لم تعد فكرة الروبوتات التى تثور على البشر فكرة جديدة ، بعد أن قتلته أفلام الخيال العلمي الامريكية مئات المرات ، بكل المعالجات الممكنة .. حتى أصبح صدور فيلم جديد من هذا النوع ، يثير دهشة المشاهدين بإعتبار انه ” ماذا سيقولون بعد كل ماقالوه ! ” ؟
تظل أفلام ” النّاهي Terminator ” فى مقدمة هذه الأفلام ، التى تُعالج هذه الفكرة بمزيج مُخيف من الإثارة والعلم ، مع الإصرار على إشعار المُشاهد أن كل مايراه من ثورة الروبوتات قد يكون حقيقياً يوماً ما..
يُسعدني أن أقول لك بكل بساطة من خلال هذا المقال ، ان العالم – بالفعل – قطع شوطاً كبيراً جداً في كل مجالات التكنولوجيا والتطبيقات الآلية ، التى من شانها تحويل هذه الفكرة الكابوسية من مجرد فيلم للخيال العلمي إلى واقع محسوس..
صراع الروبوتات مع البشر سيكون محسوماً بلا شك .. لهذه الأسباب !
أسرع من البشر
رسمياً ، يُعتبر العدّاء الجامايكي ” يوسيان بولت ” هو أسرع بشري على وجه الأرض ، بعد تحقيقه لأرقام قياسية في سباقات الـ 100 والـ 200 متر ، وذلك خلال الدورتين الاولمبيتين الأخيرتين ، التى سجل فيها سرعة 27,78 ميلاً فى الساعة..
ولكنه لا يحتفظ بنفس اللقب ، في حالة إذا تمت المقارنة بينه وبين ” الروبوت شيتاه “ الذي كسَر رقم ” بولت ” القياسي بسرعة 28,3 ميلاً فى الساعة..
هذا الروبوت يُعتبر تصميماً ” أولياً ” لهذه الأنواع من الربوتات ، وتم تطويره بواسطة مركز بوسطن دايناميكس ، وبتمويل حكومي امريكي .. وسوف يتم تجربته فى الجري الحر فى الهواء الطلق فى العام 2013..
ملحوظة : الجهة الحكومية الممولة لمشروع الروبوت ” شيتاه ” هي مؤسسة DARPA العسكرية ، التى تسعى إلى توظيف النماذج المطوّرة اللاحقة من هذا الروبوت في هدف نبيل .. الحروب طبعاً !
أحد العلماء فى جامعة شيفيلد ، قال مُعلقاً على مارآه من تطوير للروبوت :
” ما أراه هو إنجاز تكنولوجي غير مسبوق .. ولكن من المؤسف جداً أن تكون النية لإستخدام هذا الإنجاز التكنولوجي في قتل البشر ! “
سوف يتصرفون كالبشر !
بالطبع أنت سمعت أو قرأت مراراً وتكراراً عن ( الذكاء الصناعي Artificial Intelligence ) والتطور الكبير الذي طرأ على هذا المجال فى السنوات الاخيرة .. أهمها قيام مُصصمي ألعب الفيديو بتطوير الذكاء الصناعي للألعاب ، حتى تتفاعل مع اللاعبين بنفس السلوكيات البشرية !
في الماضي الغير بعيد ، كان التصور ان يصل الذكاء الصناعي إلى نسبة متقدمة يُمكنها مجاراة السلوك البشري ضرباً من ضروب الخيال .. ولكن ، وفي سبتمبر من العام 2012 طرحت شركة الألعاب العملاقة 2K Games مُسابقة بين أفضل مُطوّري ومبرمجي الألعاب فى العالم ، لمن يتوصل لأفضل لوغاريتمية يُمكنها مُجاراة السلوك البشري ..
النتيجة ؟.. نجاح مُذهل وصل إلى نسبة 52 % من مُحاكاة السلوك البشري ..
تقول انها ليست نسبة كبيرة ، وأن الامر مازال قيد التجربة على ألعاب الفيديو ، وتطبيقها على الروبوتات سيكون امراً صعباً ؟!
