جون ثورنهيل

في فعالية نظمتها «فايننشال تايمز» منذ سنوات، سُئل بيل غيتس، المؤسس المشارك لشركة «مايكروسوفت»، عن أهم الدروس التي تعلمها خلال رحلته في بناء الشركة. فجاءت إجابته لتدهش الحضور وقتها، ولا تزال تثير الاهتمام حتى اليوم.

قال غيتس إنه في شبابه، اعتقد أن الذكاء شيء ثابت، لكنه أدرك خطأه. كان هدفه يتركز على توظيف ألمع الأشخاص وتشكيل «هرم ذكاء» في الشركة، حيث يكون الأذكى هو القائد. فقد افترض غيتس أن لا أحد يرغب في العمل تحت إدارة شخص أقل ذكاءً منه.

لكن التجربة أثبتت خطأ هذا الاعتقاد. وقد اعترف غيتس قائلاً: «لم ينجح هذا الأمر طويلاً»، وأضاف: «عندما بلغت الخامسة والعشرين، أدركت أن الذكاء له أشكال متعددة».

على سبيل المثال، وكما أوضح غيتس، فإن الموظفين الذين يتعاملون مع المبيعات والإدارة بدوا أكثر ذكاء بطرق لم تكن متوافقة مع إنتاج برمجة جيدة أو التفوق في فهم المعادلات الفيزيائية.

ومنذ ذلك الحين، عملت «مايكروسوفت» على دمج مختلف أنواع الذكاء لخلق فرق تتمتع بالفعالية من جوانبه المختلفة. ويبدو أن هذا النهج أتى ثماره، إذ تتباهى الشركة اليوم بقيمة سوقية تتجاوز 3 تريليونات دولار أمريكي، وستحتفل بعيد ميلادها الخمسين في العام المقبل.

ربما تعلّم غيتس هذا الدرس مبكراً. لكن بينما يؤمن الكثير من نظرائه من مليارديرات مجال التكنولوجيا الأمريكي بفكرته الأصلية عن غلبة الذكاء، إلا أن قليلين منهم أدركوا ما توصل إليه لاحقاً.

وثمة ميل لدى عمالقة مجال التكنولوجيا إلى الاعتقاد بأن نوع الذكاء الخاص لديهم هو الذي مكّنهم من أن يكونوا شديدي النجاح وفاحشي الثراء، وينشدون الأمر ذاته في الآخرين. علاوة على ذلك، يبدو أن هؤلاء يعتقدون أن ذكاءهم الفائق يمكن تطبيقه في كل زمان ومكان.

ويبدو الافتراض الاعتيادي لدى المؤسسين الناجحين متمثلاً في أن خبرتهم في بناء شركات تكنولوجيا تمنحهم رؤى قيّمة فيما يتعلق بعجز الموازنة الفيدرالية الأمريكية، والاستجابة السليمة للجائحة، أو حتى الحرب في أوكرانيا.

بالنسبة لهم، فالمعلومات الجديدة التي يستقونها من مجالات غريبة تبدو وكأنها وحي في بعض الأحيان حتى وإن كانت معلومات شائعة لدى جميع من هم خارج فقاعاتهم.

وعطفاً على ذلك، سألني ملياردير أمريكي شاب في مجال التكنولوجيا ذات يوم بكل دهشة، وكان قد ترك دراسته الجامعية وعاد للتو من رحلة إلى باريس، عمّا إن كنت سمعت من قبل عن الثورة الفرنسية. وكان الأمر مضحكاً سخيفاً بكل تأكيد.

يدفعنا ذلك إلى تساؤلات حول إمكانية نقل ذكاء إيلون ماسك، بالنظر إلى حضوره الطاغي في اقتصاد الولايات المتحدة، وفي المجال السياسي للبلاد حالياً.

ينعم رائد الأعمال الذي ولد في جنوب أفريقيا بذكاء شديد ووضوح في الرؤية، يجعلانه يحظى بالاحترام حتى من أعتى منافسيه. وأخبرني رئيس تنفيذي لواحدة من شركات المركبات الكهربائية المنافسة لشركة ماسك: «أرى أنه أسطوري حقاً».

ورغم تفوق ماسك في تصنيع سيارات جذابة وصواريخ، إلا أن تجربته في عالم وسائل التواصل الاجتماعي متخبطة ويواجه هروباً من المستخدمين والمعلنين على منصة «إكس».

ومع ذلك، استغل ماسك منصته التي اشتراها بـ 44 مليار دولار في مساعدة دونالد ترامب على الفوز بفترته الرئاسية الثانية. وفي المقابل، دعا الرئيس المنتخب ماسك «فائق العبقرية» ليكون أحد اثنين يقودان وزارة الكفاءة الحكومية الجديدة التي يخطط لها.

وسعياً إلى التقليل من البيروقراطية، أعلن ماسك عن حاجته إلى «مبتكرين فائقي الذكاء ممن يؤمنون بمبدأ الحكومة الصغيرة وراغبين في العمل لثمانين ساعة فأكثر أسبوعياً على خفض للتكاليف».

وأعرب ماسك بالفعل عن رغبته في إلغاء ثلاثة أرباع الإدارات الحكومية الفيدرالية البالغ عددها 400 إدارة، فنشر تغريدة على منصة إكس قال فيها: «يكفي أن يكون هناك 99 إدارة».

في يومنا الحاضر، يفضّل ماسك التهكّم على غيتس، لا الاستماع له. ومع ذلك، ربما يكون ماسك بحاجة إلى تأمل الدرس المؤلم الذي تعلّمه غيتس: وهو أن أذكى الأذكياء في مجال ما ليست لديهم بالضرورة أفضل الأفكار في المجالات الأخرى.

لا شك في وجود هدر بيروقراطي هائل ينبغي التخلص منه، لكن يتطلب فعل ذلك الكثير من أنواع الذكاء لاستيعاب كافة المنافع العامة، وجداول الأعمال المتنافسة، والمصالح المتعارضة ذات الصلة بالإنفاق الحكومي.

وهناك أيضاً مفارقة خاصة ترتبط بالمليارديرات في مجال التكنولوجيا الذين يشجّعون الذكاء الإنساني الفائق بينما يعملون في الوقت ذاته على تطوير الذكاء الاصطناعي الذين قد يتغلب عليهم في يوم ما.

وبطبيعة الحال، يعمل ماسك على حل لهذه الإشكالية، فيخطط لتحسين عقلنا البشري عن طريق زرع رقاقات إلكترونية في المخ من خلال شركته «نيورالينك»، لدمج الذكاء البشري بذلك الآلي.

قد تكون هذه الإمكانية مفزعة للكثيرين، لكنها يمكن أن تكون، وبطريقة مختلفة، الاختبار الحقيقي لما إن كان من الممكن تبادل الذكاء البشري.