تعرف شبكة السكك الحديدية اليابانية عبر العالم بتفوقها والتزامها بالمواعيد، وفي العاصمة طوكيو، يستخدم ما يقارب 40 مليون راكب وسائل النقل الجماعي بشكل يومي، وهو عدد يفوق بشكل كبير وسائط النقل المتوفرة مثل القطارات والحافلات وسيارات الأجرة، ومن بين هذا العدد، فإن 22٪ أو 8.7 مليون يستخدمون المترو.
شبكة مترو طوكيو هي أعجوبة للنقل العام، فمعظم القطارات تأتي كل 5 دقائق وخلال أوقات الذروة، تتوفر كل دقيقتين إلى 3 دقائق، ويسير حوالي 24 قطارا في الساعة في اتجاه واحد، ولكن على الرغم من توفر العديد من قطارات المترو تجدها مكتظة للغاية، وخصوصا خلال ساعات الذروة.
حالة الازدحام الشديد والمستمر عبر السنين، أدى إلى ظهور مهنة جديدة تسمى " أوشيفا Oshiya " وتعني الدفع، حيث يعمل عدد من الموظفين على دفع المسافرين بكل قوة لإدخالهم في القطارات المكتظة ساعة الذروة.
فبهدف نقل عدد أكبر مما تتحمله عربات المترو، تعتمد المحطات على موظفين يرتدون الزي العسكري مهمتهم هي دفع أكبر عدد ممكن من المسافرين إلى القطار والعمل على غلق الأبواب.
عندما تم جلب موظفي "الدفع" في محطة شينجوكو طوكيو، كان يطلق عليهم اسم "مرتبي الركاب"، وكان معظمهم من الطلاب العاملين بدوام جزئي. ولكن في الوقت الحاضر، لا يوجد موظفين مخصصين للدفع، بل يهتم موظفي المحطة الدائمين والعاملين بدوام جزئي بأداء هذا الدور خلال ساعات الذروة.
ظاهرة موظفي الدفع، في الواقع لم تبدأ في اليابان، بل أنها اختراع أميركي، نشأ في مدينة نيويورك، قبل قرن من الزمان تقريبا. لم تكن مهنة محبوبة جدا لأنها تعتمد على العنف في دفع الركاب، وكان موظفي الدفع يلقبون بـ "معبئي أسماك السردين" وكانت طريقتهم العنيفة والوحشية في الدفع محل نقاش في الجرائد اليومية.
مع مرور الزمن وتطوير الأبواب الأوتوماتيكية، أصبحت مهنة "الدفع" في محطات المترو موضة قديمة، وفقد "معبئي السردين" مهنتهم في العشرينات، وظهرت في هذه الفترة العديد من الأفلام الأميركية التي تدور قصصها حول هذه المهنة، منها فيلم Subway Sadie (1926), Wolf’s Clothing (1927), The Big Noise (1928), Love Over Night (1928) وغيرها الكثير.
في طوكيو تستمر هذه المهنة ليومنا هذا ولكن كما سلفنا الذكر لا تخصص لها موظفين معينين ولكن يهتم بعملية دفع المسافرين، موظفو المحطة.
في عام 2012، التقط المصور ميشيل وولف المقيم في طوكيو مجموعة من الصور أطلق عليها اسم "ضغط طوكيو" يظهر فيها المسافرون وهم مضغوطين داخل قطارات المترو وتلتصق وجوههم في النوافذ والأبواب ومتجمدين في وضعية واحدة بحيث لا يمكنهم الحركة بسبب التدافع،
ويعاني قصار القامة من الاختناق بسبب التصاق وجوههم بمعاطف المسافرين الآخرين، أما النزول في المحطة الصحيحة فهي معاناة أخرى تتطلب الكثير من القوة والعزم. كما أن ظاهرة الازدحام هذه جعلت من قطارات المترو أرضا خصبة للسارقين والمتهورين.