لا اعتقد أنك أنت نفسك مُقتنع بهذه الحجة ! .. سيفعلونها ياصديقي .. ربما أقرب مما نتصور جميعاً !
روبوتات بأنسجة حية
علم الـ ( Bio – Robotics ) – علم تصنيع الروبوتات بالأنسجة الحية – ، لم يعد حكراً لأفلام الخيال العلمي.. هذا العلم أصبح علماً معتبراً جداً ، ويُدرّس باهتمام كبير فى أعظم جامعات العالم ..
ولحسن الحظ – او لسوء الحظ ! – أنهم توصلوا إلى نتائج متميزة فى هذا المجال..
استطاعت جامعة بنسلفانيا بالتعاون مع معهد مساشوسيتس للتكنولوجيا ، فى صناعة نسيج عضلي حيوي يُمكنه أن يتأثر بالضوء .. هل تعرف ما الذي يعنيه هذا ؟
النسيج العضلى العادى ينقبض وينبسط كنتيجة لومضات كهربية تأتيه عبر الخلايا العصبية .. هذه هي فكرة انقباض وانبساط العضلات ببساطة : أوامر من الجهاز العصبي على شكل نبضات كهربية ، فتستجيب العضلات بالحركة أو السكون..
النسيج العضلى الذي تم تصميمه وتصنيعه من قبيل الجامعتين ، يُمكنه الإنقباض والإنبساط عند تعرضه لشحنات معينة من الضوء .. لا ينقصه سوى بعض الإضافات والتحويرات الجينية فى بروتينات هذا النسيج ، وسيكون قادراً على التفاعل مع شحنات ضوئية كهربية ، بدون الحاجة إلى جهاز عصبي مُعقد !
أي أن العقبة الكُبرى التى كانت تقف امام العلماء ، وهي أنه لكي يتم صناعة روبوت عال المهارة ويتحرك مثل البشر ، فإنه يحتاج إلى مُحاكاة جهاز عصبي شديد التعقيد .. هذه العقبة على وشك الإنهيار الآن !
الفيديو يوضح انقباض وانبساط النسيج العضلي الحيوي ” المُصنّع معملياً ” ، عند تعريضه لشحنات ضوئية !
عقول متطوّرة .. وليست بريئة كذلك !
جامعة تشيفيلد نجحت بالتعاون مع جامعة سوسيكس فى تصميم وصناعة نموذج ، لمحاكاة طريقة عمل عقل ( النحلة ) بدرجة متناهية الدقة .. وسيتم وضع هذا النموذج الصناعي لعقل النحلة فى جسد آلي طائر ، بهدف اختبار قدراته ، ومُطابقة طريقة تفكير نموذج عقل النحلة الآلي مع الجسد الآلي بدوره..
الحقيقة ان تصنيع نماذج ميكانيكية آلية لمحاكاة العقول ليست فكرة جديدة ، ولكنها دائماً كانت محصورة فى محاكاة عقول الفئران والقرود والبشر .. ولكن النجاح في مُحاكاة عقل حشرات مثل النحل ، هو قفزة هائلة حقيقية .. باعتبار أنها أصغر فى المرتبة ، وأكثر تعقيداً وأكثر إثارة للرعب أيضاً !
يُمكنك أن تتخيل كيف تفكر أسراب النحل ، وكيف تُرسل اشارات لبعضها البعض بمنتهى التنظيم في اسراب مهولة عندما تُهاجم شيئ ما ..
ويكون كل هذا التفكير والنظام في أجساد روبوتية معدنية مُخصصة للقتل والتدمير .. وليس لإنتاج العسل والرحيق !
يُمكنها السير على الماء
هذه المعلومة تُشير إلى حقيقة جميلة .. ان مهندسي الروبوتات لم يقطعوا شوطاً كبيراً فى صناعة ” روبوت يُحاكي البشر ” فقط .. بل قطعوا شوطاً كبيراً فى صناعة ” روبوت لديه إمكانيات أكبر من إمكانيات البشر ” !
