هارييت كلارفيلت - كولبي سميث - رافي أودين

تراهن وول ستريت على أن الدولار سيحقق المزيد من المكاسب بعد ارتفاعاته الأخيرة القوية، حتى أنه توجه صوب التعادل مع اليورو، متحدياً بذلك رغبة دونالد ترامب المعلنة، بإضعاف العملة.

وارتفع الدولار بنسبة 6.2 % منذ بداية أكتوبر، مسجلاً أفضل أداء ربع سنوي له منذ بداية حملة مجلس الاحتياطي الفيدرالي لرفع أسعار الفائدة عام 2023، ومع بدء توقع الأسواق فوز المرشح الجمهوري بالانتخابات الرئاسية في نوفمبر الماضي وتنفيذه لخططه المتعلقة بفرض رسوم جمركية وتخفيضات ضريبية. وتوقعت أكثر من نصف البنوك التي استطلعت «فاينانشال تايمز» آراءها، بما في ذلك «جولدمان ساكس» و«مورجان ستانلي» و«يو بي إس»، استمرار ارتفاع الدولار العام المقبل. ورجح «دويتشه بنك» بلوغ الدولار مستوى التعادل أمام اليورو عام 2025، خصوصاً بعد أن ارتفع بالفعل من 1.11 دولار في بداية أكتوبر إلى حوالي 1.05 دولار.

ونتيجة لذلك، يقلل كثير من مديري الصناديق من احتمالات تمكن ترامب من إضعاف العملة الأمريكية لدعم الصناعة المحلية، بغض الطرف عن الشكل الذي سيكون عليه الخطاب الذي سيتبناه. وقالت سونال ديساي، كبيرة مسؤولي الاستثمار لدى «فرانكلين تمبلتون للدخل الثابت»، إن فكرة وجود عملة أضعف تحت إدارة ترامب «تبدو حلماً بعيد المنال»، خصوصاً أنه يبدو أن هناك كثيراً من العوامل المتضاربة. وأوضحت: «غالبية السياسات التي تطرق إليها ترامب حتى الآن، التي يبدو أنها ستحتل مركز اهتماماته، ستكون إيجابية للدولار، وليست سلبية».

ووجهة النظر التي يتبناها ترامب منذ فترة طويلة هي أن الدولار القوي يفرض ضغوطاً غير مرغوبة على الاقتصاد الأمريكي، ما يؤدي إلى تكهنات حول ما إذا كانت الإدارة التالية ستتخذ تدابير من شأنها دفعه إلى الانخفاض. وقال ترامب في يوليو الماضي لـ«بلومبرغ بيزنس ويك»: «لدينا مشكلة كبيرة من حيث العملة»، مشيراً بذلك إلى قوة الدولار أمام الين الياباني واليوان الصيني. واستطرد: «إنه عبء مهول على شركاتنا التي تحاول بيع الجرارات وأشياء أخرى في أماكن مختلفة خارج البلاد».

وتبدى جلياً ميل ترامب نحو الدولار الأضعف خلال فترته الأولى رئيساً للولايات المتحدة، إذ انتقد ما اعتبره ممارسات غير عادلة للعملات من بلدان أخرى. ليس ذلك فحسب، بل صنفت إدارته الصين رسمياً بأنها «متلاعبة بالعملة» وسط الحرب التجارية التي نشبت بين البلدين.

رغم ذلك، فإن برنامجه الاقتصادي والتخفيضات الضريبية التي اقترحها، بجانب خططه بفرض تعريفات جمركية أعلى على الواردات من بلدان تشمل المكسيك وكندا والصين، يتوقع على نطاق واسع أن تعزز التضخم المحلي بعد توليه منصبه الشهر المقبل. وسيؤدي ذلك إلى أن يبقي الاحتياطي الفيدرالي على ارتفاع أسعار الفائدة لمدة أطول، ما سيكون جاذباً لمزيد من رؤوس الأموال الأجنبية إلى الأصول المقومة بالدولار. وقال أجاي راجادياكشا، رئيس قسم البحوث العالمية لدى «باركليز»: «من المؤكد أن سياسات ترامب ستكون إيجابية للدولار». ويتوقع المصرف ارتفاعاً طفيفاً للدولار إلى 1.04 أمام اليورو بحلول نهاية العام المقبل.

