مالكوم مور

خلال الأسبوع الماضي، وبالتزامن مع إعلان المملكة المتحدة عن خطتها الخمسية للوصول إلى نسبة 95% من الكهرباء المولدة من مصادر متجددة، ضربت ظاهرة «دنكلفلوت» أوروبا.

ويشتق هذا المصطلح من كلمتي dunkelheit (الظلام) وwindflaute (سكون الرياح) في اللغة الألمانية، وهو يشير إلى الأيام التي لا تولد فيها الألواح الشمسية أو توربينات الرياح أي طاقة.

ورغم أن هذه الظاهرة ليست شائعة، إلا أنها ليست نادرة أيضاً. فقد أدت، أخيراً، وفي ظل أيام متتابعة عدة خلت من توليد الطاقة المتجددة، مصحوبة بانخفاض في درجات الحرارة، إلى انتشار حالة من الذعر في أنحاء أوروبا.

وفي ألمانيا، قفزت أسعار الطاقة بالجملة إلى أعلى مستوى لها منذ 18 عاماً. وفي المملكة المتحدة، حقق أصحاب محطات الطاقة العاملة بالغاز أرباحاً طائلة. أما في النرويج، فقد اقترح السياسيون فكرة قطع الاتصال الكهربائي عن الدول الأخرى لتجنب تصدير الطاقة.

ولأن الطقس الهادئ والغائم عادة ما يؤثر على دول عدة في توقيت واحد، يصبح من الصعب معالجة المشكلة عن طريق استيراد الطاقة من الدول المجاورة. ومع كل مرة تضرب فيها ظاهرة «دنكلفلوت»، تتزايد الانتقادات بشأن عدم انتظام مصادر الطاقة المتجددة، وتتكاثر التساؤلات عما إذا كانت الشبكات الكهربائية في أوروبا هشة للغاية.

وعلى المدى المتوسط، تم اقتراح حلول مثل زيادة سعة تخزين البطاريات، والتوسع في استخدام الطاقة النووية، وحتى الاعتماد على الهيدروجين كمصادر بديلة لتحسين الوضع. وعلى سبيل المثال، تتوقع خطة المملكة المتحدة لعام 2030 أن ترتفع سعة تخزين البطاريات من 5 جيجاواط إلى ما بين 23 -27 جيجاواط.

ولكن الخطة تتضمن أيضاً حلاً آخر أكثر واقعية: وهو الإبقاء على معظم محطات الطاقة العاملة بالغاز في وضع الاستعداد، حتى مع تسارع الخطوات نحو تحقيق صافي انبعاثات صفرية. وفي هذا الإطار، طرح مستشار انتقال الطاقة البارز روب ويست تجربة فكرية ممتعة: ماذا لو كان مستقبلنا يتسم بمزيد من الطاقة بدلاً من التقليل منها؟

إن من أكبر التحديات في عصرنا الحالي هي فكرة أن العالم سيحتاج إلى استخدام كميات أقل من الطاقة لتحقيق أهدافه المناخية. ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة، استهلك العالم في عام 2023 ما مجموعه 445 إكسا جول من الطاقة. وإذا التزمت الحكومات بوعودها المناخية المعلنة، فإن هذا الرقم سينخفض إلى 434 إكسا جول بحلول عام 2050.

ومن الصعب التوفيق بين التباطؤ المتوقع في استهلاك الطاقة وبين التسارع الملحوظ في الطلب عليها عالمياً، خصوصاً في آسيا، في ظل العلاقة التاريخية الوثيقة بين استهلاك الطاقة ونمو الناتج المحلي الإجمالي.

وطرح روب ويست، الذي يدير شركة «ثاندر سيد إنرجي» المختصة في أبحاث انتقال الطاقة، فكرة مثيرة هي: ماذا لو مكنتنا التكنولوجيا من استخدام كل الطاقة التي توفرها الأرض؟ وفي تقريره، يشير ويست إلى أن «أغلب توقعات الطاقة طويلة الأمد تفتقر إلى الخيال.

فمعظم سيناريوهات انتقال الطاقة الحالية لا تفسح المجال لنمو الطلب، لهذا السبب كانت صدمة الذكاء الاصطناعي كبيرة عام 2024».

ويستهلك العالم حالياً نحو 80 ألف تيراواط/ساعة سنوياً، لكن ويست يشير إلى أن نحو 900 مليون تيراواط/ساعة من الطاقة الشمسية تصل إلى سطح الأرض سنوياً.

ومع التحسن المستمر في تقنيات أشباه الموصلات، يمكن أن تصبح الألواح الشمسية أكثر كفاءة، ما يؤدي إلى خفض أسعار الكهرباء إلى 1 سنت لكل كيلوواط/ساعة عالمياً. وفي هذا السيناريو، يفترض ويست أن وفرة الكهرباء الرخيصة ستغير أنماط حياتنا بشكل جذري: سنبني منازل أكبر، وسنزيد قدرتنا على الحوسبة، وسنستهلك المزيد من المنتجات.

ويقترح أيضاً بعض الأفكار المستقبلية، حيث سيؤدي رفع مستوى المواد من الفولاذ والخرسانة إلى بدائل عالية الأداء، مثل المواد المركبة المتقدمة وألياف الكربون والألمنيوم، إلى استخدام 10 آلاف تيراواط /ساعة سنوياً إضافية من الطاقة.

وسيضيف إعادة الطيران الأسرع من الصوت لـ 10% من الرحلات، لتقليل وقت السفر من لندن إلى سنغافورة إلى أقل من خمس ساعات، نحو 7 آلاف تيراواط/ساعة سنوياً. وستستخدم السيارات الطائرة الكمية نفسها.

ويقول إن توفير المياه المحلاة لتخضير مليار فدان من الصحراء سيستخدم ما بين 3500 تيراواط/ساعة سنوياً و30 ألف تيراواط/ساعة سنوياً، في حين أن نشر 10 آلاف آلة حفر أنفاق ضخمة لنقل حركة المرور تحت الأرض في المدن سيستخدم 876 تيراواط/ساعة سنوياً من الكهرباء.

وسيستهلك احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتحويله إلى كربونات الكالسيوم، إما للبناء أو لاستخدامه كحواجز أمواجٍ ساحلية أو أراضٍ جديدة، 2000 تيراواط/ساعة سنوياً مقابل 20 جيجا طن سنوياً.

إضافة إلى ذلك، لا يزال يرى مستقبلاً للنفط والغاز والفحم، التي ستظل قادرة على المنافسة مقابل تكلفة تخزين الطاقة الشمسية، إما في البطاريات أو عن طريق تحويلها إلى هيدروجين أخضر.

إنها وجهة نظر مختلفة، ولكن كما يقول ويست، على الرغم من أنه بدأ في كتابة بحثه «كخيال علمي»، إلا أنه خلص في النهاية إلى أن هذا النوع من تحول الطاقة القائم على التكنولوجيا «يمثل مساراً أكثر إثارة لتقدم الحضارة الإنسانية من النهج الذي يركز على تقليل استهلاك الطاقة».