لأننا في دبي، حيث خلايا النحل تبني صروح الحضارة، وحيث الدوائر الرسمية والمعرفية بصدد تبني مشروع «استئناف الحضارة» استشرافاً لمستقبل أجمل، وعودة بهذه الأمة إلى سابق ازدهارها، ولأن من بؤر ازدهارها تلك الحقبة الأندلسية العظيمة، التي قدمت للعالم أنموذجاً حضارياً فخماً في قرطبة وغرناطة وإشبيلية وطليطلة وغيرها من فجاج شبه جزيرة أيبيريا «إسبانيا والبرتغال» بعد أن فتحها الأمويون عام 711م، بدخول القائد الشهير طارق بن زياد الذي ضمّها للخلافة الأموية واستمر وجود المسلمين فيها زهاء الثمانية قرون حتى سقوط مملكة غرناطة عام 1492م.
ولأننا من جانب آخر ننفعل بحدث تأسيس جمعية عالمية لفنون الموشحات التي كانت من أهم أيقونات الأندلس النادرة.. لذلك كله جاءت فكرة هذا الملف الخاص.
وسنبدأ فوراً بالقول إنه ورغم صراحة اللفظ الدال على المعنى«الموشحات الأندلسية» بما يفيد أنها أعمال فنية خضعت للتزيين والتزويق، ونسجت عليها الأوشحة الموشاة، الأمر الذي تجسده: صناعة النظم، من تقابل وتناظر واستعراض أوزان وقوافٍ جديدة استحدثها الموشح، إلا أن هذا الفن، رغم ذلك، لاقى كثيراً من التأويلات واللغط حول أصله وفصله، كالعادة في حال الظواهر العاصفة والمبهرة،إذ يعتقد كثيرون أن كلمة «موشحة» تعود إلى اللفظة السريانية «موشحتا» بمعنى «إيقاع» أو «ترتيلة من المزامير»، والبعض الآخر يزعم أن الموشحات إنما ظهرت في المشرق العربي في الأصل متأثرة بالموسيقى الكنسية السريانية. واليوم فإن ثمة توجهاً قوياً نحو تبني قناعة مشتركة، سيجري تعميمها من خلال الجمعية الوليدة، مفادها أن الموشح ليس فناً خاصاً بحقبة الأندلس العربية، وإنما ثمة موشحات في كل مكان من العالم، يمكن ان تكون سابقة أو تالية لتجربة الأندلس ويمكن ألا تكون على تماس معها.
ومهما يكن فإننا في هذا الملف سنركز على فن الموشح بالصيغة الأندلسية وكمنجز عربي أندلسي، حيث يرتكز المفهوم على شعبتين أساسيتين هما: الفن الشعري ذو الخصوصية البنيوية، والشكل الموسيقي الذي له فرادته، وارتباط هاتين الشعبتين بفن الاستعراض والأداء الجماعي بما ينتج منجزاً إبداعياً متكاملاً لا يقل شأناً عن الأوبرا.
فعلى صعيد القصيدة الموشحة نجد أنها: فن شعري، يختلف عن ضروب الشعر الغنائي العربي في أمور عدة، وذلك لالتزامه قواعد مغايرة في التقنية «مجزوءات البحور ولزوم ما لا يلزم»، وباستعماله اللغة الدارجة أحياناً، ثم باتصاله القوي بالغناء. ومن الملفت أن المصادر التي تناولت تاريخ الأدب العربي لم تقدم تعريفاً شاملاً للموشح، واكتفت بالإشارة إليه على نحو عابر، وبالتالي فإن الشعر«الموشح كلام منظوم على وزن مخصوص».
وأما على مستوى الموسيقى فالموشح: يضم عادة ثلاثة أقسام، دورين وخانة، كل منها بلحن مختلف، والختام بالخانة الأخيرة غالباً ما يكون قمة اللحن من حيث الاتساع والتنويع، مثلما في موشح لما بدا يتثنى، وقد لا تختلف الخانة الأخيرة ويظل اللحن نفسه في جميع مقاطعه كما في موشح يا شادي الألحان، وقد تتعدد أجزاء الموشح لتضم أكثر من مقطع لكل منها شكل وترتيب وتتخذ تسميات مثل المذهب، الغصن، البيت، البدن، القفل، الخرجة. كما أن هناك تقسيمات لأنواع الموشحات حسب تعدد إيقاعاتها وأزمنتها: الكــار إيقاعٍ كبيــــر، والكــار الناطق إيقاع متوسط، والنقــش 3 - 5 إيقاعات.. الخ
وهكذا نكتشف أننا بصدد نموذج فني متكامل وخاص من حيث بنيته اللحنية والشعرية، ويمكن أن يضاف إلى ذلك أن الغزل هو الغرض الأهم والأبرز للأغنية الموشحة.
