30 دقيقة هي المدة التي استغرقتها الرحلة من منطقة الجبيهة وصولاً إلى قرية الرجيب على بعد 7 كيلو مترات شرق العاصمة الأردنية عمّان حيث يقع كهف أهل الكهف والمسمى بكهف الرقيم.

أحاديث مشوقة حول تاريخ حادثة أهل الكهف دارت بيني وبين عدد من السياح الذين ارتادوا المكان بينما كنا ننتظر وصول إمام المسجد الذي يملك مفتاح الكهف.

شعور بالرهبة امتلكني لمشاهدة المكان الذي رقد فيه فتية أهل الكهف الذين سمعنا عن قصتهم منذ الصغر وذكرت في القرآن الكريم بسورة "الكهف" التي روت قصة الفتية المؤمنين الذين فروا بدينهم من الملك المضطهد  «دقيانوس» عام 250 ميلادي وفقاً للمؤرخين.

وما أن فتح الإمام باب الكهف، حتى تهافتت أنظارنا لرؤية آثار ما تبقى من هذه القصة حيث وجدنا القبور على اليمين والشمال داخل الكهف، ومن خلال ثقب زاجي تظهر بعض العظام والجماجم مدفونة في الرمال.

وفي آخر الكهف توجد خزانة تضم قطعاً أثرية كتُب عليها: أباريق وضوء عثر عليها في ساحة المسجد العلوي وهي أموية وطولونية ومملوكية.

وبحسب تفسير الطبري، فإن تسمية كهف الرقيم جاءت من كلمة الرقيم المشتقة من الفعل الثلاثي رَقَمَ والذي يعني خط أو كتب وقد يعني القرية أو الواد أو الجبل الذي يقع فيه الكهف أو قد يعني الكتاب الذي كتب عليه أسماء أهل الكهف. وقد ورد ذكر أصحاب الكهف في سورةِ الكهف لِيضرب اللهُ خير مثالٍ في قدرته على إحياء الموتى.

قصة أهل الكهف:

تعود الأحداث إلى الفترة التي عاشت فيها منطقة الكهف فساد الملك الظالم الذي كان يدعى «دقيانوس» ويقال له «افوس» و كان يدعو لعبادة الأصنام -وذلك في زمن عيسى عليه السلام - وقد ساد التسلط والجبروت لدى هؤلاء القوم، إلا ان الله سبحانه وتعالى وهب السكينة والطمأنينة في قلوب بعض السكان ويبلغ عددهم سبعة في تلك المنطقة الذين رفضوا الانصياع لأوامر الحاكم الفاسد الجبار وأعلنوا أن الله تعالى هو رب السموات والأرض ولا أحد سواه وجاء في القران الكريم قولهم: «لن ندعوا من دونه الها لقد قلنا اذا شططا».

شاهد الفيديو

هدد «دقيانوس» الفتية بالقتل إن لم يتبعوا ملتهم لكن الفئة المؤمنة آثرت الحفاظ على دينها عن عبادة الأوثان، وذلك كما جاء في القرآن الكريم من سورة الكهف «هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه الهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا».

 ولم يكن منهم إلا الخروج من المنطقة والتوجه إلى سفح جبل داخل أحد الكهوف ومعهم كلبهم خوفا من بطش الحاكم وأعوانه حيث شعروا هناك بالطمأنينة. ولاحقاً تبعهم الملك إلى مدخل الكهف فوجدوا أثر دخولهم ولم يجدوا أثر خروجهم، فدخلوا الغار إلا أن الله أعمى ابصارهم فلم يروا شيئا على الإطلاق مما دفع الملك للقول «اغلقوا عليهم باب الكهف حتى يموتوا جوعا وعطشاً».

وذكر سبحانه وتعالى تفاصيل قصتهم في سورة الكهف في الآيات من 13 – 16 : "نَّحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ ۚ إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13) وَرَبَطْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَٰهًا ۖ لَّقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا (14) هَٰؤُلَاءِ قَوْمُنَا اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً ۖ لَّوْلَا يَأْتُونَ عَلَيْهِم بِسُلْطَانٍ بَيِّنٍ ۖ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا . وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُم مِّنْ أَمْرِكُم مِّرْفَقًا."

وخلال مكوثهم في الكهف، انشغل الفتية بعبادة اللهَ والدُّعاء والذِّكر، وأوكلوا أحدهم واسمه "يمليخا" بتولي مسؤولية إحضار الطعام، حيث كان كلما أراد الخروج إلى سوق المدينة يلبس أثواباً ممزَّقةً كي يتخفَّى بها عن أهلِ مدينتِه، فيعود إلى أصحابه بطعامٍ ورزقٍ دون أن يشعُر به أحد.

وأنام الله الفتية ثلاثمئة وتسعة أعوام ووقاهم من أشعة الشّمس الحارقة حيث كانت تشرق عن يمين كهفهم وتغرب عن شماله وكانوا يتقلّبون في نومهم، وذلك كي لا تهترئ أجسادهم ولإخافة كل من رآهم، فقد كانوا كالأموات ولكن يتحرّكون، وكان كلبهم نائماً على باب الكهف ويمنع دخول أيّ أحدٍ إليه.  وقال تعالى: "وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا."

وبعد انقضاء هذه السنوات، أفاق الفتية من نومهم وكان أول ما سألوا عنه هو مدة نومهم. قال تعالى: "وَكَذَٰلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ ۚ قَالَ قَائِلٌ مِّنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ ۖ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ۚ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا." إلا أنهم لم يتمكنوا من تحديد المدة."

وطلبوا من أحدهم الذّهاب في الخفاء إلى المدينة وإحضار الطعام حتى لا يمسك بهم الملك الظّالم أو اتباعه فيكرههم على العودة إلى دين الكفر أو يعاقبهم بالرجم حتى الموت.

وحينما وصل أحدهم إلى المدينة تفاجأ بتغير كل ما حوله وبدى عليه بأنه غريب عن المكان من لباسه والنقود التي كانت يحملها وعندما أخرجها للبائع أخذ يصرخ وينادي بأن شخصا وجد كنزاً ونظراً لعدم التمكن من معرفة هوية الشاب، ما كان من أهل المنطقة إلا رفع قصتهم إلى ملك ذلك الزمان ويدعى"يندوسيس" حيث كان من المسلمين مما أدخل البهجة لقلوبهم.

وخرج الملك والجند وأهل البلدة لمقر الكهف وحين سمع الفتية الأصوات وجلبَة الخيل ظنوا أنهم رجال دقيانوس فقاموا إلى الصلاة فدخل الملك عليهم فرآهم يصلون فلما انتهوا من صلاتهم عانقهم الملك وأخبرهم أنه رجل مؤمن وأن دقيانوس قد هلك من زمن بعيد وسمع كلامهم وقصتهم وعرف أن الله بعثهم ليكون أمرهم آية للناس ثم ألقى الله عليهم النوم وقبض أرواحهم.