توقعت أكبر الصناديق الاستثمارية والبنوك العالمية أن تستمر أسعار الذهب في الارتفاع بشكل تدريجي خلال الأشهر المقبلة، مدعومة بالبدء التدريجي المتوقع لخفض أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، واستمرار الطلب القوي على المعدن النفيس من قبل البنوك المركزية وارتفاع المخاطر الجيوسياسية، لافتين إلى أن مستوى 3000 دولار للأونصة ليس مستبعداً على المدى الطويل.

وأكد كبار المسؤولين في هذه المؤسسات، لـ «البيان»، نظرتهم المستقبلية الإيجابية للمعدن الثمين، وأن يبقى عنصراً أساسياً في محفظة الاستثمار المتنوعة، وأن الطلب القوي من البنوك المركزية الآسيوية، خصوصاً من الصين والهند، سيبقي على توازن مستويات العرض والطلب.

الفرص البديلة

وتوقع مانبريت جيل، كبير مسؤولي الاستثمار في أفريقيا والشرق الأوسط وأوروبا في بنك ستاندرد تشارترد أن تستقر أسعار الذهب عند مستوى 2450 إلى 2500 دولار للأونصة خلال الـ 6 إلى 12 شهراً المقبلة. وتستند هذه التوقعات بحسب جيل إلى عاملين رئيسيين، الأول منهما هو توقعات انخفاض عائدات السندات بالدولار الأمريكي بشكل تدريجي مع بدء الاحتياطي الفيدرالي دورة خفض أسعار الفائدة، وعادة ما يكون هذا بمثابة رياح خلفية للذهب، نظراً لأن عوائد السندات تمثل الفرصة البديلة الرئيسية لحيازة المعدن الذي لا يدر عائداً.

أما العامل الثاني، فيتمثل في توقعات استمرار الطلب القوي على المعدن من قبل البنوك المركزية، الأمر الذي من المتوقع أن يحافظ على توازن العرض والطلب، وتجدر الإشارة هنا إلى أننا نتوقع أن يبقى الطلب على الذهب قوياً في الأسواق الرئيسية مثل الهند خصوصاً في ظل النمو الاقتصادي المدعوم جيداً والتغيرات في السياسات الضريبية التي شهدناها أخيراً.

وقال جيل: عادة ما نرى أن عوائد السندات الحقيقية (صافي التضخم) هي أحد المحركات الرئيسية لأسعار الذهب، وكما نعلم، فإن الذهب لا يقدم عائداً، لذا فهو يميل إلى أن يكون حساساً جداً للتغيرات في عوائد السندات بالدولار الأمريكي، والتي تمثل الفرصة البديلة الرئيسية للاحتفاظ بالمعدن الثمين، وقد حافظت هذه العلاقة بشكل جيد على مدى العقود العديدة الماضية، وهي تساعد أيضاً في تفسير مكاسب أسعار الذهب في الأسابيع الأخيرة، والتي نعتقد أنها كانت مدفوعة بارتفاع التوقعات بتخفيض أسعار الفائدة من قبل الفيدرالي الأمريكي، وبالتالي انخفاض عوائد السندات في المستقبل القريب.

واستدرك: لكن هذه العلاقة قد انهارت خلال العامين الماضيين. لذا، نعتقد أن الطلب القوي من البنوك المركزية منذ عام 2022 يفسر ذلك، والجدير بالذكر أنه بعد بداية الحرب في أوكرانيا، ارتفع طلب البنوك المركزية على الذهب بشكل حاد، ويعني هذا أن تراجعات الأسعار كانت أقل عمقاً من المعتاد، وأن الطلب القوي من البنوك المركزية أدى إلى إحكام التوازن بين العرض والطلب.

وذكر أن أداء الذهب جيد باعتباره فئة أصول بعيدة عن المخاطرة - على سبيل المثال، رأينا ارتفاعه عندما تتراجع الأسهم، ومع ذلك، فإن هذا الارتباط السلبي يميل إلى الاستمرار فقط لفترات زمنية قصيرة نسبياً.

وقال محمد الفهيم، المدير العام ورئيس شركة بلاك روك في الإمارات: إن أسعار الذهب شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية، مدعوماً بالطلب القوي من البنوك المركزية والطلب الفعلي القوي على المعدن الثمين في آسيا.