الراجح أن مخترع الموشحات في الأندلس كان شاعراً من شعراء فترة الأمير عبد الله اسمه مقدم بن معافى القبّري.
إذ يقول ابن خلدون «أول من اخترع الموشحات في الأندلس» مقدم بن معافى القبّري، من شعراء الأمير عبد الله بن محمد المرواني، وأخذ عنه أبو عمر أحمد بن عبد ربه صاحب كتاب العقد الفريد. ثم برع في الموشحات عبادة بن ماء السماء المتوفى في عام 522هـ، وهو إمام الوشاحين الذي استطاع أن ينشر الموشحات في الأندلس، ثم تلاه مجموعة من الوشاحين الأندلسيين، من أشهرهم: يحيى بن بقي، والأعمى التطيلي، وأبو بكر بن زهر، وأبو بكر بن باجة، وابن سهل، ولسان الدين بن الخطيب.
ومن أشهر الموشحات الأندلسية التي انتهت إلينا تحفة لسان الدين بن الخطيب:
جادك الغيث إذا الغيث همى
يازمان الوصل في الأندلسِ
لم يكن وصلك إلا حُلما
في الكرى أو خُلسة المختلسِ
غير أن الأشهر منها موشحة الحصري القيرواني:
ياليلُ الصبُّ متى غده
أقيام الساعة موعدهُ؟
رقد السُّمَّارُ وأرّقهُ
أسفٌ للبين يردِّدُّهُ
نصبت عيناي له شركاً
في النوم فعزّ تصيدهُ
هذا مرتع خصب للأنس والجمال لا ينقضي، ولا تمله النفس، ولأنه فن أصيل، وله فلسفة ومنهاج وتاريخ عميق، فإننا نحتفي به هنا، في مناسبة تأسيس الجمعية العالمية للموشحات، أملاً في مزيد عناية ودراسة تجعل الموشحات جزءاً من ذوقنا ومذاقنا الفني، ولكن هل ثمة أهمية لإحياء الموشحات في الوقت الراهن.. أم أن ذاك فن كان مرتبطاً بمرحلة تاريخية معينة وانتهت، ثم كيف يمكننا إحياء هذا الفن وعلى أية صورة تستوعب معطيات الراهن، شعراً وموسيقى، وأنى لنا الترويج له عربياً وعالمياً؟..
وفي هذا السياق استنطقنا بعض المعنيين محلياً وعربياً فكان حصادنا التالي:
ميل النفوس
رئيس جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية الشاعر والإعلامي الإماراتي خالد الظنحاني يقول: إن الموشحات فن شعري مستحدث، يختلف عن ضروب الشعر الغنائي العربي المعروف، إذ يلتزم قواعد تقنية تبتعد في الغالب عن بحور الشعر الخليلية، وتمتزج فيه المفردات الفصيحة بالعامية، وتعود نشأته إلى القرن الثالث للهجرة وكان مقدم بن معافى أول ناظم للموشحات، حسب الروايات، في حين أن أول من صنع قواعده في الأندلس هو محمد بن محمود القبّري، ويأتي ظهور الموشحات لعوامل عديدة، منها، تأثر الشعراء العرب بالأغاني الإسبانية الشعبية المتحررة من الأوزان والقوافي، إضافة إلى ميل النفوس للرقة والدعابة في الكلام والسهولة التي تكتنف الموشحات في الغناء والتلحين، فضلاً عن ذلك، فإن الأنماط التقليدية للقصيدة جعلت الأندلسيين يشعرون بالملل وهو ما أحدث خروجاً على التقليد من حيث الشكل والمضمون أيضاً، فقد استخدموا الألفاظ العامية في القصيدة.
ويرى الظنحاني أن أهمية فن الموشحات تأتي من كونه فناً أندلسياً عربياً خالصاً، وهو من أروع الفنون التي خلفها الأندلسيون كتراث أدبي عريق يفخر به العرب والمسلمون. الأمر الذي جعله يزداد تألقاً مع الأيام، حيث تأثر به العالم العربي وغير العربي أيضاً، إذ ظهرت على غرارها موشحات بلغات أخرى، لكنه في هذا الزمان قل وهجه وخفت صيته، لأسباب معلومة وأخرى مجهولة، وهو أمر لا يسر بطبيعة الحال، فنحن أهل ثقافة وأدب ويعز علينا أن يؤول حال هذا الفن الجميل إلى هذا المآل، وبالتالي ندعو المؤسسات الثقافية إلى إعادة الوهج له، من خلال إقامة الملتقيات والمهرجانات التي تحتفي به، فضلاً عن تنظيم ورش عمل ودورات تعليمية تعرّف به وتكرس وجوده في المشهد الثقافي العربي وفي وجدان الناس، وأنا بدوري سأعمل على ذلك من خلال جمعية الفجيرة الاجتماعية الثقافية، وغيرها من المؤسسات التي أشرف عليها.