بداية النجاح فى هذا النموذج ، هو النموذج فى الصورة الأقرب إلى حشرة آلية ، استطاعت السير على الماء دون ان تكسر التوتر السطحي له .. الجميل أن النموذج الآلي لا يُمكنه فقط السير على الماء ، بل القفز على الماء أيضاً لإرتفاع 5,5 إنشات لأعلي ، و 14 إنشاً للأمام..
المهندسون الذين قاموا بتطوير هذا النموذج ، يقولون أنه من السهل جداً تصنيع نموذج مُشابه يوضع في أقدام الروبوت الذي يُحاكي الشكل البشري .. وإخضاعه للمزيد من التطويرات ليُصبح قادراً على المشي والركض والقفز على الماء .. بسرعة ومهارة !
يُمكنهم التعرف على أنفسهم
أكبر كابوس يُمكن للبشر أن يواجهوه ، هو عندما يكونوا بصدد إنسان آلي عنده القدرة على التعرف على نفسه .. ولديه وعي داخلي ومعرفة بانه انسان آلي .. وأنه خادم للبشر .. وطالما لديه هذا الوعي ، فسيبدأ فى طرح الأسئلة .. التى ستنتهى – غالباً – بالتمرد ..
هل هذا ممكن ، ام أن هذا الامر تحديداً مازال هوليودياً جداً ، وغير قابل للتطبيق؟
الحقيقة المُبهرة ان أول الخطوات تم اجتيازها بالفعل ، عندما نجح باحثون من جامعة ييل فى صناعة روبوت أطلقوا عليه إسم ” نيكو Nico “ ، والذي لديه القدرة على التعرف إلى نفسه فى المرآة..
بدلاً من أن تأخذ الموضوع بسخرية ، وتتعجب لماذا كل هذه الضجة لمجرد قيام انسان آلي بالتعرف على نفسه فى المرآة ، فالأولى ان تتعامل مع هذه الحقيقة بقلق وليس تهكماً..
لأن الابحاث تقول أن هذه هي الخطوة الاولى لتطوير معنى الـ ( Identity ) أو الهوية لدى الروبوت المدعوم بذكاء صناعي ، سيتبعها تطور هائل وسريع تظهر بوادره بالفعل فى السنوات الأخيرة .. وبالتالي ، فقدرة الروبوتات على الفهم والتعامل مع البشر بتحدّي وندّية واردة جداً فى فترة لاحقة..
الطفل البشري يبدأ بالتعرف على نفسه بالنظر فى المرآة ، وإدراك هويته بعد سنتين من مجيئه للدنيا .. أي اننا بصدد نموذج أوّلي من روبوت استطاع التعرف على نفسه فى فترة زمنية أقل من البشر..
هل مازالت تتعامل مع هذا السبب باستخفاف ؟! ..
جامعة كامبريدج .. ودراسات جادة لإحتمال " ثورة الروبوتات "
منذ الثمانينيات من القرن الماضي ، بدأت جامعة كامبريدج العريقة أبحاثها حول إحتمالية سيطرة الآلات والروبوتات على حياتنا يوماً من الأيام ، وإنقلابها على البشر من خلال مركزها لدراسات مخاطر الإنقراض ، الذي تأسس على يد مجموعة من اعظم علماءها وخبراءها..
المركز وظيفته باختصار هو دراسة المخاطر التى تواجه البشر فى ظل السرعة الهائلة فى تطوير الآليات وبرامج الذكاء الصناعي ، وعلوم التكنولوجيا الحيوية ، وعلوم الروبوتات الحيوية ، والنانو تكنولوجي وغيرها..
جميل ان تقرأ مقالا كهذا فى موقعنا ، يتنبأ بثورة الروبوتات .. ولك الحق فى أخذه بمحمل الجدية ، او الاستخفاف به – على الرغم من كل هذه الحقائق التى تم ذكرناها -..
ولكن .. عندما تعرف ان علماء وخبراء كامبريدج لديهم قلق حقيقي من هذا التصور ، وأنهم يدرسون ليل نهار إمكانية قدوم اللحظة التى تصل فيها الروبوتات إلى مرحلة متقدمة جداً ، وتنقلب على بنى البشر..