روبرت أرمسترونغ - إيدن ريتر

يدنو العام الجديد، ما يعني أنه الوقت المناسب لإعلان التوقعات. وفي الأسواق، قد تكون هذه التوقعات صائبة، أو خاطئة تماماً. ويُعدّ هذا أمراً طبيعياً. إذن، هل يجب أن يهتم من هم مثلنا من العاديين بتوقعات السوق؟ إجابتي هي نعم، لثلاثة أسباب:

السبب الأول هو أن المخاطرة بإعلان توقعاتك على الملأ تجبرك على اختبار افتراضاتك، وهي طريقة لإدراك ما تؤمن به حقاً.

ويكمن السبب الثاني في أن التوقعات تجبرك على إمعان النظر، وهي طريقة للتفكير بشأن ما هو مُتوقع بالفعل. وأخيراً، والأكثر أهمية، فإن إعلان التوقعات واكتشاف خطأها يُعد طريقة رائعة، إن لم تكن الأفضل، للتعلم.

ونحن نحتفي بموسم التوقعات بإلقاء الضوء على قطاعات سوق الأسهم. لكن بدلاً من متابعة كل قطاع على حدة، دعونا نضع في اعتبارنا بعض الموضوعات التي ستكون مهمة في عام 2025 وما قد تعنيه للقطاعات.

- ضيق السوق/ هيمنة الشركات ذات رؤوس الأموال الكبيرة: جاءت القطاعات الفائزة في عام 2024 في الطليعة بسبب الارتفاع الهائل لحفنة ضئيلة من أسهم الشركات الكبيرة للغاية. فعلى سبيل المثال.

جاء قطاع خدمات الاتصالات في المقدمة، ما يعود فقط إلى استحواذ 3 شركات كبيرة، هي «ألفابيت» و«ميتا» و«نتفليكس»، على قرابة 80% من رأس المال السوقي للقطاع وحظت كلها بأعوام رائعة.

وإذا حدث ما يتوقعه كل خبير استراتيجي في وول ستريت، واتسعت رقعة قيادة السوق في عام 2025، فستشهد السوق إذن إعادة هيكلة للقطاعات.

- ضجة الذكاء الاصطناعي: إذا كانت سردية «الذكاء الاصطناعي سيغيّر وجه كل شيء» ستفقد قدراً من بريقها في عام 2025، فربما يكون الابتعاد عن قطاع تكنولوجيا المعلومات هو الخيار الأنسب.

وتشكّل «مايكروسوفت» و«إنفيديا» و«برودكوم» قرابة نصف وزن القطاع. لكن أسهم المرافق ستكون الضحية الأقل وضوحاً، وهي التي حققت قفزة هذا العام بنسبة 25%، الأمر الذي يعود جزئياً إلى الطلب المُتوقع على الطاقة الذي تعززه مراكز البيانات.

- الولايات المتحدة والنمو الاقتصادي العالمي: إذا كنت تؤمن بأن التوسّع في أعقاب الجائحة ما زال قائماً، فعليك بالقطاعات الدورية التقليدية، خاصة القطاعين المالي والصناعي.

وسيتمثل الرهان الأكثر تناقضاً في تحقيق النمو العالمي، خاصة النمو الصيني، مفاجأة إيجابية، مما سيساعد قطاعي المواد والطاقة اللذين تراجع أداؤهما على نحو بالغ في عام 2024.

- التضخم والفائدة: ترجح السوق أن يظل التضخم متراجعاً، وأن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثلاث مرات. لكن ماذا لو تصاعد التضخم من جديد وظلت الفائدة قصيرة الأجل مرتفعة؟ ويتوقف الأمر على السبب، فإذا كان ارتفاع التضخم ناجماً عن النمو المفرط للاقتصاد، فسيشهد قطاعا الطاقة والمال أداء جيداً.

وإذا شهدت الولايات المتحدة ركوداً تضخمياً، فسيحدث ما لا تُحمد عقباه، لكن قطاعي السلع الأساسية والرعاية الصحية سيحققان أفضل أداء، على غرار ما حدث في عام 2022، بينما سيتضرر قطاع العقارات بسبب انخفاض الطلب وارتفاع الأسعار.

- سياسة إدارة ترامب: إن كنت تعتقد أن دونالد ترامب قادر على الوفاء بوعده بخفض أسعار الطاقة بمقدار النصف، فأنت تعلم ما ستفعله: ستبيع أسهم الطاقة والمرافق. وتتراجع أسهم شركات الرعاية الصحية بالفعل حتى من قبل وفاء ترامب بوعده بـ«القضاء على وسطاء الأدوية».

وقد تتأثر شركات التأمين ومُصنّعو الأدوية سلباً بسبب جهود إيلون ماسك وإدارة كفاءة الحكومة الرامية إلى خفض الإنفاق الفيدرالي. لكن تعهدات ترامب بتخفيف القيود التنظيمية من شأنها دعم القطاع المالي.

