جيانغوانغ شين

الكاتب كبير الاقتصاديين في مجموعة «جيه دي»

جاءت حزمة التحفيز المالي الصينية الأخيرة مستهدفة معالجة مشاكل ديون الحكومات المحلية المسجلة خارج الميزانية، وإرساء أسس متينة لتحقيق نمو اقتصادي مستدام. إلا أن رد فعل السوق، من الانخفاض الحاد لسعر صرف الرنمينبي وتراجع مؤشر هانغ سنغ في هونغ كونغ، يشير إلى أن شكوكاً قوية لا تزال قائمة حول ما إذا كانت خطة الـ10 تريليونات يوان (1.4 تريليون دولار)، كافية.

والمشكلة أن الشكوك تنتشر على نطاق واسع، إلا أن إمعان النظر يكشف خمسة مفاهيم خاطئة حول ما تسعى الصين إلى تحقيقه بالفعل:

- الحزمة صغيرة جداً: أكثر الانتقادات شيوعاً هو أن إعادة هيكلة ديون الحكومات المحلية المخطط لها ليست كافية لإحداث تأثير كبير لإنعاش الاقتصاد. الخطة تسمح للحكومات المحلية بإصدار سندات خاصة إضافية بقيمة 6 تريليونات يوان على مدار ثلاث سنوات لاستبدال الديون «الضمنية» المسجلة خارج الميزانية العمومية. كما ستمكنهم من إصدار 4 تريليونات يوان إضافية على دفعات خلال 5 سنوات.

ووجهة النظر المتشككة تتجاهل الصورة الأكبر، وهي أن هذه الحزمة لن تكون مجرد حقنة نقدية لمرة واحدة، بل هي جزء من إعادة هيكلة منسقة وطويلة الأجل. ومع إضافة إصدار سندات خاصة مخطط لها في عام 2025 والزيادة المتوقعة في العجز المالي، ستمثل هذه الحزمة تحفيزاً مالياً كبيراً.

- استبدال الديون مجرد إجراء تقني: يرى بعض المشككين أن مبادلة الديون ليست أكثر من إعادة ترتيب للدفاتر المحاسبية، دون تأثير حقيقي على الإنفاق. لكن من خلال تحويل الديون الضمنية إلى سندات صريحة تحمل فوائد، تقوم الحكومة بأكثر من مجرد معالجة محاسبية.

وهذا التحول يمنح الحكومات المحلية مساحة تنفس هي في أمس الحاجة إليها بعد أن طلب منها التخلص من الديون الضمنية. إضافة إلى ذلك، وحسب تقديري فإن إعادة هيكلة الديون قد توفر نحو 600 مليار يوان من تكاليف الفوائد خلال الفترة نفسها. وعلى مدار سنوات، اضطرت الحكومات المحلية إلى تقليص ميزانيتها وخلق فوائض مالية فقط للحفاظ على الديون الضمنية تحت السيطرة. الآن، بإمكانها تخصيص المزيد من الموارد للتنمية والخدمات الأساسية.

وهذا الحيز المالي الإضافي ليس مجرد حيز نظري، بل من المتوقع أن يعزز الطلب بما يعادل 1 % من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً خلال السنوات الخمس المقبلة. وبعيداً عن كونه مجرد إصلاح تقني، يهدف استبدال الديون إلى إعادة توجيه الموارد إلى الاقتصاد.

- الحزمة تفيد الحكومة فقط.. ليس الشركات أو الأسر: هناك قلق آخر يتمثل في أن الحزمة تعالج قضايا ديون الحكومة فقط، بينما تترك الشركات والأسر على الهامش. لكن في الواقع، أثرت القيود المالية للحكومات المحلية بشكل كبير على كلا الجانبين.

وعلى مدار سنوات، أدت الميزانيات المنخفضة إلى تقليص الاستثمارات العامة والخدمات الاجتماعية، وتأخير مدفوعات مشاريع البنية التحتية، وحتى تأجيل دفع الرواتب. ومع تخفيف الضغط المالي الآن على الحكومات المحلية، أصبح بإمكانها تسوية المدفوعات المستحقة واستئناف عمليات الشراء.

- الحزمة تركز على الاستثمار وليس الاستهلاك: هناك أيضاً تصور بأن حزمة التحفيز الصينية تركز بشكل مفرط على مشروعات البنية التحتية والاستثمارات. لكن في الواقع، تطلق هذه الحزمة أموالاً إضافية في الخدمات العامة، والتعليم، والرعاية الصحية، وغيرها من المجالات التي تدعم الطلب الاستهلاكي.

وعلى المدى القريب، قد تؤدي التوسعات المخطط لها في العجز المالي بحلول عام 2025 إلى خلق مساحة أكبر لمبادرات استهلاكية، مثل تقديم إعانات لشراء الأجهزة الكهربائية واستبدال السيارات.

- لا شيء للحاضر: يعتقد البعض أن تركيز الحزمة على الأهداف طويلة المدى يجعلها تفتقر إلى التدابير اللازمة لتعزيز النمو في عام 2024. رغم ذلك، تمتلك الحكومة عدة قنوات للتمويل هذا العام، مثل الحصص المتبقية من السندات الخاصة، وسندات الحكومات المحلية، وبرامج مبادلة الديون غير المستغلة، والتي يمكن أن تضخ أموالاً في مشروعات البنية التحتية، ورواتب القطاع العام، وتسديد المدفوعات المتأخرة. إضافة إلى ذلك، توفر الاحتياطيات مثل أرباح الشركات المملوكة للدولة وصناديق استقرار الميزانية دعامة قوية لتعزيز الطلب هذا العام.

إن الصورة الأكبر تظهر أن الحزمة المالية الصينية لا تسعى إلى تحقيق نتائج آنية تحدث ضجة إعلامية، بل تهدف إلى إعادة هيكلة الديون، ودعم الحكومات المحلية، وفتح الباب بعناية أمام الإنفاق المستهدف، لتمهد هذه الحزمة تعافياً مستداماً.

وما يجعل هذه الحزمة مميزة حقاً هو مرونتها، حيث أتاح صناع السياسات مجالاً لتوسيع نطاق التدابير أو تعديلها حسب الحاجة. على سبيل المثال، إذا تطلب الأمر المزيد من تعزيز ثقة المستهلك، يمكن للصين النظر في زيادة رواتب القطاع العام، أو تقديم دعم مالي مباشر للأسر، أو زيادة التحويلات النقدية للأسر محدودة الدخل. وبينما تركز حزم التحفيز الغربية في الغالب على تحقيق مكاسب فورية، فإنّ الصين تعتمد نهجاً أشبه بالماراثون، يركز على الاستدامة وطول الأمد. وإذا تم تنفيذ هذه الخطة بنجاح، فستسهم في جعل الاقتصاد الصيني أكثر قوة وتماسكاً على المدى الطويل.