قدمت دولة الإمارات نموذجاً يحتذى به على المستوى الإقليمي في تشييد المدن المستدامة وتحسين جودة الهواء والمحافظة على الموارد المائية وزيادة الاعتماد على الطاقة النظيفة وتطبيق التنمية الخضراء، وذلك بما يتوافق مع تحقيق الهدف 11 من أهداف التنمية المستدامة المتمثل في جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود وذكية ومستدامة.
وتحتضن دولة الإمارات مجموعة من مشاريع المدن المستدامة التي تعتمد على تسخير مخرجات وأدوات الذكاء الاصطناعي، ومبادرات التنقل الذكي ومجموعة واسعة من الخدمات الذكية التي تغطي كافة مناحي الحياة اليومية للسكان.
وتعد المدينة المستدامة في دبي إحدى النماذج الملهمة التي تعزز ريادة دولة الإمارات في تحقيق الحياد المناخي، حيث تعتبر المدينة أول مجتمع متكامل وصديق للبيئة في الشرق الأوسط بما توفره من مزايا بيئية مثالية تراعي جوانب الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، لتقدم لقاطنيها حياة صحية مستدامة منخفضة الانبعاثات الكربونية.
وتبرز حملة "استدامة وطنية"، التي تم إطلاقها مؤخراً تزامناً مع الاستعدادات لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28" الذي يُعقد خلال الفترة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر من العام الجاري في مدينة إكسبو دبي، مبادرات دولة الإمارات في إنشاء المدن المستدامة التي تستخدم طرقاً حديثة للحفاظ على الموارد الطبيعية وتجنب استنزاف الماء والكهرباء، بما يكفل أعلى مستويات الرفاه والاستدامة للسكان.
وخصصت الحملة محوراً خاصاً لـ "المباني الصديقة للبيئة" الذي يبرز قصص النجاح الوطنية في تشييد مبان خضراء تراعي في تصميمها وتشغيلها الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، ويحظى ساكنوها بحياة صحية مستدامة.
وتهدف حملة "استدامة وطنية" إلى نشر الوعي حول قضايا الاستدامة البيئية، وتشجيع المشاركة المجتمعية، ودعم الاستراتيجيات الوطنية ذات الصلة بالعمل المناخي، بما يحقق التأثير الإيجابي على سلوك الأفراد ومسؤولياتهم، وصولاً لمجتمع واعٍ بيئياً.
-خدمات ومرافق خضراء.
وتقع المدينة المستدامة في دبي لاند، وتمتد على مساحة 5 ملايين قدم مربع، وتوفر مجموعة متكاملة من الخدمات والمرافق السكنية الخضراء من دون إحداث أي تأثير سلبي على البيئة، نظراً لاعتمادها مفهوماً فريداً يجسد ملامح العيش المستدام، حيث تستخدم جميع المساكن في المدينة الطاقة النظيفة والتي يتم إنتاجها من الألواح الشمسية التي تم تركيبها على واجهات وأسطح الفلل والمباني ومواقف السيارات والتي نجحت بشكل كامل في توليد الطاقة حسب احتياجات القاطنين فيها.
وتبلورت المدينة المستدامة من رؤية تهدف إلى تسريع عملية الانتقال نحو مفهوم الاستدامة، وتقدم نموذجاً معيشياً ودليلاً عملياً على هذا المفهوم المواكب لتطلعات المستقبل، لتكون معياراً للحياة المستدامة.
-تقليل البصمة الكربونية .
وتتميز المدينة المستدامة بمجموعة من مزايا التصميم الفعال والتي تتضمن استخدام مواد البناء الصديقة للبيئة والعازلة للحرارة والطلاء العاكس للأشعة فوق البنفسجية ومكيفات الهواء الموفرة للطاقة والإضاءة التي تعمل بنظام الليد ونظام السخانات الشمسية لإنتاج المياه الساخنة، حيث تقلل المدينة المستدامة من معدل البصمة الكربونية للفرد بنسبة 75%، مقارنة بالمساكن التقليدية.
