها تشمل لندن وتورنتو وبوينس آيريس بالإضافة إلى بنغالور التي حلت أخيراً محل سان فرانسيسكو في المراكز الخمسة الأولى، لافتاً إلى ازدياد الطلب العالمي على العاملين من الولايات المتحدة والفلبين، والأرجنتين، والمملكة المتحدة، والهند.
ولفت إلى أن بيانات منصة «دييل» تظهر أن دبي تستقطب العديد من العاملين من الهند والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وكندا، تعتمد مهامهم الوظيفية على التكنولوجيا، ولكنها تغطي أيضاً التجارة، والبرمجيات، وتطوير المنتجات، والمبيعات، والتصميم. ومن جانب آخر، تعمل العديد من الشركات في دبي على توظيف نسب كبيرة من الكوادر البشرية الإماراتية.
وأوضحت سارة ديكسون مدير عام شركة هيز في الشرق الأوسط، وهي من أكبر شركات التوظيف في العالم أن جاذبية المدن بالنسبة للمواهب العالمية تتضمن مجموعة من العوامل تشمل فرص العمل والأعمال، الاقتصاد، فرص النمو، الاستقرار بالإضافة إلى نوعية الحياة، ومن المهم توفير خدمات عالية الجودة للرعاية الصحية والتعليم والإسكان والبنية التحتية بالإضافة إلى الأمن والأمان، إلى جانب الرواتب والمزايا الوظيفية وتسهيلات ضريبية، وهي جميعاً عوامل مهمة للمقيمين الأجانب.
وأضافت: «عادة ما تتميز المدن التي تعتبر مراكز مالية إقليمية وعالمية بأسواق عمل جاذبة للأجانب كما أنها عادة ما تكون الأقدر على تلبية باقي المتطلبات المرتبطة بنوعية الحياة، على غرار نيويورك وهونغ كونغ وسنغافورة ولندن وسيدني ودبي».
وأكدت ديكسون أن دبي تتمتع بمكانة متقدمة جداً وتوفر جميع المتطلبات وتأتي في الصدارة من حيث عدم وجود ضرائب على الدخل، واتساع ارتباطها جواً مع العالم، بالإضافة إلى الرواتب التنافسية وتكلفة المعيشة المنخفضة نسبياً مقارنة مع معظم المدن ذات الأهمية الإقليمية. ولفتت إلى أن المواهب تنتقل إلى دبي من مختلف أنحاء العالم، موضحة أن شركة هيز قامت خلال الفترة الماضية بتوظيف مهارات لشغل مناصب إدارية عليا في دبي ضمن قطاعات العقارات والإنشاءات والبنوك والخدمات المالية والمشتريات وسلاسل الإمداد بالإضافة إلى قطاع التقنية.