روبرت أرمسترونغ - إيدن ريتر

ظلت إمكانية تعارض السياسة المتوقعة لإدارة دونالد ترامب مع سياسة الاحتياطي الفيدرالي باستقرار الأسعار موضوعاً للنقاش منذ ما قبل الانتخابات. ومنذ فترة طويلة ونحن نعلم، بشكل عام وضبابي، الإطار العام للتطلعات السياسية للرئيس الجديد:

ضرائب أقل، وهجرة أقل، وتعريفات جمركية أعلى، وعجز أقل في ميزان المدفوعات الجارية. وها قد جاء أول تلميحات الاحتياطي الفيدرالي تجاه كل هذا أيضاً بشكل عام وغامض.

لقد خفضت اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة، كما كان متوقعاً. لكن المشكلة لم تكن في قرارها، بل في توقعاتها. فقد أظهرت نسخة سبتمبر من ملخص التوقعات الاقتصادية، التي صدرت قبل الانتخابات، زيادة قدرها 50 نقطة أساس في معدل الفائدة المتوقع لنهاية العام المقبل.

والتوقع الحالي هو 3.9%، أي أكثر بقليل من تخفيضين فقط مقارنة بالمستويات الحالية. كذلك، ارتفعت التقديرات للتضخم في العام المقبل إلى 40 نقطة أساس لتصل إلى 2.5 %.

لكن ربما يكون العنصر الأكثر أهمية، هو زيادة حالة عدم اليقين لدى اللجنة بشأن التضخم. ففي سبتمبر، تراوح مدى توقعات التضخم لعام 2025 بين الأدنى والأعلى عند 30 نقطة، والآن اتسع هذا النطاق ليصل إلى 80 نقطة في التقرير الجديد.

والسؤال الطبيعي في مواجهة هذا التغير، هو إلى أي مدى عدلت الانتخابات من توقعات اللجنة؟ وقد دفع ذلك العديد من الصحافيين إلى التساؤل، وتركزت أسئلتهم على التأثير التضخمي للتعريفات الجمركية. وكانت إجابة باول، مقلقة بعض الشيء، وكان فيها جانبان مهمان.

قال أولاً: هذه مسألة لا تواجهنا الآن، ولا نعلم متى سنواجهها. ما تفعله اللجنة حالياً هو مناقشة المسارات وفهم السبل التي يمكن للتعريفات الجمركية أن تؤدي إلى التضخم في الاقتصاد.

وبهذا نتخذ موقفاً إلى أن نرى ما هي السياسات الفعلية، لإجراء تقييم حذر ومدروس لما يجب أن تكون عليه الاستجابة الملائمة».

يبدو هذا معقولاً. لكنه أردف: اتخذ بعض الأشخاص في اللجنة خطوة أولية للغاية وبدأوا في دمج تقديرات مشروطة للغاية لآثار السياسة الاقتصادية في تقديراتهم في هذا الاجتماع. وقال بعضهم إنهم لم يفعلوا ذلك، ولم يعلن البعض الآخر عما إذا كانوا فعلوا ذلك أم لا».

وتابع: «حدد البعض عدم اليقين السياسي باعتباره سبباً لتسجيل المزيد عن عدم اليقين بشأن التضخم. ونقطة عدم اليقين هي شكل من أشكال التفكير المنطقي، لأنه عندما يكون المسار أكثر غموضاً ستتخذ خطوات أبطأ، فالأمر ليس مختلفاً عن القيادة في ليلة ضبابية أو دخول حجرة مظلمة مليئة بالمتاع».

يبدو لنا أن التصريحين متسقان في ظاهرهما، إذ يشيران إلى أن السياسات المحتملة للرئيس المنتخب ترامب لم تؤثر على سعر الفائدة، لكن تم تضمينها في تقرير ملخص التوقعات الاقتصادية.

رغم ذلك، فإن الحقيقة أكثر تعقيداً، والتصريحان متناقضان، لأن التوقعات الاقتصادية للبنوك المركزية هي التي تصنع السياسات.