وتتضمن استراتيجية المياه في المدينة المستدامة أجهزة ومعدات لتوفير المياه ومعالجتها وإعادة استخدامها في ري المساحات الخضراء، كما تعتمد المدينة طريقة فرز النفايات بنسبة 100% من المصدر، وتتوفر صناديق فرز النفايات في داخل المنازل وعند كل مجموعة سكنية لتشجيع السكان على الفرز من المصدر، كما تعمل المركبات الكهربائية على جمع النفايات ونقلها لإعادة تدويرها وتداولها، حيث يتم تحويل النفايات الخضراء إلى سماد وتستخدم في تنسيق الحدائق العامة، بينما يتم جمع أنواع النفايات الأخرى ومعالجتها بشكل منفصل.
-جودة الهواء.
ويحيط بالمشروع حزام أخضر يبلغ عرضه 30 متراً، مشكلاً ملاذاً بيئياً مهماً للطيور والزواحف، كما أنه يساعد في تقليل تلوث الهواء والضوضاء وتوفير الظل على الدراجات ومضامير الخيول.
وتشجع استراتيجية النقل في المدينة المستدامة السكان على الحد من استخدام السيارات والاعتماد بشكل أكبر على المشي وركوب الدراجات، وتعتبر المجموعات السكنية مناطق خالية من السيارات، ولذلك يسهل الوصول إليها سيراً على الأقدام فقط أو عن طريق العربات الكهربائية عبر السكك التي تربط بين أجزاء المدينة، كما يتم في المدينة اختبار عربات النقل الكهربائية بدون سائق وروبوتات ذاتية القيادة لنقل الطلبات.
وتضم المزرعة الحضرية وسط المدينة المستدامة 11 قبة حيوية منظمة الحرارة، ما أسهم في تحقيق المدينة اكتفائها الذاتي من الأعشاب والخضروات الورقية، كما يتم زراعة مجموعة أخرى مختارة من الخضروات والفواكه في المنطقة الزراعية، وتخصيص مساحات خاصة للسكان لتشجيعهم على زراعة الأعشاب والخضروات الخاصة بهم، إضافة إلى ذلك تم زراعة النخيل على طول الطريق الدائري، حيث تنتج المزرعة المركزية من 40-50 طناً من التمور سنوياً.
-تعزيز التنوع البيئي.
وكجزء من التزامها بتعزيز التنوع البيئي، حرصت المدينة المستدامة على تفادي أو الحدّ من استخدام المواد الكيميائية السامة في مكافحة الآفات والأعشاب الضارة، وللتمكن من مكافحة الحشرات على فروع أشجار النخيل، تستخدم المدينة تقنيات استشعار متطورة قادرة على الكشف عن عدوى سوسة النخل الحمراء ومكافحتها، ويسهم تقليل الاعتماد على المواد الكيميائية في حماية تجمعات النحل والفراشات وغيرها من حشرات التلقيح.
وبهدف رصد التنوع البيولوجي في المدينة المستدامة، تم إطلاق برنامج تقييم التنوع البيولوجي على نطاق المجمع السكني، من خلال نشر معدات رصد مخصصة لقياس أثر البيئة الحضرية على التنوع البيولوجي وصحة المنظومة البيئية.
كما كشفت المدينة المستدامة عن نتائج دراسة استقصائية متخصصة أجرتها مع جمعية الإمارات للطبيعة بالتعاون مع الصندوق العالمي للطبيعة، لرصد التنوع البيولوجي وقياس أثره وصحته على نطاق المجمّع السكني، يشمل ذلك النباتات والحياة البرية والفطرية.
وأظهرت نتائج الدراسة وجود 102 من الفصائل النباتية المختلفة و27 فصيلة من الطيور و23 فصيلة من الحشرات و3 فصائل من الثدييات، إلى جانب أعداد صغيرة من الأسماك والزواحف والفطريات.
يذكر أن تقريراً أممياً صدر أخيراً أظهر أن 55% من سكان العالم يعيشون في المدن، ومن المتوقع أن يرتفع هذا العدد إلى نحو 70% بحلول عام 2050، ما يعني أن 2.5 مليار شخص إضافي سيقيمون في المناطق الحضرية مستقبلاً، ما يستدعي التوسع في بناء المدن المستدامة التي تستخدم طرقاً حديثة للحفاظ على الموارد الطبيعية وتجنب استنزاف الماء والكهرباء.