على الضفة الجنوبية لمضيق هرمز الاستراتيجي، يعتاش سكان قرية عمانية ضائعة بين جبال صخرية تلامس البحر، من صيد السمك، ويتكلمون لغة فريدة مهددة بالاندثار ويبغ عددهم 4 آلاف نسمة تقريباً.

ولا يبدو أن سكان قرية "كمزار" يكترثون كثيرا للتوتر الجيوسياسي الشديد الذي يحيط بهم، فهم يعيشون بهدوء على شاطئ المضيق؛ الذي يمر من خلاله أكثر من ثلث النفط العالمي المنقول بحرا، والذي يشكل رمز المواجهة المحتدمة بين إيران والولايات المتحدة.



وتبدو منازل القرية مبعثرة بين الجبال الجرداء القاحلة؛ التي تمتزج بزرقة مياه الخليج الزمردية، ولا يمكن الوصول إليها إلا بالقوارب عبر هذه المياه؛ التي تسرح فيها الدلافين طليقة.

ويتكلم سكان هذه القرية، البالغ عددهم أربعة آلاف نسمة، لغة فريدة من نوعها ؛ وهي مزيج بين اللغات الهندية والفارسية والعربية والبرتغالية والبلوشية والانجليزية ، وتعرف هذه اللغة بـ"الكمازرية"، وتعد من مخلفات مرور البحارة البرتغاليين في هذه البقاع في القرنين الخامس عشر والسادس عشر.



وطوال قرون من الزمن، كان "الكمازرة" في الصفوف الأمامية للأحداث التاريخية؛ إذ شاركوا في جيوش إمبراطوريات كبرى، كما ساعدوا -بحسب بعض المؤرخين- في السيطرة على مناطق حيوية للتجارة البحرية.



في عام 2007 وحتى عام 2009 قدم إلى كمزار فريق من المستشرقين والباحثين من كندا وهولندا الذين عاشوا وسط القرية وكأنهم منهم، وأوهمو سكان القبيلة أنهم اعتنقوا الديانة الاسلامية و أنهم سيتخذون من كمزار موطن جديد يضمهم ، ولكن في الحقيقة كان الهدف من قدومهم هو توثيق اللغة الغريبة ودراسة قبائل الكمزارية و تدوين بحوث عديده عنهم ، وكان أفضل طريقة هي أن تتعامل معهم كأنك منهم لتحصل على كل المعلومات.

وفي أحد الليالي غادر الباحثين القرية بلا علم أحجد واتجهوا الى أمستردام وعرضوا بحوثهم عن كمزار هناك ، وعن ذلك يقول الباحث الكندي في اللغات أريك أنونبي؛ والذي كان أحد الباحثين "هناك الكثير من الكلمات العربية والفارسية" في هذه اللغة، فمثلاً حين يدق أحد الضيوف أبواب المنزل تقول صاحبته " من اند الباب أوبن ده دور" أي ما معناه " من عند الباب ، وافتح الباب ".

وأخذ أونبي على عاتقه مهمة إنقاذ هذه اللغة "المهددة بالاندثار" على حد قوله، مع شريكته الباحثة الهولندية كريستينا فان دير فال.

وعمل الاثنان معا على وضع معجم للغة الكمزارية، وركز أونبي على ناحية اللفظ، بينما ركزت شريكته على قواعد اللغة؛ التي يتم تناقلها عبر الأجيال شفهيا فقط.



وتقول فان دير فال: "إن هذه اللغة ستضيع إذا لم يقم أحد بشيء لإنقاذها.. هناك الكثير من الكلمات العربية والفارسية في هذه اللغة، لكن هناك كلمات ابتكرها الكمازرة بأنفسهم ".

وللوهلة الأولى تبدو كمزار منقطعة عن الحضارة، إلا أنه منذ عقد بات سكانها يحظون بشبكة كهرباء وإمدادات مياه جارية، فيما قامت السلطات العمانية بإنشاء مستشفى ومهبط للمروحيات فيها.

كما أن السكان باتوا متصلين بشبكة الإنترنت، ويتابعون القنوات الفضائية عبر اللواقط الهوائية.

وكل هذه العوامل تساهم في تعزيز انفتاح الكمازرة على العالم، إلا أنها تؤدي -في الوقت نفسه- إلى اندثار لغتهم الفريدة التي استمرت عبر القرون بفضل العزلة.

وتوضح فان دير فال "أن الأطفال يدرسون اللغة العربية في المدرسة، ويجيدون الكمزارية أقل من آبائهم وأجدادهم".

إلا أن المراهقين والشباب في القرية ينظرون إلى الإنترنت والتلفزيون كنعمة وليس كنقمة.

وعلى الرغم من العادات الإسلامية المحافظة للكمازرة، إلا أنهم باتوا يرسلون أبناءهم وبناتهم إلى جامعات مسقط لمتابعة الدروس، كما أن بعض شباب وشابات القرية يتابعون دراسات جامعية في الخارج.

ويشار إلى أن الكمازرة لديهم عاداتهم وتقاليدهم المتعصبة نوعاً ما الى أنها باتت منفتحة منذ سنين ليست بطويلة ، حيث لم يكن يتزوج الكمازرة إلا من أنفسهم حتى انتشرت الأمراض بحسب قول أحد المؤرخين فأخذوا يتزوجون من الخارج ليتزايد ععدهم ويصل الى 4 آلاف بعد أن كان ألف نسمة .

ويمضي الكمازرة فصل الصيف الحار في مدينة خصب، وهي المركز الرئيس لشبه جزيرة مسندم العمانية؛ التي تفصل أراضي إماراتية بينها وبين بقية أراضي سلطنة عمان.

ويشارك الكمازرة في جمع الرطب من أشجار النخيل في خصب، وفي باقي الفصول يمكثون في كمزار حيث يعتاشون من الصيد.

ويصادف صيادو كمزار بشكل متكرر في البحر السفن الحربية الأمريكية والطرادات العسكرية الإيرانية والعمانية.

وتفصل مسافة ليست ببعيدة بين كمزار والجزر الإيرانية في الناحية الشمالية من مضيق هرمز، وهي جزر أقامت فيها طهران قواعد عسكرية هامة.

كما أن السلطات العمانية أقامت قاعدة عسكرية على جزيرة تبعد مسافة قصيرة عن شواطئ كمزار.

وعلى الرغم من التهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز، لا يبدو سكان كمزار قلقين إزاء كل هذا التوتر من حولهم.