سارة أوكونور

في مركز «ويستفيلد» التجاري غرب لندن، ومع اقتراب عيد الميلاد، تزدحم المتاجر بالموظفين والزبائن. وفي متجر «إيما سليب» العصري لبيع المراتب عدد من الموظفين يرتدون قمصاناً تحمل شعار المتجر ويضعون ابتسامات عريضة. لكن المفاجأة أن هؤلاء الموظفين ليسوا تابعين للمتجر، بل هم عاملون مستقلون تعاقدوا على أداء مناوباتهم عبر تطبيق «يونج ونز». وهم في الواقع لا يعملون لدى أي جهة محددة.

وينتشر اقتصاد الوظائف المؤقتة على نحو واضح للعيان؛ فشوارع المدن الكبرى في كل أنحاء العالم تعج بسائقي التوصيل الذين يرتدون سترات مميزة ويحملون صناديق ضخمة، لكن الملاحظ أن هذا الاقتصاد بدأ الآن يتغلغل في المتاجر والمطاعم التقليدية بعيداً عن الأنظار. وكما قالت لي سوزان روبنسون، مديرة متجر «إيما سليب»، عندما زرتها أخيراً: «الأمر مخفي حقاً عن العالم الخارجي».

ويضم تطبيق «يونج ونز»، الذي تأسس في هولندا وامتد نشاطه إلى المملكة المتحدة وفرنسا، بين عملائه عدداً من متاجر الملابس الرياضية الشهيرة. في الوقت ذاته، يروج تطبيق هولندي آخر يُدعى «تمبر» لفرص عمل في متاجر «يونيكلو»، وسلسلة مقاهي «كوليتشي» بالمملكة المتحدة. تقوم فكرة هذه التطبيقات على نشر أصحاب العمل للوردية المطلوبة بمقابل مادي محدد، مع ضمان أن يكون الحد الأدنى للأجر أعلى من المعدل القانوني، ليقوم العمال المسجلون بالتقديم عليها. وبعد انتهاء كل وردية، يقيّم الطرفان بعضهما البعض.

لكن ماذا يعني هذا التطور؟ المزايا بالنسبة للعاملين واضحة. تقول إلينا، وهي إحدى العاملات عبر تطبيق «يونج ونز» في متجر «إيما سليب» إنها لجأت إلى هذه التطبيقات بعد أن سئمت من تعقيدات البحث عن وظائف تقليدية تتطلب جولات لا تنتهي من المقابلات الشخصية.

وتمثل إلينا وزملاؤها قوة عاملة مرنة، تنتقل بين مختلف الوظائف المؤقتة، ويعرف بعضهم البعض جيداً، بل ويعملون سوياً في أماكن عدة دون ارتباط دائم بأي جهة واحدة. وتقول إلينا إنها اعتادت حجز ورديات منتظمة في متجر «إيما سليب»، لكنها كانت حريصة على تجربة أماكن جديدة، وقد لفت انتباهها أخيراً إعلان عن وردية متعلقة بالطباعة ثلاثية الأبعاد للخزف. وأضافت: «هذه الوظائف توسع آفاقك وتفتح لك الكثير من الفرص».

وكشف تطبيق «يونج ونز» أن كل عامل مستقل مسجل لديهم يعمل في المتوسط بخمس وظائف متنوعة، بينما أوضح تطبيق «تمبر» أن مستخدميه ممن يعملون في الورديات يتقدمون بطلبات للعمل لدى 24 شركة مختلفة في المتوسط، كما يمكن للعمال إرسال بدلاء عنهم إذا لم يتمكنوا من الحضور.

لكن مع كل ذلك، لدي شكوك حول الخطاب التقني المتفائل الذي يُروّج لهذا النموذج باعتباره «مستقبل الوظائف». وأحد الأسباب هو تأثيره السلبي في إيرادات الحكومات والخدمات العامة التي تعتمد على تلك الإيرادات، خاصة أن العمل الحر يخضع عادة لمعدلات ضريبية أقل بكثير مقارنة بالوظائف النظامية.

وهناك نقطة أخرى تتعلق بتوازن القوة، في أوقات الرخاء وارتفاع الطلب على العمالة قد تبدو هذه العلاقة مرنة ومجزية للطرفين، لكن ماذا لو حدث ركود اقتصادي وأصبحت المنافسة محتدمة على الوظيفة نفسها؟ هل سيشعر العامل بالاطمئنان عندما يعلم أن تقييماته بعد كل وردية ستحدد فرصه المستقبلية؟ وهل سيكون لديه الجرأة للاعتراض إن واجه ظروفاً غير عادلة أو غير آمنة؟

عندما واجهت الشركات بمثل هذه التساؤلات، كان رد تطبيق «يونج ونز» بأن الموظفين المسجلين به لديهم فرصة قيمة لبناء سمعة قوية، مع تحمل مخاطر التقييم السلبي، تماماً كما هي الحال بالنسبة لأي عامل مستقل. من جانبه، أوضح تطبيق «تمبر» أن نظامه «يحفز الطرفين على الأداء الجيد»، وأن أصحاب العمل ينظرون عادة إلى الملف الشخصي للعامل المستقل بصورة شاملة.

وتطمح حكومة العمال الجديدة في بريطانيا إلى تعزيز حقوق العمال ذوي الأجور المنخفضة عبر حزمة من التشريعات الجديدة، لكن هذه الحقوق ستقتصر على الموظفين الرسميين. في الوقت نفسه، تقلل التكنولوجيا من العوائق المرتبطة بتوظيف عمال دون ضمهم إلى قوائم الموظفين الرسميين، ما يتركهم خارج نطاق الحماية المؤسسية التقليدية. وقد تعزز هذا الاتجاه بعد أن زادت الحكومة مساهمات التأمين الوطني المفروضة على أصحاب العمل.

ويمكن الدفاع عن هذا النوع من العمل المؤقت شريطة وضع ضمانات خاصة لحماية العاملين فيه، أو قد يُطرح بديل آخر يقضي بإعادة تصنيف هؤلاء العمال ومنحهم حقوق التوظيف الرسمية. أما أسوأ السيناريوهات، فهو تجاهل القضية وترك القوانين الحالية مبهمة وغير مطبقة، ما قد يؤدي في النهاية إلى ضياع الأهداف التي تسعى الحكومة لتحقيقها مع ارتفاع تكلفة التوظيف التقليدي وتعقيده.