هاري ديمبسي - ليو لويس

تمثل المحادثات بين هوندا ونيسان، واحتمالية تشكيل ثالث أكبر شركة لصناعة السيارات في العالم، اعترافاً مهماً من الشركات اليابانية بأن: أفضل وقت للاندماج كان أمس، وثاني أفضل توقيت هو اليوم.

وكان هذا رأي مسؤول حكومي رفيع الأربعاء، وهو ما يعكس قلقاً عميقاً من إمكانية استمرار قطاع صناعة السيارات الياباني المجزأ، وانهيار القيمة السوقية لشركة نيسان.

وتجري مفاوضات توحيد الصفوف والاندماج في ظل بيئة عدائية للغاية، فالمنافسون الصينيون ليس لديهم أي هوادة، وليس لأحد القدرة على التنبؤ بدقة بالتعريفات الجمركية والنظام التجاري العالمي في عهد دونالد ترامب، واستبدال الاقتصاد الياباني سنوات طويلة من السياسة النقدية شديدة التساهل برفع أسعار الفائدة.

ويرى محللون أن صدى قرار ثاني وثالث أكبر شركتين مصنعتين للسيارات في البلاد سيتردد في أرجاء الاقتصاد. وقد يجبر قرار الاندماج، مئات الشركات اليابانية في قطاعات أخرى على إعادة النظر وتقرير أن عقد الصفقات (بالاندماج) ربما يكون الحل الوحيد للبقاء.

وتتعرض صناعة السيارات اليابانية لهجوم من المركبات الصينية الكهربائية المنافسة ميسورة التكلفة والأنيقة، فيما تواجه تهديدات متصاعدة بفرض تعريفات جمركية على صادراتها إلى الولايات المتحدة، حيث أجهزت الحسومات الكبيرة على ربحية الشركات المنتجة كلها ما عدا الكبرى منها.

وترتبط نيسان وهوندا بشبكة واسعة من الموردين والشركات الصناعية، حيث يصنع العديد منها المنتجات نفسها - من محامل الكرات والرافعات إلى أشباه الموصلات - بينما تواجه منافسة متزايدة القوة من الصين.

وإضافة إلى ازدياد المنافسة العالمية، تواجه الشركات اليابانية ضغوطاً للاندماج من خلال إصلاحات حوكمة الشركات الصديقة للمستثمرين، وارتفاع نشاط المستثمرين، وانكماش السوق المحلية، وتضاؤل توافر القوى العاملة، بحسب أبرز المسؤولين التنفيذيين في البلاد.

وتعد «نيسان» مثالاً لكيفية تراجع العلامات التجارية اليابانية العالمية. ففي عام 2013، كانت الشركة أكبر صانعة للسيارات في العالم، وباعت 4.9 ملايين سيارة. أما العام الجاري، فتتوقع بيع 3 ملايين سيارة فقط. وقد عانت في السوق الأمريكية لافتقارها إلى الطرازات الهجينة، التي ارتفعت شعبيتها، وحمت الوضع المالي لشركة «تويوتا».

كما تقلصت «هوندا» خلال هذه الفترة، وتراجعت مبيعاتها من 4.3 ملايين سيارة إلى 3.8 ملايين سيارة فقط هذا العام.

وعلى النقيض من ذلك، صعد المنافسون الصينيون بقوة، وأصبحت شركة مثل «بي واي دي»، من أكبر العلامات التجارية مبيعاً على مستوى العالم بفضل استثماراتها المبكرة في تكنولوجيا المركبات الكهربائية والوفورات التي يقدمها الإنتاج الضخم.

ولا تزال الصناعة تواجه مزيداً من النفقات الاستثمارية الهائلة في تكنولوجيا البطاريات والبرمجيات، وهي مجالات تتمتع فيها شركات السيارات الصينية بميزة على خبرة منافسيهم اليابانيين، بفضل أعوام من دعم بكين للبحث الفني وتأمين سلاسل التوريد العالمية للموارد الرئيسية.

وكانت «نيسان» و«هوندا» تستكشفان إمكانية الشراكة منذ مارس في العام الماضي، واتخذتا خطوة إضافية بإعلان تعاون مشترك في المركبات الكهربائية والبرمجيات صيف هذا العام. كما وافقت «هوندا» على عقد شراكة مع «سوني» لحشد الموارد في هندسة المركبات وبرمجياتها لصنع السيارات معاً.

وذكر مصدر على صلة وثيقة بـ «نيسان» أنها كانت في تحالف مع «رينو» طوال 20 عاماً تقريباً، غير أن هذا التحالف لم يؤت ثماره، موضحاً أن اللوائح التنظيمية لمكافحة الاحتكار قيدت عمق التعاون والمعلومات، ما تسبب في الحاجة إلى النظر في الدمج.