الفن الأصيل
وعن تأسيس الجمعية العالمية للموشحات في المملكة المغربية قال الظنحاني: إن ذلك مدعاة للفخر، فهو يعكس حصر القائمين عليها في الحفاظ على هذا الكنز التراثي العربي الإسلامي، وهي كما تبين لي أنها الأولى من نوعها على مستوى العالم التي تتخصص في فن الموشحات بأنواعها كافة، وبالطبع فهي تهدف إلى الاحتفاء بقيم التسامح والمحبة والاعتدال والأفكار الإيجابية، كما تسعى بالتأكيد للحفاظ على الذاكرة التاريخية والحضارية لهذا الفن وصيانتها واستثمارها الاستثمار الأمثل الذي يؤسس لثقافة فنية عربية إسلامية مستدامة، وأظن أنه لو وضعت دولة الإمارات ثقلها الثقافي في هذه الجمعية لسوف تحدث فرقاً ثقافياً وفنياً في أنشطتها لتصل دول العالم كافة، وبالتالي ينتشر هذا الفن الأصيل، أتمنى أن يكون هناك تعاون مثمر بين مؤسساتنا الثقافية وهذه الجمعية لتعم الفائدة على الجميع.
معمارها جديد
يرى الشاعر والباحث د. نزار أبو ناصر أن الموشحات الأندلسية هي إحدى ظواهر التجديد الفني الأصيل في الشعر العربي ولا سيما في شكلانية القصيدة العربية، فقد نبعت تلقائيا من التقدم الحضاري الشامل الذي تحقق في الحقب الأندلسية المتعاقبة، ولعل اهم مظهر فني حداثي في شكل القصيدة العربية هو معمارها الجديد الذي تخلى عن القافية الواحدة ليستخدم تعدد القوافي في عدد معين من الأسطر يلتزم فيها الشاعر، وقد اطلقوا على ملامح بنية القصيدة مجموعة من المفاهيم الهندسية المتعلقة بالايقاع مثل الخرجة والقفل والغصن، والجميل ان الموسيقيين استثمروا ذلك في قضية الألحان وتنوعها فظهرت اشكال متعددة مثل المواليا والكان كان وازدهار الدوبيت، وانتشر ذلك في الأقطار العربية حتى سمي في العراق مثلا الابوذية وفي الشام العتابا والميجنا، فهو تطور شكلي في البنية متبوع بتطور موسيقي، وتمتاز الموشحات بروحها العربية الطربية الشجية التي يتمايل على انغامها المستمعون، وكانت القفزة النوعية التي حدثت بوصول الموسيقي المتفرد «زرياب» إلى الأندلس وإحداثه لهذه الثورة في الأداة الموسيقية الرئيسية «العود» بإضافة الريشة «المضراب» والوتر الخامس والروح الشرقية الإيقاعية الشجنية الغنائية على الموسيقى الإنشادية التي كانت مزدهرة في الأندلس، أحدث في الموسيقى هذا الشكل الطربي المحبب المرغوب والذي تتلهف الأذن على سماعه، ولا ننسى فضل ابن باجه في تقنين الأشكال الموسيقية وسكبها في قوالبها المنظمة لتفرعاتها وتجلياتها، وكان بالأساس اعتماد الموشح الفصيح على الغناء القشتالي أو الرومي والاستعانة به بالقفلات.
وتابع: ومن المعلوم أن الكثير من الموشحات لا يستقيم الوزن فيها إلا باللحن، لذلك كانت ومازالت وليدة النغم هي والزجل العامي والذي اشتهر في الأندلس أيضاً، وربما لقالب النوبة الموسيقي والذي تم تطويره عن المشرق واعتماده على أسلوب الارتجال والمشافهة له أكبر الأثر في إحداث هذا التميز والاختلاف وباحتفاظه بالطبيعة الارتجالية ساهم في ضياع الكثير من النوبات إلا أن المتفق عليه ١١ نوبة في ٥ طبوع معرفة تم توثيقها كقوالب غنائية تختص بها الموشحات المغاربية بالذات.
