مارتن ساندبو

يواجه الاتحاد الأوروبي معضلة كبرى، ففي حين يتفق الجميع تقريباً على أهمية توصيات ماريو دراجي لزيادة نمو الإنتاجية، لا يكاد أحد يتوقع أن تتوصل الدول الأعضاء إلى اتفاق حول السيادة المشتركة والموارد اللازمة لتحقيق هذه التوصيات.

وتعود هذه المعضلة إلى عدة أسباب، منها الخلافات السياسية بين الدول السبع والعشرين، والمنافسة التجارية الوطنية، وإحجام القادة عن إعطاء الأولوية للإجراءات الفنية المعقدة، خاصة مع وجود اعتراضات قوية عليها في الأوساط المحلية.

كذلك أدّى سبب أو أكثر إلى إعاقة تقدم الاتحاد المصرفي واتحاد أسواق رأس المال حتى الآن. كما أسفر عن تأخير الاستثمارات المشتركة الضخمة في التحول إلى اقتصاد منخفض الكربون والدفاع، وعرقل استكمال السوق الموحدة، وأرجأ وضع سياسات اقتصادية دولية أكثر استراتيجية دون فقدان مزايا الانفتاح الأوروبي.

علاوة على ذلك، فإن آلية الشراكة الفرنسية الألمانية التقليدية في أوروبا تبدو وكأنها عفا عليها الزمن، مثلما هي الحال مع محرك الاحتراق الداخلي في الصين، فباريس باتت عاجزة في أعقاب الانتخابات التي أسفرت عن برلمان يفتقر إلى الأغلبية، في حين تقود برلين حكومة فقدت تأييد الناخبين منذ فترة طويلة، ويبدو أنها تواجه خلافات داخلية. وحتى عندما تتفق الدولتان ظاهرياً، كما حدث قبل عام عندما نشرا خارطة طريق مشتركة لاتحاد أسواق رأس المال، فإنهما لا يدفعان الاتحاد الأوروبي للمضي قدماً في هذا الاتجاه.

وإذا كان لأوروبا أن تحرز أي تقدم، فلن يحدث ذلك باستخدام الأساليب التقليدية. لكن ماذا لو تمكنت مجموعة من الدول التي تتمتع بالثقة المتبادلة وتتقاسم تفضيلات سياسية متشابهة من تشكيل «تحالف الراغبين» للدفع نحو تعميق التكامل، كما يقترح دراجي وآخرون، فبموجب الأحكام الواردة بمعاهدات الاتحاد الأوروبي، يسمح «تعزيز التعاون» لتسع دول على الأقل بالمضي قدماً بدعم كامل من مؤسسات الاتحاد الأوروبي عندما يكون من الصعب تحقيق اتفاق أوسع نطاقاً.

دعونا هنا نلقي نظرةً على الشمال، حيث تتعاون دول البلطيق الثلاث مع الدول الاسكندنافية الثلاث في إطار «مجموعة دول الشمال والبلطيق». وعلى مدى السبعين عاماً الماضية، تمتعت هذه الدول بحرية السفر والتنقل دون جوازات سفر، فضلاً عن توافقها في العديد من القضايا، مثل: التنظيم المالي، والشؤون المالية، والدفاع، والأمن، والتجارة، والمناخ.

وبإضافة أيرلندا وهولندا لإعادة تشكيل ما كان يُعرف قبل عدة سنوات باسم «الرابطة الهانزية الجديدة»، فسيؤدي ذلك إلى إنشاء أكثر الأسواق المالية تقدماً في الاتحاد الأوروبي. وهذه الدول الثماني مجتمعة تضاهي فرنسا تقريباً من حيث عدد السكان، والحجم الاقتصادي، كما أن قوتها تكمن في اتحادها.

ومن السهل تصور كتلة موحدة تركز على إطار «البلدان الست في الشمال الأوروبي والبلطيق» قادرة على استقطاب عدد كاف من البلدان الأخرى، وربما بلدان متباينة في مختلف مجالات السياسيات، للحفاظ على النصاب القانوني للبلدان التسع لتعزيز التعاون.

ويمكن لمثل هذا التحالف أن يبدأ بعنصرين أساسيين من أجل تحقيق اقتصاد أوروبي أكثر ديناميكية: اتحاد أسواق رأس المال، الذي يتضمن لوائح أكثر شيوعاً والإشراف والتداول المالي، ونظام لقانون الشركات يعمل كبديل اختياري للتأسيس الوطني للشركات الراغبة في ممارسة الأعمال التجارية وجمع رأس المال على نطاق أوسع.

إن المزايا الاقتصادية هنا واضحة، فهذه المنطقة الخلاقة، والتي تتمتع بأسواق مالية أفضل أداءً من بقية أوروبا من شأنها أن تعزز قدرة رواد الأعمال في الاتحاد الأوروبي على جمع رأس المال وتوسيع أنشطتهم دون الحاجة إلى الانتقال عبر الأطلسي، كما ستستفيد القطاعات المالية في المنطقة.

وثمّة فوائد سياسية أيضاً، فبوسع هذه البلدان القيام بما تريده دون عائق الحاجة إلى التوصل لتسوية مع الكتلة الأوسع. وإذا أردنا أن نكون أكثر طموحاً، فإن مجرد احتمال وجود مثل هذا التحالف قد يخفف الجمود الحالي، حيث ستخشى الدول الأخرى أن تتخلف عن الركب. وقد تنضم دول أخرى لاحقاً، ولكن وفق الشروط التي حددها المشاركون الأوائل، وهناك فوائد طائلة للدول السباقة بصفتها ستكون من الرواد.

ومن عجيب المفارقات أن هذه الدول كانت غالباً ما تتفق في الرؤى المتعلقة بإبطاء التكامل، بدلاً من تعزيزه. وعلى هذا فإن تبني هذا النهج سيتطلب تغييراً جوهرياً في الكيفية التي ينظر بها الجناح الشمالي لأوروبا. وبدلاً من التصرف كلاعبين صغار يشككون في القوى القارية، ستحتاج المنطقة للنظر إلى نفسها كقائدة لأوروبا وسط عالم جديد محفوف بالمخاطر. كما يجب على المفوضية الأوروبية أن ترحب بتعزيز التعاون كحافز للتقدم، وليس مصدراً للتهديد.

والقيادة اللازمة لتحقيق هذه الغاية موجودة، فبوسع شخصيات أمثال الرئيس الفنلندي، ألكسندر ستوب، المؤيد القوي لأوروبا، تولي زمام المبادرة بين زعماء المنطقة، الذين يتعين عليهم التحلي بالشجاعة لإلهام مواطنيهم ليصبحوا دعاة للتغيير بدلاً من المقاومة الحذرة للقوى التقليدية للاتحاد الأوروبي. وإذا نجحت هذه المبادرة، فلن يقتصر الأمر على الجناح الشمالي للاتحاد الأوروبي فحسب، بل يمكنهم الارتقاء إلى مستوى التحدي معاً وتغيير سياسات القارة بأكملها.