تسعى العديد من الشركات لإدراج أسهمها في سوق دبي المالي خلال الفترة المقبلة، بعدما أظهر السوق مرونة في مواجهة التقلبات العالمية، وحقق نجاحات قياسية العام الماضي، مع إدراج «ديوا» و«سالك» و«إمباور» و«تيكوم»، استكمالاً للطروحات التي شهدتها الأسواق في عام 2022. وشهد السوق خلال العام الجاري إدراج أسهم «الأنصاري للخدمات المالية»، التي تعدّ من أولى الشركات العائلية التي يتم إدراج أسهمها في الإمارات، والتي شكلت أول طرح عام أولي في دبي لعام 2023.
وحافظ سوق دبي المالي على الزخم القوي لقطاع الاكتتابات العامة الأولية الذي شهده خلال عام 2022، حيث تم تنفيذ خمسة اكتتابات عامة أولية بنجاح لافت، جمعت من خلالها الشركات الجديدة 31 مليار درهم، في حين وصل إجمالي قيمة طلبات الاكتتاب إلى مستوى قياسي بلغ 673 مليار درهم، ما انعكس على مستوى السيولة التي بلغت 90 مليار درهم في 2022 بنمو 25%، ووصل عدد المستثمرين الجدد بالسوق إلى 167 ألف مستثمر، ليتخطى الإجمالي مليون مستثمر أفراداً وشركات، بما يُعزز المكتسبات التي سيحققها السوق خلال عام 2023.
واستحوذ سوق دبي المالي على ما يقارب 40% من أنشطة الاكتتاب العام في منطقة الخليج، ليتحول إلى نقطة مضيئة خلال عام 2022 من حيث أنشطة الاكتتاب العام والإدراج عالمياً وإقليمياً. وأكد خبراء ومحللو أسواق مال أن سوق دبي يمتلك ركائز عديدة ترسخ من مكانة دبي مركزاً عالمياً في مجال أسواق رأس المال، وهي الاكتتابات العامة الناجحة، والأرباح القوية للشركات، فضلاً عن الإطار التشريعي المتطور، والكوادر المحترفة المؤهلة من حكام وقضاة ماليين متخصصين لديهم خبرة كبيرة، إلى جانب متانة النظام المالي للإمارة.
وتضمنت ركائز سوق دبي أيضاً، بحسب الخبراء، السلطة المالية المستقلة للسوق، وتوفير القوانين الدولية، فضلاً عن البنية التحتية المميزة للإمارة من مبانٍ وموانئ ومطارات من الطراز الأول، إلى جانب احتواء السوق على عدد كبير من المستثمرين الدوليين، إضافة إلى الظروف الاقتصادية المزدهرة.
وقال الخبراء لـ«البيان الاقتصادي»: إن هناك العديد من الشركات تدرس حالياً التحول إلى مساهمة عامة، خصوصاً بعد النشاط الأخير الذي يشهده سوق دبي وارتفاع السيولة لمستويات غير مسبوقة. إضافة لذلك، تشهد الطروحات الأولية في سوق دبي إقبالاً كبيراً من قبل المستثمرين والصناديق السيادية والمحافظ الاستثمارية العالمية، بما يعكس الثقة الكبيرة في المنهج الاقتصادي القوي الذي تنتهجه دولة الإمارات في شركاتها ومؤسساتها الكبرى، إلى جانب توفير فرص جاذبة وخيارات استثمارية أوسع أمام المستثمرين للمشاركة في مسيرة النمو القوي للاقتصاد الوطني.
عوامل جذب
وقال الخبير المالي والمحلل الاقتصادي وضاح الطه لـ«البيان»: إن سوق دبي المالي يمتلك جميع العوامل التي تعزز مكانة الإمارة عاصمة مالية عالمية، فهو سوق دولي به سلطة مالية مستقلة وقوانين دولية، وحكام وقضاة ماليون متخصصون، لديهم خبرة كبيرة، فضلاً عما تملكه الإمارة من بنية تحتية مميزة من مبانٍ وموانئ ومطارات من الطراز الأول، إلى جانب بنية تشريعية مرنة وكوادر مؤهلة ونظام مصرفي قوي، متوقعاً انتقال المزيد من الشركات العالمية إلى دبي، خاصة الأوروبية، خلال السنوات المقبلة. وأوضح أن الاكتتابات تعطي قوة داعمة للسوق، وترفع من جاذبيته الاستثمارية، خاصة إذا كانت نوعية ومنتقاة بعناية جيدة، مؤكداً أنها تشكل فرصاً للمستثمرين في ظل التاريخ الإيجابي الجيد والأرباح المستقرة للشركات على مدار السنوات الماضية.
وأشار إلى أن نشرات الاكتتاب باتت تعد بتوزيعات نصف سنوية، وهذا تطور في أسواقنا الناشئة، ويعطي رسالة قوية بأن أداء الشركة القادم هو أداء جيد لنجاح الاستثمارات وسمعة السوق، مشدداً على ضرورة انتقاء القطاعات لتضيف عمقاً للسوق حتى تكون ممثلة للاقتصاد الكلي الحاضن لتلك الأسواق، وبالتالي تصبح تلك الاكتتابات ذات قيمة أساسية.