وكان هذا التناقض واضحاً في رد فعل السوق. فمع إظهار الفيدرالي قلقاً متزايداً بشأن التضخم المتوقع نتيجة سياسات ترامب، وتبنيه توجيهات أكثر تشدداً بناءً على ذلك، شهدت الأسواق اضطرابات ملحوظة.

وانخفض مؤشر «إس آند بي 500» بنسبة 3%، وارتفعت عوائد السندات لأجل عامين بمقدار 14 نقطة أساس، فيما صعدت عوائد السندات لأجل 10 أعوام بمقدار 10 نقاط أساس. أما أسهم الشركات ذات رؤوس الأموال الصغيرة، التي استفادت سابقاً مما يعرف بـ «تداولات ترامب».

فقد تكبدت خسائر كبيرة، لتتخلى عن جميع المكاسب التي حققتها منذ الانتخابات.هل ارتكب أعضاء اللجنة الفيدرالية خطأ باعتقادهم في معرفة ما ستكون عليه سياسات ترامب وكيفية تأثيرها على مسار الفائدة؟

وبفعلهم ذلك، هل كانت توقعاتهم تنطوي على تحيزات سياسية؟ ستكون إجابتنا عن كلا السؤالين بنعم، إذ يبدو الجميع وكأنهم يعرفون ما ستفعله الإدارة الثانية لترامب.

لكن أسلوب القيادة المتسم بالتقلب الذي ينتهجه الرئيس المنتخب، واختياراته الوزارية غير المتجانسة، وهيمنة حزبه على غرفتي الكونجرس بهامش ضئيل، عوامل تعني أنه من الحماقة أن يتحلى المرء بالثقة.

وتجدر الإشارة إلى أن الحجج التي تذهب إلى أن التعريفات الجمركية والسياسة بشأن المهاجرين سيتسببان في استمرار ارتفاع التضخم لا تستند لأساس راسخ، وتفاقم من مشكلة الثقة المفرطة، وتبدو مفعمة بالتحيز. وقبل الإلقاء باللوم على باول وزملاؤه، دعونا نتذكر ثلاثة أمور:

-الأول: توجد لدى اللجنة أسباب وجيهة غير سياسية لرفع توقعاتها بشأن التضخم. فقد كان آخر تقريرين لمؤشر تضخم أسعار المستهلكين مخيبين للآمال، وتواصل النمو بقراءات تفوق التوقعات.

وفي واقع الأمر، ذهب كثير من الخبراء إلى أن خفض الفائدة كان قراراً خاطئاً (ولكم أن تتخيلوا شكل استجابة السوق لو كان الفيدرالي قرر تثبيت الفائدة). وشهدت الفترة الماضية عموماً عملية إعادة تقييم للتوقعات بشأن عام 2025، فلا تفرطوا في تقدير الجانب السياسي من الأمر.

-الثاني: ما زلنا تائهين في غياهب التوقعات ولم تنشب بعد الحرب الحقيقية بين السياسة المالية لترامب والسياسة النقدية للفيدرالي لكن واقع الأمور سيتغير بمجرد أن يثور غبار هذه المعركة التي لن تكون بالضرورة معركة دامية.

فقد انخرط بول فولكر، الرئيس الأسبق للفيدرالي، والرئيس حينها رونالد ريغان، في معركة شد وجذب في ثمانينيات القرن الماضي، لكن البلاد بقيت في حال جيدة.

-أخيراً: ينبغي عدم المبالغة في قراءة رد فعل السوق. فتقييمات الأسهم تسجل مستويات مرتفعة تاريخية، واستمرت السوق الصاعدة لمدة طويلة. كما أن التوقعات بخفض الفيدرالي للفائدة في العام المقبل مترسخة. وفي بيئة كهذه، لن تتطلب زعزعة سوق الأسهم أكثر من زيادة طفيفة في التوقعات بشأن الفائدة، وهو أمر يجدر بترامب وباول وضعه في اعتباراتهما.