صوت الحكمة
وأكد أبو ناصر أن على الموسيقيين والشعراء العرب إحياءها بصورة ما، على نحو تأسيس هذه الجمعية العالمية في المغرب.. فالموشحات لم تعد تراثاً اندلسياً عربياً محصوراً، بل هي في متناول الذائقة الغربية وخصوصاً في اسبانيا والبرتغال حيث الأجداد المؤسسون ورائحة الطبيعة الملهمة، فالموشحات لها تأثير كبير في شعراء التروبادور في اسبانيا وجاراتها، فمن الأجدر تأسيس برنامج عربي كبير لنشر ثقافة الموشحات في دول الخليج العربي ولا سيما دولة الإمارات، حيث تتوهج ملامح الثقافة العربية بصورة ساطعة، واختتم أبو ناصر مشاركته قائلاً: لا أجمل من صوت الحكمة الرقيق الذي ينفث في الروح من زوايا الكلمة العابقة واللحن الشجي، يقول الأندلسي ابن زمرك:
لو ترجع الأيام بعد الذهاب
لم تقدح الأيام ذكرى حبيبْ
وكل من نام بليل الشباب
يوقظه الدهـر بصبـح المشيب
جذور ضاربة
ومن مصر د. عبد الرحيم الجمل، أستاذ الأدب الأندلسي بكلية دار العلوم جامعة الفيوم بمصر، وصاحب المؤلفات العديدة التي تناولت فن الموشحات الأندلسية، يؤكد في البداية أن فن الموشح الأندلسي من أهم الألوان الفنية الأصيلة الضاربة الجذور في ذاكرتنا الفنية، لذلك فيجب إعادة الاهتمام والروح له، والبحث عن الوسائل التي ترسخه لتعريف الأجيال الجديدة به، خصوصاً أنه من الألوان الفنية شديدة الخصوصية.
ويرى الجمل أن الموشحات مازالت موجودة ولها ازدهار في بعض الدول العربية إلى اليوم، فمازال الموشح يقدم حتى الآن بشكل واضح من قبل فرق الموسيقى العربية، بالإضافة إلى أن بعض المقاطع من الموشحات الأندلسية مازالت تدخل في الأغنية العربية الرصينة، وبشكل خاص التي تقدم في البلاد العربية والخليجية، مضيفاً أن الشعراء أيضاً يستعينون بالموشح في بعض المواضيع ضمن قصائدهم الحديثة، وكذلك المطربون وعلى رأسهم فيروز، فلو عدنا لنصوص أغنياتها لوجدنا الموشحات الأندلسية حاضرة بقوة في قصائدها.
ويرجع أستاذ الأدب الأندلسي ذلك الحضور للموشح حتى وقتنا الراهن، إلى ما يملكه هذا الفن من خصوصية ومميزات، ومنها نصوصه السهلة الميسرة التي مازال يفهمها المتلقي العربي اليوم بسهولة كما فهمها المتلقي العربي بالأمس، رغم أن الموشح فيه ألفاظ أعجمية وغيرها، ولكنها في النهاية ألفاظ عربية، هذا بالإضافة إلى أن الموشح يمنح الموسيقيين نغماً وموسيقى في غاية الروعة، باعتبار أن لغة الموشح في حد ذاتها بمثابة نغمة موسيقية.
ولفت الجمل أنه يكفي للاهتمام مجدداً بالموشحات والعودة إليها، شعراً وغناءً، هو ما تشيعه في النفس من الطرب الأصيل المتجدد والراقي ومن الاعتزاز بصفحة مجيدة من التراث.. فضلا عن أنه من شأن الاهتمام بالموشحات التغلب على مشكلة نصوص الأغاني، بعد أن أضرت النصوص الهابطة إضراراً شديداً بالأغنية العربية.
وبسؤاله عن كيفية إحياء فن الموشحات الأندلسية، قال: لا أسميها إحياء لأن الموشحات لم تمت بل مازالت حاضرة تملك كل مقومات البقاء والاستمرار، فالجمهور، مازال يتفاعل مع هذا اللون الطربي الخاص بشكل كبير، ما يؤكد أصالة هذا اللون وارتباطه بالوجدان العام، ولكن ينقص فقط اظهار اهتمام أكبر بالموشحات لاستعادة مكانتها البارزة سواء في حركة الغناء أو في المشهد الإبداعي الثقافي العربي، بالإضافة إلى توفر ملحنين ومغنين ذوي شأن لغناء وتلحين الموشحات.
