روبرت أرمستروغ - إيدن ريتر
تبدو بعض اللحظات محفوفة بالريبة، خاصة عندما نكون في خضم أحداثها، لكن غالباً ما يكون ذلك وهماً.
ففي ظل العديد من الانتخابات وحربين، ومع تحول سياسات البنوك المركزية واقتراب الأسواق من نهاية موجة صعودية غير اعتيادية، قد تبدو نهاية عام 2024 محفوفة بالمخاطر بشكل خاص.
لكن الحديث عن أوجه عدم اليقين وتحديدها يذكرنا بأن المخاطر دائماً جزء لا يتجزأ من واقعنا، ولهذا، نشعر بقدرتنا على مواجهتها.
ما يلي تساؤلات ثلاثة كبرى يتم طرحها، وكذلك إجابات تخمينية لها. وقد تم اختيار كلمة «تخمينية» بأناة، فلم نكن لندرج السؤال في هذه القائمة لو كنا متيقنين من صحة الإجابة. وهناك سمة أخرى للسؤال، وهي الخصوصية الزمنية. فبطبيعة الحال، لدينا رغبة في معرفة ما سيكون عليه حال الناتج المحلي الإجمالي أو مؤشر أسعار المستهلكين بعد عام من اليوم، لكني دائماً ما نرغب في معرفة ذلك. وإليكم ما يشغل بالنا ونحن رقود ليلاً:
- السؤال الأول: هل هناك مستوى محدد لعوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات سيؤدي إلى انهيار أسواق الأسهم، وهل سنبلغه عما قريب؟ لا تحب الأسهم ارتفاع العوائد واستمرار صعودها بصفة عامة، لأن ذلك يمثل تشديداً للأوضاع المالية، وتتنافس هي مع الأسهم على تدفقات رؤوس الأموال.
ويبدي التاريخ الحديث العلاقة المتوترة بين عوائد سندات الخزانة لأجل 10 أعوام ومؤشر «إس آند بي 500»: ويتمثل تخميننا هنا في الإجابة بـ«نعم».
فالأسواق تتحسب لانخفاض العوائد، وتسجل الأسهم مستويات عالية الارتفاع لدرجة أن المستثمرين سيتطلعون إلى مبررات لتقليل المخاطر. وفي الوقت ذاته، لا يتراجع التضخم بصورة سلسة، ويبدو أن تعهدات الرئيس المنتخب دونالد ترامب، لن تسهم في انخفاضه.
كما لا يبدو انهيار الأسهم أمراً مرجحاً، إذ ما زال هناك الكثير من السيولة العالمية التي ستحول دون ذلك، لكن من الممكن أن تشهد أسواق الأسهم تصحيحاً كبيراً وربما يكون على شاكلة ذلك الذي حدث في عام 2018.
- السؤال الثاني، هل نحن بصدد دورة ائتمانية؟ وإذا كان الأمر كذلك، فما المرحلة التي نمر بها؟ تسجل الفروق بين سندات الشركات وسندات الخزانة مستويات ضيقة مثلما كانت دائماً. وفي الظروف الطبيعية، يتماشى هذا مع الانتعاش الذي يحدث في أواخر الدورة، ما يشي بأن الارتفاع سيكون الحركة التالية التي ستشهدها الفروق، وأن الوقت قد حان لتقليل المخاطر. لكن هذا يطرح سؤالاً آخر: هل ما زلنا في مرحلة تمهل ما بعد الجائحة؟ أم أنه تعافٍ حقيقي؟ الآراء بشأن هذا الأمر متباينة في وول ستريت.
أما عن تخمينا للإجابة فهو: كلا، فالدورات تبدأ وتنتهي بحالات ركود، وهي تعيد ضبط الأسواق بالإطاحة بالجهات المثقلة بالديون وإجبار السوق على إعادة تقييم المخاطر. لكن لم تشهد هذه المرة أي حالات ركود حقيقية، لأن السياسة المالية حالت دون وقوع ذلك. وستتطلب العودة بالاقتصاد إلى النمط الدوري، ركوداً آخر. وحتى حدوث ذلك، لن يكون التاريخ مفيداً في بيان الظروف الاقتصادية.
- السؤال الثالث: هل الذكاء الاصطناعي فقاعة؟ سيغير الذكاء الاصطناعي من واقع الكثير من الأمور. وهناك ثلة ضئيلة من الشركات التي تتمتع بالموارد الكافية للاستثمار في هذه التكنولوجيا. إذن، قد تكون هذه الشركات هي التي ستتمكن من تطوير منتجات ذكاء اصطناعي مربحة. وربما ستشهد غالبية الشركات تعزيزاً لإنتاجيتها بفضل أتمتة الذكاء الاصطناعي للأعمال التي يعرف عنها ارتباطها بوظائف الياقات البيضاء. وإن صح ذلك، فليس ثمة فقاعة، ولن يكون هناك انفجار.
وبالنسبة لتخميننا للإجابة فهو نعم، ثمة فقاعة ذكاء اصطناعي. وبالرغم من أن السكك الحديدية والإنترنت غيّرا من واقع كافة الأمور، لكن أول ظهور لهما كان عن طريق فقاعات تنفجر. علاوة على ذلك، فإن مزيج كون الذكاء الاصطناعي رائعاً ومهماً وأننا لا ندرك حقاً بعد كيف سيكون باعتباره قطاعاً، يجعل منه فقاعة مثالية.