من جانبه، ذهب ماساتوشي كيكوتشي، كبير الخبراء الاستراتيجيين في الأسهم الآسيوية لدى «ميزوهو»، أن صانعي السيارات اليابانيين واجهوا مشكلة ثلاثية، وهي خسارة حصة من السوق الصيني أمام المنافسين المحليين.

وفي جنوب شرق آسيا، وفي الوقت نفسه انكماش السوق المحلي، وتوقع تعريفات جمركية إضافية من ترامب. لذلك، قررت شركات السيارات اليابانية، خصوصاً نيسان وهوندا، مناقشة الاندماج في ظل حاجتهم لمواجهة صعوبات عدة في الوقت نفسه.

وشكك كيكوتشي فيما إذا كان اندماج «نيسان» و«هوندا» سيسفر عن أثر مضاعف في القطاعات اليابانية، مشيراً إلى الرغبة القوية لدى فرق الإدارة في أن تظل مستقلة، ما سيدوم حتى يتم استهدافها من جانب المستثمرين النشطاء. ورحبت «نيسان» نفسها باثنين من مثل هؤلاء المستثمرين، هما «إيفيسيمو كابيتال مانجمنت» و«أواسيس مانجمنت».

ويعتقد مسؤولون تنفيذيون في «نيسان» أن الشركة فقدت السوق الصينية بسرعة أمام اللاعبين المحليين، رغم أنها كانت معقلاً لها. ولن يلعب خفض الإنتاج سوى دور صغير في مساعدة «نيسان» على تحقيق هدفها بخفض 9.000 وظيفة، بحسب خطة إعادة الهيكلة التي أعلنتها في نوفمبر، ويعود ذلك إلى هياكل المشروعات المشتركة التي تفرضها بكين مع شركاء محليين.

والمشكلة الأكبر لصانع السيارات الياباني في السوق الأمريكية، هي أن الشركات الغنية مثل تويوتا وهيونداي فقط هي التي يمكنها الصمود أمام حرب خفض الأسعار، وقد جاءت حصة «نيسان» من السوق خلف «ستيلانتيس» و«جنرال موتورز» و«فورد».

وأشار محللون إلى أن زيادة إدارة ترامب للتعريفات الجمركية بما يصل إلى 25% على صادرات المركبات من المكسيك سيؤثر على «هوندا» و«نيسان»، ما يجعل زيادة التصنيع المحلي في الولايات المتحدة أمراً ضرورياً.

في الوقت نفسه، تجابه الشركات اليابانية التي تعاني ضعفاً في قطاع المركبات الكهربائية، صعوبة كبيرة حينما تعتمد بعض الولايات الأمريكية، وفي مقدمتها كاليفورنيا، تشريعات أكثر صرامة بشأن الانبعاثات اعتباراً من 2026، بما أن قدراتها على تصنيع المركبات الهجينة ليست كافية.

وأفاد كوتا يوزاوا، المحلل لدى «جولدمان ساكس»، أن مجموعتين يابانيتين في صناعة السيارات، تتقدمهما «تويوتا» التي تتمتع بمبيعات قدرها 15 مليون سيارة، والأخرى بقيادة «نيسان» و«هوندا» وتحظى بمبيعات قدرها 10 ملايين سيارة، ستتمتعان باقتصادات حجم كافية بافتراض استمرار الانفصال بين الولايات المتحدة والصين.

وحذر، في مقابلة أجريت معه قبل إعلان الدمج: «رغم ذلك، ستحتاج شركات السيارات اليابانية إلى الاحتفاظ بحصة مهولة من مبيعات السيارات الهجينة عالمياً للحفاظ على مصانع المحركات في اليابان».

وهناك تداخلات كبيرة بين «نيسان» و«هوندا»، إذ يتركز الإنتاج في الولايات المتحدة واليابان، ما يخلق مجالاً كبيراً لتقليل الشركتين للتكاليف الثابتة.

ويرى نيكولاس سميث، الخبير الاستراتيجي في اليابان لدى «سي إل إس إيه سيكيوريتيز»، أن الوضع الديمغرافي في اليابان، الذي تنكمش فيه القوى العاملة وتزداد فيه سوق العمل ضيقاً، خلق بيئة جديدة تشجع عمليات الدمج المحلية لم تكن موجودة فيما مضى.

وعادة ما صعبت قوانين العمل اليابانية تسريح الموظفين، ما يعني أن العامل الجذاب الأبرز وراء الاندماج في دول أخرى، وهو خفض التكاليف المحتمل، ليس دافعاً في اليابان. وأضاف سميث: «بإمكانك إجراء عمليات الدمج حالياً لأنه لم يعد هناك فائض في القوى العاملة».