وفي هذا السياق، يطالب أستاذ الأدب الأندلسي القائمين على الفضائيات والإذاعات العربية بالتوسع في بث الموشح، وتحديد مساحة زمنية أفضل للموشحات، كون ذلك سيؤدي إلى طرد النغمة الرديئة أو اللغة الرديئة التي باتت مسيطرة على الساحة الثقافية والغنائية حالياً، كما طالب القائمين على الإعلام العربي بتوجيه اهتمام أكبر للحديث عن فن الموشحات الأندلسية ومميزاته وخصائصه الفريدة من خلال المختصين والمتحمسين له، خاصة وأن هناك الكثير من الموشحات في البلدان العربية متأثرة بالموشح الأندلسي، باعتباره من الفنون الخالدة.
النفخ في الماضي
ومن وجهة نظر أخرى، يرى الناقد د. صلاح فضل أستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن، وصاحب العلاقة الوثيقة بالثقافة الإسبانية التي تشكلت عبر فترة البعثة التي قضاها في بلاد الأندلس، أن كلمة الموشحات تطلق على منظومات يتم غناؤها وإنشادها في قوالب موسيقية معينة، وهذه القوالب مازال الموسيقيون العرب يجيدون استخدامها بشكل كبير.
أما الموشحات كجنس أدبي - والكلام لفضل صاحب كتاب طراز التوشيح الذي يبحر في إبداعات الموشحات الأندلسية - فكانت مرحلة من مراحل تطوير القصيدة العربية، تم فيها الاعتماد على قالب معين لا يلتزم بالقافية، أو أنه يتم إرجاعها إلى نظام خاص تتعدد فيه القوافي وتتنوع الأوزان، وله نفس تقاليد الموشحات.
ويختلف د. صلاح فضل مع رأي د. عبدالرحيم الجمل في شأن أهمية إحياء فن الموشحات، موضحاً أنه لا جدوى من النفخ في الماضي، حيث يرى أن فن الموشحات الأندلسية لا يمكن بعثه حرفياً مرة أخرى، لأنه أدى دوره التاريخي وكان مرتبطاً بمرحلة معينة وانتهت.
وبالرغم من ذلك، يرى فضل أنه يمكن الحديث عن الإفادة من فن الموشحات الأندلسية في إنشاء الرباعيات وتلوين الأوزان وتنوعها وابتكار نظم كثيرة، تجعل المستمع يتوقع أطوال القصائد وأشكالها المختلفة. معنى ذلك، والكلام لأستاذ النقد الأدبي والأدب المقارن، أن المرونة في بنية الموشحة باتت هي الميراث الذي ورثته القصيدة من عصر الموشحات وإن كانت قصيدة النشر في الوقت الراهن قد نسفت كل هذا الموروث.
الشعر تجاوز الموشحات
وفي رأي الناقد والمترجم والشاعر رفعت سلام فإن فن الموشحات، مر عليه الزمان، وقد تجاوزه المشهد الابداعي العربي بمراحل، وبشكل خاص على مستوى الشعر، وبالتالي لا جدوى لإحيائه من جديد.
وأوضح أن الشعر العربي ابتداءً من الخمسينيات تجاوز القصيدة التقليدية بكل تنويعاتها بما فيها الموشح الأندلسي... تجاوزها إلى قصيدة التفعيلة التي تعتمد وحدة للوزن الموسيقى، مع عدم الالتزام بعدد ثابت للتفعيلات ولا الالتزام بقافية موحدة، وبالتالي خرج الشعر العربي من بؤرة التقليد متجاوزاً كل هذه الأشكال القديمة.
والآن، والكلام للشاعر رفعت سلام، تم تجاوز قصيدة التفعيلة إلى قصيدة النثر، المهيمنة الآن على القصيدة العربية، فيما بات فن الموشحات من الماضي، كغيره من الأشكال الفنية الابداعية التي لها تاريخها وتجاوزها حركة الإبداع.
6 أجزاء
يشير الشاعر خالد الظنحاني إلى أن الموشح يتكون من ستة أجزاء، الأول، المطلع والمذهب واللازمة وهو القفل الأول من الموشحات، وقد يحذف من الموشح ويسمى عند ذلك بالأقرع، ثانيها، القفل وهو الجزء المؤلف الذي يجب أن يكون متفقاً مع بقية الأقفال في الأوزان والقوافي، وثالثها، الدور ويتكون من البيت والقفل الذي يليه، ورابعها، السمط وهو كل جزء أو شطر من أشطر البيت، خامس هذه الأجزاء، الغصن وهو كل جزء أو شطر من أشطر القفل، وسادسها، الخرجة أي القفل الأخير من الموشح.