وما زال هناك مجال فسيح لكي تستمر طفرة الذكاء الاصطناعي، لكن سيكون هناك وقت تنفجر فيه الفقاعة. ومع ذلك، ليس بإمكانك معرفة موعد حدوث ذلك. لذا، لا يمكن أن تستند رهاناتك في التداول على هذا. وربما ليس بإمكانك أن تكون بمعزل عن ذلك. لذا، يتعين على الجميع الاستعداد لأن الجميع سيتأثرون.
من ناحية أخرى، يشكل تقرير أرباح «إنفيديا» نهاية غير رسمية لموسم الأرباح الذي كان جيداً، إذ فاقت الشركات المدرجة في مؤشر «إس آند بي 500» توقعات الإيرادات والأرباح، كما هو معتاد. وبالرغم من قدر من التوترات المصاحبة للانتخابات والتقييمات المرتفعة، لكننا تفادينا وقوع اضطرابات في السوق.
وتشير حسابات البيانات التي أجراها جون باترز، نائب الرئيس وكبير محللي الأرباح بشركة «فاكتست»، إلى أن 75% من الشركات المدرجة في المؤشر فاقت التوقعات من حيث ربحية السهم، ما يقل طفيفاً عن المتوسط لخمسة أعوام البالغ 77%. لكن الأمور ليست بهذه الإيجابية على صعيد الإيرادات، إذ فاق 61% من الشركات التوقعات، مقابل متوسط خمسة أعوام بلغ 69%.
ويعكس هذا، إلى حد ما، توقعات مرتفعة للسوق. وتعد السوق مرتفعة للغاية وفق كافة المقاييس، ويرغب المستثمرون في رؤية الكثير الذي سيبرر هذه التقييمات، وسيكافئون الشركات التي تتمكن من تحقيق نتائج إيجابية، وسيعاقبون الشركات التي لن تتمكن من فعل ذلك.
وبحسب «فاكتست»، فقد بلغ متوسط ارتفاع أسعار أسهم الشركات التي فاقت التوقعات 1.5% قبل يومين من إعلان تقارير الأرباح ولمدة يومين بعد إعلانها. وسجل متوسط انخفاض سعر أسهم الشركات التي أعلنت نتائج سلبية نسبة مفاجئة قدرها 2.9%. وتعد النسبتان مرتفعتين قليلاً مقارنة بالمتوسط التاريخي.
وتعد شركة «تارغت» مثالاً واضحاً على ذلك. فقد أعلنت الشركة انخفاض مبيعاتها في المتاجر بنسبة 1.9%، ليهوي سعر أسهمها بنسبة 21%. وعلى النقيض، وفي الربع الأول من هذا العام، تراجعت مبيعاتها في المتاجر بمقدار 4.8% ولم ينخفض سهمها إلا بواقع 7% في غضون خمسة أيام.
وتعرضت أسهم كبرى شركات التكنولوجيا، المعروفة باسم «السبع الرائعة»، لديناميكيات مشابهة. وتخطت كل من «مايكروسوفت» و«أبل» و«ميتا» توقعات الأرباح والإيرادات، لكن انخفضت أسهمها مع ذلك. وبالنسبة لـ«مايكروسوفت» و«أبل»، فقد كان السبب يكمن في توجيهات مستقبلية مخيبة طفيفاً للآمال. أما «ميتا»، فكان السبب هو انخفاض نمو عدد المستخدمين.
كما تولي السوق اهتماماً خاصاً بالاستثمارات في الذكاء الاصطناعي، لكن المستثمرين يحتاجون إلى رؤية واضحة بشأن العوائد المستقبلية، وهم يصدرون أحكامهم بناء على ذلك. كما أعلنت «ميتا» و«أبل» و«مايكروسوفت» ارتفاع النفقات الرأسمالية، لكنها لم تعلن إيرادات كبيرة لتعكس استثماراتهم في مشروعات الذكاء الاصطناعي.
وفي المقابل، تتمتع كل من «غوغل» و«أمازون» بوضع أفضل في هذا الصدد، حيث ارتفعت أسهم الشركتين. لكن هناك أنباء سارة في خضم ذلك، تمثل في أن عوائد السوق لا تعتمد كثيراً على كبرى شركات التكنولوجيا. ولفت سكوت كرونرت، المدير الإداري في «سيتي»، إلى أنه في حين ما زالت تحقق أسهم «السبع الرائعة» نتائج مرتفعة، إلا أن بقية الشركات المدرجة في المؤشر تحقق قدراً من النمو. وبعد انخفاض نمو أرباحها طيلة عامين، تمكنت الشركات الـ493 الأخرى من تحقيق نمو إيجابي للأرباح المجمعة على مدى الربعين الماضيين. وإذا ما تطلعنا إلى المستقبل، لوجدنا أن التوقعات ما زالت مرتفعة.
ويتطلع المستثمرون إلى نمو ربحية الأسهم المدرجة في مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 11.5%، ونمواً بمقدار 10.9% في العام المقبل، و12.6% في عام 2026. أما من ناحيتنا، فنستبعد أن يكون النمو بهذه السلاسة.