وتوقع استمرار ارتفاع أسعار الذهب تدريجياً على المدى المتوسط، ونرى عوامل عدة مثل ارتفاع المخاطر الجيوسياسية، واستمرار ارتفاع منسوب التضخم فوق المتوقع، والتقييمات المرتفعة للأسهم في الأسواق عموماً، باعتبارها دوافع قوية لزيادة الاستثمار في الذهب اليوم.

بالمقابل عند النظر إلى حركة أسعار الذهب، نجد أن أداء أسهم المعدن النفيس جاءت مخيبة للآمال إلى حد ما، بحسب الفهيم، والسبب الرئيسي، من وجهة نظرنا، هو أن المنتجين واجهوا تضخماً واسعاً في التكاليف على مدى السنوات الثلاث الماضية، وبالتالي فإن ارتفاع أسعار الذهب لم يحقق النمو المتوقع في الهوامش الربحية.

وأضاف الفهيم «ومن العوامل الأخرى أيضاً أن أسهم الذهب تبدو غير مطلوبة لدى المستثمرين، وهو ما عكسته التدفقات الخارجة من صناديق أسهم الذهب النشطة وصناديق المؤشرات، مستقبلاً، باعتقادنا أن أسوأ مرحلة في تضخم التكاليف قد انتهت، في حين تشير تجربتنا إلى أن الوقت الأمثل لنمو الزخم والإيجابية بشأن أسهم الذهب هو عند الهبوط الشديد في معنويات السوق».

وأشار الفهيم إلى أنه بأسعار الذهب الحالية، يحقق المنتجون مستويات قوية من التدفقات النقدية الحرة، أما العامل الأهم هنا فهو ما سيفعلونه بهذه الأموال، لذلك نرى أن موسم الإفصاح عن أداء الربع الثاني يحمل أهمية خاصة.

وتوقع نوربرت روكر، رئيس قسم الاقتصاد وأبحاث الجيل القادم، في «جوليوس باير»، أن ترتفع أسعار الذهب إلى ما يزيد على 2500 دولار للأونصة، وتتألق خصائص الملاذ الآمن للذهب في عالم متزايد الاستقطاب.

وقال: «يبدو أن الاستعداد لدفع ثمن الذهب كتأمين يتضخم هيكلياً، وخصوصاً من جانب البنوك المركزية الآسيوية، ومع ذلك، فقد تشكلت حالة الهدوء الصيفي وظل المشترون الصينيون وكذلك من العالم الغربي غائبين أخيراً، وهذا يعيد التركيز إلى الولايات المتحدة وبنك الاحتياطي الفيدرالي، مع توقعات بخفض أسعار الفائدة التي تدعم أسعار الذهب».

وقالت الدكتورة نانيت هيشلر فايدهيربي، مديرة الاستثمار لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا، رئيسة استراتيجية الاستثمار والاستدامة والأبحاث في مجموعة لومبارد أودييه «إن توجه البنوك المركزية الكبرى إلى خفض أسعار الفائدة، مع استمرار تنامي المخاطر الجيوسياسية، يوفر بيئة إيجابية وداعمة للذهب». وأضافت هيشلر «تستمر نظرتنا المستقبلية الإيجابية للمعدن النفيس، ونحتفظ بهدف الوصول إلى 2600 دولار أمريكي للأونصة خلال 12 شهراً».



3000 دولار للأونصة

وقال باس كويمان، الرئيس التنفيذي ومدير الأصول في شركة دي إتش إف كابيتال: «من المرجح أن تحافظ أسعار الذهب على استقرارها على المدى المتوسط مع احتمال تسجيل مكاسب طفيفة، في ضوء التوقعات بزيادة الإقبال على الذهب بوصفه أحد أصول الملاذ الآمن، وذلك نتيجة المخاوف من تفاقم مشكلة التضخم والاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن التوترات الجيوسياسية الراهنة، ورغم أن الوصول لمستوى 3 آلاف دولار للأونصة على المدى الطويل ليس مستبعداً، لكن تشير معطيات النمو الكبيرة لهذا العام إلى إمكانية تسجيل استقرار أو انخفاض طفيف للسعر عند وصوله إلى حد 2500 دولار أو تجاوزه بقليل».

وتابع: «بشكل عام، تشير التوقعات المتوازنة إلى أن الذهب سيبقى عنصراً أساسياً في محفظة الاستثمار المتنوعة، نظراً للاستقرار الذي يوفره في ظل اضطرابات الأسواق».