أنجانا أهوجا

  ردود الفعل تسببت في تراجع أسهم شركات الأدوية واللقاحات.

تساور مخاوف كبيرة بين عدد كبير من العلماء والباحثين من تولي روبرت ف. كينيدي جونيور منصباً رفيعاً في قطاع الصحة بإدارة ترامب، فلطالما تبنّى كينيدي مجموعةً من الآراء الغريبة خاصة تلك المرتبطة بنظريات المؤامرة، ومنها على سبيل المثال أن اللقاحات تُسبب التوحد، وأن فيروس «كوفيد 19» كان مُدبراً لاستهداف أعراقٍ دون غيرها، وأن الهيئات الحكومية الأمريكية تُقمع العلاجات التي لا تخضع لبراءات الاختراع.

إن ترشيح كينيدي لمنصب وزير الصحة والخدمات الإنسانية يُنظر إليه على أنه مكافأة من ترامب لكينيدي على انسحابه من السباق الرئاسي. وقد أثار هذا القرار استياء مسؤولي الصحة العامة، كما تراجعت أسهم شركات الأدوية واللقاحات كرد فعلٍ عليه.

ويُجسّد ترشيح كينيدي، في نظر البعض، ازدراء من ترامب للآراء العلمية والصحية التي تحظى بإجماع كبير، خاصةً تلك التي تُخالف خططه لإلغاء القيود التنظيمية.

كما هدد الرئيس المُنتخب بإجراء «تطهير» للقطاع، بإشراف من إيلون ماسك، خاصة في الوكالات الفيدرالية مثل مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وإدارة الغذاء والدواء، ووكالة حماية البيئة، والإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي.

وسواء تعلق الأمر بتطوير الأدوية الجديدة، أو الوقاية من الأمراض، أو التنبؤ بالأعاصير، تمثل هذه الوكالات خط المواجهة الأول للعلوم الأمريكية، لكنها تعرضت لهجوم من ترامب وحلفائه باعتبارها معيبة أو متحيزة أو متشعبة أو معادية للأعمال التجارية. ويريد الرئيس المنتخب أن تخضع هذه الوكالات لأهوائه.

ويتضح ذلك من اشتباكه علناً مع الإدارة الوطنية لدراسة المحيطات والغلاف الجوي بشأن مسار الأعاصير، وخلافاته مع مدير المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية أنتوني فاوتشي بشأن كوفيد.

ويتعين على الباحثين حول العالم الآن التحلي بالكثير من الشجاعة والعزيمة في مواجهة ما يعتبر حرباً للجمهوريين على العلوم، وهو ما قد يؤدي إلى انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ ومنظمة الصحة العالمية. كما أنه الوقت المناسب للعلماء للنظر في كيفية بناء علاقات بناءة مع السياسيين والناخبين الذين يعادونهم.

ويبدو الدور المقترح لكينيدي في قيادة الصحة العامة غريباً، ويتبين ذلك من الانتقادات التي نشرها المحامي البيئي السابق على منصة إكس الشهر الماضي، حيث اتهم كينيدي إدارة الغذاء والدواء، التي ستقع تحت مسؤوليته، بالفساد وبـ«قمع الأدوية النفسية، والخلايا الجذعية، والحليب الخام.

والعلاجات بالأوكسجين عالي الضغط، والمركبات المخلبية، والفيتامينات، والأغذية النظيفة، وأشعة الشمس، والتمارين الرياضية، والمكملات الغذائية، وأي شيء آخر لا يمكن لشركات الأدوية تسجيل براءة اختراعه».

كما تساءل كينيدي عما إذا كان فيروس نقص المناعة البشرية يتسبب في الإيدز، وكرر الادعاءات التي أُثبت زيفها بأن لقاحات الأطفال قد تكون مرتبطة بالتوحد، كما كرر مراراً أن اللقاحات لا تخضع لاختبارات كافية.

بالإضافة إلى ذلك، فقد شن حملات لإزالة الفلورايد من المياه، وهو إجراء قديم يساعد في الوقاية من تسوس الأسنان. ورغم وجود نقاش مستمر حول مستويات الفلورايد المناسبة -خاصة بالنظر إلى وجوده في معجون الأسنان وإجراء أبحاث حول احتمال وجود صلة بين مستويات الفلورايد العالية والسمية العصبية- فإن الإجماع العلمي يرى أن المستويات المنخفضة الحالية تفيد أكثر مما تضر.

وبينما يتفق كينيدي مع بعض الخبراء في الصحة العامة بشأن الضرر الذي تسببه الأطعمة فائقة المعالجة والتي يحملها مسؤولية تفشي السمنة، فإن حلوله التي تفتقر إلى الأدلة، مثل مهاجمة زيوت البذور، تتركه وحيداً.

إذاً، كيف وصلنا إلى هذه النقطة؟ ففي عالم يتفق فيه قلة على الحقائق، وحيث «الحقيقة» تعتمد أحيانا على الولاءات العشائرية، لم تعد الخبرة مهمة. وقد كتب جوناثان بيرمان، وهو عالم في معهد نيويورك للتكنولوجيا ومؤلف كتاب «مناهضو اللقاحات» الصادر عام 2020.

مؤخراً أن «العداء تجاه الخبرة يصور الآن على أنه نوع من المقاومة الديمقراطية للسلطة». ومن الواضح أن رفض كينيدي للخبرات العلمية والطبية هو ما يروق لترامب.

إن هذا الأمر قد يندم عليه الرئيس المنتخب لاحقاً، رغم المتعة التي يوفرها للبعض برؤية دموع الليبراليين. ويمكن لترامب أن يعتبر عملية «السرعة القصوى» لإنتاج لقاحات كوفيد نجاحاً خلال ولايته الرئاسية الأولى. لكن لن يكون لذلك أي قيمة إذا شهدت ولايته الثانية عودة أمراض قديمة للظهور.

وكما علقت جلوريا بتلر، زعيمة الأقلية في مجلس شيوخ ولاية جورجيا، عن مرشح ترامب: «إذا كنت تحب الأسنان الفاسدة، وشلل الأطفال، والحصبة التي تنتشر كالنار في الهشيم بين أطفالنا، فإن روبرت ف. كينيدي جونيور هو الرجل المناسب». كذلك، هناك تناقضات داخلية يجب التعامل معها أيضاً تتمثل في أن موقف كينيدي المعادي لشركات الأدوية يتعارض مع حملة ترامب للحد من القيود التنظيمية.