جون ثورن هيل

في الوقت الذي يتطلع فيه رواد الأعمال في وادي السيليكون إلى جني أرباح طائلة من منتجات مبتكرة وجذابة تبهر المستهلكين، كالميتافيرس والسيارات ذاتية القيادة والتطبيقات الصحية، يكشف الواقع أن النجاح الأكبر لرؤوس الأموال المغامرة غالباً ما يتحقق من الاستثمار في منتجات تقليدية مخصصة للتعاملات بين الشركات.

وخلال العقدين الماضيين، أصبح نموذج «البرمجيات كخدمة» أحد أكثر القطاعات جذباً للاستثمارات في رأس المال المغامر، ما أدى إلى ظهور 337 شركة يونيكورن، تلك الشركات الناشئة التي تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار.

ورغم أن الخدمات الشائعة في هذا القطاع، مثل أنظمة إدارة علاقات العملاء، ومنصات الدفع، وأدوات التصميم التشاركي، قد لا تثير اهتمام المستهلكين، إلا أنها تلقى قبولاً واسعاً لدى المستثمرين بسبب انخفاض متطلباتها المالية، وسرعة نموها وتوسعها، وإيراداتها الكبيرة التي تعتمد على التراخيص المؤسسية الموثوقة والتي تكون غالباً أقل حساسية لتقلبات الأسعار.

وقد ينطبق هذا أيضاً على الذكاء الاصطناعي التوليدي. ففي الوقت الراهن، لا يزال المستهلكون مبهورين بالقدرات المذهلة لنماذج الذكاء الاصطناعي في إنشاء نصوص وفيديوهات ومقاطع موسيقية ترضي ذائقتهم، إلى جانب استنساخ الأصوات والصور. وبالتوازي مع ذلك، تروج شركات الذكاء الاصطناعي الكبرى للوكلاء الرقميين الشخصيين الذين يفترض أنهم سيحدثون نقلة نوعية في تسهيل حياتنا اليومية.

وفي تصريح لها، قالت سارة فراير، المديرة المالية لشركة «أوبن آيه آي»: ستكون كلمة العام المقبل «الوكيل الذكي». قد يكون وكيلاً بحثياً أو مساعداً يومياً يساعد الناس في حياتهم، بما في ذلك الأمهات العاملات. وفي عام 2025، سنرى أول وكلاء ناجحين يقدمون خدمات حقيقية ومؤثرة.

وبينما تركز الشركات الكبرى مثل «أوبن آيه آي» و«جوجل» و«أمازون» و«ميتا» على تطوير وكلاء ذكاء اصطناعي عام لاستخدامات شاملة، تعمل مجموعة من الشركات الناشئة على تصميم وكلاء ذكاء اصطناعي متخصصين لتلبية احتياجات الأعمال.

في الوقت الحالي، تستخدم أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي كأدوات داعمة لتعزيز إنتاجية الموظفين، مثل تحسين كتابة الأكواد البرمجية. رغم ذلك، قد تتحول قريباً إلى وكلاء مستقلين تماماً يمكنهم إدارة وظائف الأعمال واستبدال فرق العمل بشكل كامل.

في نقاش جرى مؤخراً، أوضح بعض الشركاء في مسرعة الأعمال «واي كومبناتور» أن الحاضنة الشهيرة في وادي السيليكون استقبلت عدداً هائلاً من طلبات الشركات الناشئة التي تسعى إلى توظيف وكلاء الذكاء الاصطناعي في مجالات متنوعة مثل التوظيف، والتدريب الوظيفي، والتسويق الرقمي، وخدمات دعم العملاء، وضمان الجودة، وتحصيل الديون، والفوترة الطبية، والبحث والمزايدة على العقود الحكومية.

وكانت نصيحة الشركاء بمسرعة «واي كومبناتور» لهؤلاء العملاء بضرورة التركيز على أتمتة المهام الإدارية الأكثر رتابة وتكراراً. وخلصوا إلى أن وكلاء الذكاء الاصطناعي المتخصصين قد يصبحون البديل الجديد لنموذج البرمجيات كخدمة، متوقعين ظهور أكثر من 300 شركة يونيكورن في هذا المجال.

ورغم الزخم الكبير المحيط بوكلاء الذكاء الاصطناعي، إلا أن هناك عاملين قد يحدان من سرعة تبنيها. العامل الأول هو أنه إذا كان وكلاء الذكاء الاصطناعي قادرين على استبدال فرق عمل ووظائف بأكملها، فمن غير المحتمل أن يتبنى المديرون ذلك على عجل، لأن استراتيجية الانتحار الإداري لم يتم تدريسها في كليات إدارة الأعمال.

أما الرؤساء التنفيذيون الأكثر جرأة وفهماً للتكنولوجيا، فقد لا يترددون في فرض استخدام هؤلاء الوكلاء سعياً للكفاءة. رغم ذلك، من المرجح أن تظهر هياكل شركات مبتكرة جديدة مع اتجاه الشركات الناشئة نحو استغلال هذه التقنية بأقصى طاقتها.

وبعض رواد الأعمال يتطلعون الآن إلى إنشاء شركات تعمل بالكامل بشكل ذاتي ومن دون موظفين، رغم أن احتفالات أعياد الميلاد فيها قد تكون أقل إثارة. والتحدي الثاني الذي يثير القلق يتعلق بما قد يحدث عندما يتفاعل وكلاء الذكاء الاصطناعي مع بعضهم البعض بشكل متزايد دون تدخل بشري. كيف سيبدو هذا النظام البيئي متعدد الوكلاء؟ وكيف سيعمل فعلياً على أرض الواقع؟

وكيف يمكن ضمان الثقة ومساءلة هذه الأنظمة؟ يقول سيلفيو سافاريسي، أستاذ في جامعة ستانفورد وكبير العلماء في شركة «سيلزفورس» الرائدة في مجال البرمجيات كخدمة، والتي تجري تجارب على وكلاء الذكاء الاصطناعي: «عليك أن تكون حذراً للغاية.

نحن بحاجة إلى وضع ضوابط تضمن تصرف هذه الأنظمة بشكل ملائم». وتعد محاولة تصميم نماذج لأنظمة متعددة الوكلاء والتحكم فيها واحدة من أكثر مجالات البحث جذباً للاهتمام حالياً. ومن بين الحلول المطروحة، تدريب وكلاء الذكاء الاصطناعي على تحديد مواطن الغموض واللجوء إلى طلب المساعدة عند مواجهة تحديات تتجاوز قدراتهم. ويقول سافاريسي: «لا ينبغي للذكاء الاصطناعي أن يكون كاذباً بارعاً.

يجب أن يلجأ للبشر قائلاً: ساعدني». أما إذا غابت هذه التدريبات، فإن الخوف أن يصبح هؤلاء الوكلاء خارج السيطرة تماماً مثل المكنسة السحرية في قصيدة «صبي الساحر» ليوهان غوته، التي أحدثت فوضى بعد أن تجاهلت الأوامر، ليقول الصبي عندها بحزن: «الأرواح التي استدعيتها لم تعد تطيعني، وخرجت عن سيطرتي». من المدهش أن القصص الخيالية القديمة يمكن أن تتجسد الآن في تحديات تقنية حديثة.