وأفاد محللون ومستثمرون بأن هذا سيشكل معضلة للإدارة التالية. وذهبوا إلى أن أي حلول ممكنة، مثل السيطرة على عجز الموازنة الحكومي أو التوصل إلى اتفاق يطلق عليه «مارا لاجو» تضغط بموجبه الولايات المتحدة على شركائها التجاريين لخفض قيمة الدولار، ستكون صعبة للغاية وقد تخاطر بتشويه مكانة الدولار باعتباره عملة احتياط عالمية.

وأشار إريك وينوجراد، كبير خبراء الاقتصاد لدى «أليانس برنشتين»، إلى أن الرئيس القادم يهتم كثيراً بـ «أهمية سيادة الدولار، وينزعج حينما تتحدث دول أخرى عن عملات بديلة للدولار في المعاملات». وقال: «يتمثل التعبير الأكثر وضوحاً عن الإدارة التالية في اتخاذ المستثمرين مراكز شرائية على الدولار، والاستعداد لارتفاع العملة».

وقلل مستثمرون وخبراء استراتيجيون إلى حد كبير من فكرة التوصل إلى إطار عمل شبيه بـ «اتفاق بلازا»، في إشارة إلى الصفقة التي أبرمتها إدارة رونالد ريجان عام 1985، والتي شهدت إبرام دول اتفاقية متعددة الأطراف للتدخل في أسعار الصرف، وهو الاتفاق الذي تسبب في انخفاض قيمة الدولار مقارنة بعملات أخرى.

وقال مارك سوبيل، المسؤول السابق في وزارة الخزانة، إن داعمي ما يطلق عليه «اتفاق مارا لاجو» ربما «بالغوا بشدة في تصوراتهم بشأن الضغط الأمريكي على الصين»، بما أن مشاركة الصين في ذلك بعيدة المنال. وقال براد سيتسر، الزميل في مجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في وزارة الخزانة تحت إدارة الرئيس باراك أوباما: «يكمن السر وراء اتفاق بلازا في أن أسعار الفائدة الأمريكية كانت بصدد الانخفاض بالفعل»، وتابع: «لكن ظروف الاقتصاد الكلي، التي تصب فيها فروق أسعار الفائدة في صالح الدولار مقارنة باليورو واليوان، ليست داعمة لدولار ضعيف».

وترى سونال ديساي من «فرانكلين تمبلتون» أنه في حين قد يمارس ترامب ضغوطاً على الدول التي تتحكم بأسعار صرفها، إلا أنه لن يكون قادراً على التحكم في الدولار. وقالت: «ليس من الواضح إن كان بإمكانه انتقاد الضعف الشديد لليورو أمام الدولار»، وأضافت: «اليورو ليس ضعيفاً، لكنه عملة أخرى لا يتحكم المصرف المركزي فيها».

ومع ذلك، فقد أظهرت مكاسب العملة الخضراء مؤشرات على التعثر في الأسابيع الأخيرة، إذ يتم تداول الدولار حالياً عند مستوى 106.8، ما يقل عن مستويات أواخر الشهر الماضي. وفي حين يسلط محللون الضوء على تحسب السوق بالفعل لتأثير رئاسة ترامب، إلا أن عدداً قليلاً منهم يعتبرون ذلك إشارة على نهاية المكاسب أو أن الخطاب الجمهوري سيؤدي إلى انخفاض قيمة العملة.

وقال وينوجراد من «أليانس برنستين»: «قد يحاول ترامب التأثير على الدولار، لكن أساسيات الاقتصاد تميل إلى أن تكون للدولار الغلبة في نهاية المطاف».