وأكد أنه في ظل الظروف الحالية تزداد حاجة الشركات إلى اللجوء إلى الاكتتابات الأولية بسبب ارتفاع معدلات الفوائد على الاقتراض، فضلاً عن أن الإدراجات العامة هي أرخص طريقة للتمويل، سواء للتوسع أو تنوع الأعمال، وهي أسلوب مميز، خاصة في ظل الظروف الحالية لعمليات التمويل، وفي حال الشركات التي لديها طموحات في التوسع.
اهتمام متزايد
وأفاد رائد دياب، نائب رئيس قسم البحوث في شركة «كامكو إنفست»، بأنه في الفترة السابقة لوحظ أن هناك اهتماماً كبيراً ومتزايداً من قبل المستثمرين بالأسواق الخليجية، خاصة الإماراتية، وبالطروحات الأولية فيها.
وقال دياب: «على الرغم من التراجعات التي رأيناها بالأسواق العالمية نتيجة المخاوف التي سيطرت على معنويات المستثمرين حيال تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي والدخول في مرحلة ركود في ظل التشديد النقدي من قبل البنوك المركزية الرئيسة، ومع استمرار التوترات الجيوسياسية وتداعيات سلاسل التوريد، إلا أن الأسواق الإماراتية كانت بمعزل عن عمليات البيع الحادة والتقلبات الكبيرة».
وأرجع ذلك إلى المركز المالي القوي للدولة، والتوقعات بأن يشهد الاقتصاد نمواً في الفترة المقبلة، خلافاً للعديد من الاقتصادات العالمية، إضافة إلى المناخ الاستثماري الجيد والتسهيلات المقدمة من قبل الحكومة لتعزيز النمو الاقتصادي والقوانين والتشريعات المشجعة وما توفره من بيئة أعمال جيدة، فضلاً عن الأرباح الجيدة للشركات المدرجة في الفترة الماضية والتقييمات الجيدة لها، واستمرار أسعار النفط عند مستويات جيدة، ما يوفر عوائد مالية جيدة للميزانية تساعدها على النمو وتعود بالنفع على معظم القطاعات.
أساسيات قوية
وقال أرون ليزلي جون، مدير محللي السوق لدى «سنشري فاينانشال»: «إن دبي شهدت موجة من الاكتتابات العامة الأولية في عام 2022، إلى جانب النجاح الكبير الذي حققته مجموعة الأنصاري للخدمات المالية خلال الأيام الماضية، وتتطلع الشركات الخاصة والعائلية إلى الإدراج في أسواق دبي المالية كجزء من استراتيجيتها لمضاعفة حجم سوق رأس المال بمقدار 3 تريليونات درهم».
وأضاف: «نظراً للأساسيات القوية، وعرض القيمة المغرية، والتغيير في تصورات المستثمرين الدوليين، شهدت الإمارة أكبر مستوى من العروض من حيث القيمة الإجمالية في عام 2022 منذ عام 2008، ما دفع إلى تركيز المزيد من المستثمرين على الاكتتابات العامة في الإمارات».
وأردف: «تتمثل خطة دبي الكبرى في زيادة القيمة السوقية إلى 3 تريليونات درهم من خلال تسريع معدل الاكتتابات الأولية في السنوات القليلة المقبلة، حيث وافقت اللجنة العليا للأوراق المالية والبورصات بالفعل على إنشاء صندوق لصنع السوق بقيمة تصل إلى مليار درهم لزيادة السيولة وأطلقت صندوقًا بقيمة مليار درهم لدعم الاكتتابات العامة في شركات التكنولوجيا وتشجيع المنتجات المالية المبتكرة». وتابع: «تحتل دبي المرتبة الأولى إقليمياً، والمرتبة 17 عالمياً في مؤشر المراكز المالية العالمية بين 190 بلداً في عام 2022 تقوم بأعمال تجارية، كما تم إنشاء مركز دبي للأمن لضمان التنفيذ السليم لأفضل الممارسات الدولية، ما يجعل من سوق دبي المالي مركزاً دولياً وإقليمياً يجمع أكثر من 207 جنسيات».
تمويل الشركات
وأكد دانيال تقي الدين، الرئيس التنفيذي لشركة «بي دي سويس»، أن سوق دبي المالي أثبت أنه مصدر كبير لتمويل الشركات التي تبحث عن إمكانات للنمو، خاصة أن دبي تضم عدداً كبيراً من المستثمرين، وقد تمكنت من جذب مستثمرين دوليين إلى أسواقها المالية، وهذا بدوره يساعد الشركات على الاستحواذ على رؤوس الأموال بسهولة أكبر لتطوير عملياتها، إضافة إلى ذلك، فإن الجهود الحكومية المستمرة لتحسين بيئة الأعمال وجعلها أكثر كفاءة تؤدي دوراً كبيراً في تطوير وتعزيز إمكانات سوق دبي المالي. وتوقع أن يشهد سوق دبي المالي اهتماماً أكبر من قبل المستثمرين المحليين والدوليين؛ نظراً لتراجع الاكتتابات العامة في مناطق أخرى، فضلاً عن الجهود التي بذلتها حكومة دبي، التي سعت إلى تعزيز نشاط سوق دبي المالي، وأظهر هذا بالفعل نتائجه في عام 2022 مع العديد من الاكتتابات الأولية الناجحة، كما يوجد في دبي عدد كبير من الشركات القوية التي أصبحت متاحة للمستثمرين، وهي فرص استثمارية مثيرة للغاية.
اقرأ أيضاً: