إيمي ويليامز
ينتقل تاكاهيرو موري على متن طائرة خاصة لعقد اجتماعات مع كبار المسؤولين في واشنطن، وجلسات تفاوض عاجلة مع عمال الصلب في المناطق الصناعية، بينما تتبقى أيام قليلة لإنقاذ أهم صفقة في حياته المهنية.
يجب على المسؤولين الأمريكيين اتخاذ قرار بشأن ما إذا كانوا سيسمحون لشركته «نيبون ستيل» بإتمام صفقة اندماج بقيمة 15 مليار دولار مع شركة «يو إس ستيل»، وهي الشركة العريقة، التي تتخذ من بيتسبرغ مقراً لها.
والتي تأسست مع بداية ازدهار الصناعة الأمريكية في أوائل القرن العشرين، ولم تكن سياسة التودد التي ينتهجها موري وليدة اللحظة، بل استغرق إعدادها أشهراً، إلا أن احتمالات نجاحها تتضاءل.
وتنقسم آراء المسؤولين الأمريكيين، الذين سيصدرون قرارهم بشأن الصفقة، اليوم الاثنين، مما يعني أن القرار النهائي قد يكون بيد الرئيس جو بايدن، الذي صرح بالفعل بمعارضته لصفقة اندماج الشركة اليابانية مع الشركة الأمريكية، وهو الرأي الذي يوافقه فيه الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
ويقف على المحك في هذه الصفقة وظائف في أنحاء حزام الصدأ في الولايات المتحدة، وكيف تعتقد واشنطن أنها قادرة على الحفاظ عليها، سواء كان ذلك عن طريق الحمائية، التي دعا إليها كل من بايدن وترامب أثناء الحملات الانتخابية بهذا العام، أو بالاعتماد على الشركات الأجنبية ذات الموارد المالية الهائلة مثل «نيبون ستيل».
ومن شأن القرار أن يبعث برسائل إلى اللاعبين الدوليين بشأن ما إذا كانت الولايات المتحدة، التي لطالما كانت السوق الخارجية الأكثر أهمية بالنسبة للشركات اليابانية، ما زالت مرحبة بالاستثمارات الأجنبية من حلفائها في أوروبا وشرق آسيا، ويأتي ذلك بعدما تعهد ترامب بتقديم حوافز لتشجيع الشركات على الاستثمار في الولايات المتحدة.
توجد أصوات قوية مشككة في الصفقة حتى في منطقة مون فالي المحيطة ببيتسبورغ، حيث ركزت «نيبون ستيل» حملتها لكسب العقول والقلوب، وحذرت «يو إس ستيل» من فقدان الوظائف حال حظر الصفقة.
وتُعد نقابة عمال الصلب «يونايتد ستيل ووركرز يونيون» أكبر جهة معارضة للصفقة، وكذلك رئيسها، ديف ماكول، الذي ظل ناقداً شرساً للصفقة على الرغم من التماسات موري وزملائه من المسؤولين التنفيذيين في جانبي المحيط الهادئ.
وفي مقابلة أُجريت بمقر النقابة في بيتسبورغ قال ماكول إنه يحتاج إلى ضمان من «نيبون ستيل» بأنها ستحمي الوظائف، لكنه يشك بأن الشركة اليابانية ستغلق مصنعها في الولايات المتحدة لجلب الصلب الأجنبي الأرخص.
وتابع: «نعتقد أنهم سينسحبون في نهاية المطاف»، وأوضح: «سيستغلون أصولنا، وأفران الصهر لدينا، وسيكونون قادرين بعد ذلك على استيراد منتجات من السعة الفائضة في اليابان ودول أخرى ينتجون فيها إلى داخل الولايات المتحدة».
وتنكر «نيبون» هذا بقوة، وفصّلت خططها بشأن كيفية إنفاقها 2.7 مليار دولار على بناء سعة إنتاجية جديدة بالولايات المتحدة في غاري وإنديانا ومون فالي.
وفي واحدة من مدن وادي «مون فالي»، وهي كليرتون، تعرض سكانها إلى وابل من الإعلانات الإذاعية وعلى التلفاز، بالإضافة إلى منشورات تروج للاستثمارات والوظائف التي تعهدت بها «نيبون».
وقال دون فوركو، الرئيس السابق للفرع المحلي لنقابة عمال الصلب في مدينة كليرتون: «أحاول مشاهدة مباراة كرة القدم، لكنهم لا يكفون عن إذاعة الإعلانات عن نيبون!».
وأوضح فوركو أنه وزملاؤه يتبنون وجهة نظر «معارضة تماماً» للصفقة. واستطرد: «الناس قلقون بشأن معاشاتهم التقاعدية، ويعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تصنع صلبها الخاص.. هذا ليس نابعاً من العداء تجاه الأجانب، وإنما من مُنطلق وطني».
ويتردد صدى أوجه القلق هذه في جنبات واشنطن، وسيضع القرار الذي سيصدر اليوم حداً لصراع الشركات الذي كان سمة معرفة للانتخابات، لا سيما في ولاية بنسلفانيا المتأرجحة.
وما زالت لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة هي أكبر عائق أمام «نيبون»، وهي اللجنة الفيدرالية المُشتركة بين الولايات التي تقيّم تداعيات الاستحواذات الأجنبية على الأمن القومي، وما لم توافق اللجنة بإجماع الأصوات على الصفقة فسيعود الأمر، سواء بالموافقة أو الرفض، إلى بايدن في نهاية المطاف.
وفي نهاية الأسبوع الماضي بعثت وزارة الخزانة الأمريكية، التي ترأس لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، بخطاب إلى المحامين الذين يمثلون «نيبون ستيل» و«يو إس ستيل» عرضت فيه أوجه القلق التي تساور اللجنة بشأن الصفقة.
ومن بين المخاوف التي أعربت عنها الوزارة في الخطاب المُكوّن من 29 صفحة، واطلعت عليه «فاينانشال تايمز»، احتمالية اتخاذ الشركة اليابانية لقرارات مستقبلية من شأنها التقليل من السعة الإنتاجية الأمريكية المحلية لإنتاج الصلب، وإجبار الولايات المتحدة على أن تكون شديدة الاعتماد على الواردات.
وخَلُصَت ثلاث وكالات على الأقل تضمها اللجنة، تشمل وزارات الخزانة والدفاع والخارجية، إلى أن صفقة الاستحواذ على شركة تصنيع الصلب الأيقونية لا تشكّل أي أخطار أمنية.
ومع ذلك تأتي كاثرين تاي، الممثلة التجارية الأمريكية، من بين الفريق المعارض للصفقة، بحسب مصادر على اطلاع بالمفاوضات.
وبغض الطرف عما ستقرره إدارة بايدن سيتردد صدى تداعيات القرار فيما بين واشنطن وطوكيو، وستكون بمثابة إشارة على الموقف الأمريكي بشأن الحماية حتى بعد عودة ترامب إلى المكتب البيضاوي بتعهداته بفرض تعريفات جمركية أكثر صرامة.
وعلى الصعيد المحلي أفاد مؤيدو الصفقة أن الكثير من الوظائف تقف على المحك. وحذر ديفيد بوريت، الرئيس التنفيذي لـ«يو إس ستيل» في سبتمبر الماضي، من إغلاق الشركة لبعض مصانعها ونقل مقرها خارج بيتسبورغ إذا انهارت الصفقة مع «نيبون».
وذكر جاك ماسكيل، نائب رئيس الوحدة المحلية لنقابة عمال الصلب في مدينة ويست ميفلين جنوبي شرق بيتسبورغ: «نحن بمثابة قنبلة موقوتة هنا في مون فالي حال عدم إتمام هذه الصفقة».
وقال جيسون زوغاي، رئيس الفرع ذاته، إن غالبية أعضاء النقابة المحلية دعموا الصفقة باعتبارها فرصة لإنقاذ الوظائف وتأمين مصانعهم والمنشآت المُصنّعة للصلب.
وحصل زوغاي، وهو مؤيد لبايدن، على فرصة للضغط على ترامب في أثناء اتخاذ صورة بمدينة بيتسبورغ في الليلة السابقة للانتخابات في نوفمبر. وقال: «اصطحبت ابنتي البالغة من العمر 12 عاماً معي لكي تمنحني فرصة أفضل للتحدث معه بينما كانت تُلتقط الصورة».
وأضاف: «أخبرته: لقد قلت إنك ترغب في استثمارات أجنبية وإنك تريد إنقاذ الوظائف، وستحقق كلا الأمرين من خلال هذه الصفقة».
وذكر:«طلبت منه ألا يعلن أنه سيضع حداً للصفقة، ليس في هذا المؤتمر الانتخابي الذي أحضرت إليه كل هؤلاء العاملين في إنتاج الصلب لرؤيته». وقال: «لم يقل إنه سينهي الصفقة، ولم يتحدث عن الأمر لأسابيع».
وفي أوائل ديسمبر نشر ترامب، الذي سيحل محل بايدن في البيت الأبيض يوم 20 يناير المقبل، على موقع «تروث سوشيال» أنه سيوقف الصفقة.
من ناحيته أنكر ماكول أنه التقى أو تحدث مع ترامب. وقال: «لقد بعثنا إليه بخطاب وقلنا له، كما تعلم، نعرف أن هناك الكثير من المشكلات، ونعتقد أنه يمكننا العمل معًا، ونرغب في فتح حوار.
وبالنسبة لنا، فالأمر يتعلق بأعضائنا، وأمن وظائفهم، وأمانهم الاقتصادي، وكذلك أمن تقاعدهم»، مضيفاً: «لذلك فإننا ندعم أي شخص يدعم هذه السياسة».