وبطبيعة الحال، فإن وجود الرئيس التنفيذي ومؤسس شركة «تسلا» (التي تشكّل خُمس قطاع السلع الاستهلاكية الكمالية) في البيت الأبيض سيكون عاملاً إيجابياً لهذه الشركة. لكن، بعد ارتفاع أسهم الشركة بنسبة 90% منذ الانتخابات، قد يكون كل هذا مُتوقعاً.

على صعيد آخر، سجل الريال البرازيلي أدنى مستوياته على الإطلاق الثلاثاء، مما تسبب في تدخل المصرف المركزي في السوق. والسبب في ذلك هو افتقار السوق للثقة في السياسة المالية للبرازيل.

وارتفع العجز البرازيلي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي منذ عودة الرئيس لويز إيناسيو لولا دا سيلفا إلى حكم البلاد في أوائل عام 2023. وأعرب المستثمرون عن استيائهم من الموازنة الأخيرة التي اقترحها حزبه التي ستخفض العجز السنوي المتنامي للبلاد، لكن ليس بنسبة كبيرة.

كما أنها لن تعالج مسألة ارتفاع مدفوعات الفائدة. إليكم رسماً بيانياً للعجز كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، ويُفصّل الرسم صافي مدفوعات الفائدة والعجز السنوي، ويعود الفضل في هذه التفاصيل إلى روبن بروكس، الزميل في معهد بروكنغز.

وارتفعت عوائد السندات على نحو مطرد على مدى العام، لتتصاعد إلى المستويات المرتفعة المُسجلة إبان الأزمة الاقتصادية التي ألمّت بالبلاد بين عامي 2014 و2017. كما انخفضت الأسهم البرازيلية، وإن كان بصورة أكثر تقلباً.

لكن هبوط قيمة الريال هو ما لفت انتباهنا حقاً. ويُعد هذا انعكاساً لحقيقة مُفادها أن جزءاً كبيراً من الديون البرازيلية مُقوّم بالريال ويملكه مستثمرون محليون.

وفي ضوء ذلك، قد تكون الحكومة منجذبة إلى حل مشكلاتها بشأن الموازنة عن طريق التلاعب بالعملة وليس الحد من العجز. إليكم تفسير تيري وايزمان، الخبير الاستراتيجي العالمي في أسعار الصرف والفائدة لدى «ماكواري غروب»:

«تكمن الفكرة في أنه إن لم تستطع دولة ما سداد ديونها بالعملة المحلية من خلال مزيد من الاقتراض، فسيضطر المصرف المركزي إلى أن يهرع لإنقاذ الموقف، وسيكون ذلك عن طريق طباعة النقود، مما سيخفض قيمة العملة.

أو قد تجبر الحكومة، المركزي، على الإبقاء على انخفاض الفائدة من أجل خدمة الديون بسهولة أكبر. لذا، فالأمر جله يعود إلى العملة بالنسبة للسوق».

وتبلغ الفائدة البرازيلية حالياً 12.3%، ويسجل التضخم مستويات قريبة من 5%. لكن التصريحات الأخيرة الصادرة عن الرئيس سيلفا وعدم رغبته في التراجع عن العجز، مثلت عوامل منحت المستثمرين سبباً للاعتقاد بأنه قد يحاول تقويض استقلالية المركزي من أجل تقليص العجز، فيبيعون العملة على إثر ذلك.

وتأخذ أزمات العملات في الأسواق الناشئة شكلاً مختلفاً حينما يكون الدين مُقوّماً في معظمه بالدولار الأمريكي، وهو ما شهده المستثمرون بالفعل في ثمانينيات القرن الماضي.

وحينما يتوجب على بلد ما خدمة ديونه المُقوّمة بالدولار، فسيتحتم على الحكومة مبادلة عملتها بالدولار، أو استغلال احتياطات المركزي من الدولارات، أو الحصول على حزمة مساعدات من صندوق النقد الدولي.

وقد تستبق السوق الحكومة في كثير من الحالات وتبيع عملة السوق الناشئة، ويكون هذا استجابة لارتفاع تكاليف الاقتراض أو استنزاف الاحتياطات، لا بسبب توقعات السوق بتبني سياسة نقدية متهورة.

وقد طرحت الكثير من الدول النامية ديوناً مُقوّمة بالعملة المحلية بالأعوام الأخيرة. وأثار هذا التحوّل قدراً كبيراً من الحماس، لأن التحوّل يقلل من الانكشاف على السياسة النقدية الأمريكية، ما يدعم الاستقرار المالي للأسواق الناشئة.

لكن الديون المُقوّمة بالعملة المحلية لا تقلل فقط إلا من المخاطر حتى حد معين. وإذا لم يعجب اتجاه السياسة المالية المستثمرين ولم يكونوا على ثقة من استقلال المركزي، فستنهار العملات.