رافع الدين - ماري نوفيك

توقع خبراء استراتيجيون في وول ستريت، أن تحقق أسواق الأسهم والسندات أداءً قوياً في عام 2025، إلا أن قرارات الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب وخياراته السياسية، تُلقي بظلال من عدم اليقين على المستثمرين.

وأكد الخبراء أن السياسات التي ينوي ترامب تطبيقها، مثل فرض رسوم جمركية وتخفيضات ضريبية، ستبقى حاسمة في تشكيل ملامح الأسواق المالية. وفي الوقت نفسه، تسعى البنوك إلى تجنب تكرار أخطاء العام الماضي، عندما توقعت حدوث ركود اقتصادي لم يتحقق.

كما توقع المحللون أن تشهد عائدات السندات الحكومية الأمريكية انخفاضاً، مع تراجع معدلات التضخم خلال النصف الأول من العام المقبل، غير أن الضبابية المحيطة بقرارات ترامب المرتقبة فور توليه منصبه، تثير انقسامات حادة في التوقعات بشأن المستقبل.

وأظهر استطلاع أجرته صحيفة «فاينانشال تايمز»، شمل عشرة بنوك كبرى، من بينها «غولدمان ساكس»، و«بنك أوف أمريكا»، و«إتش إس بي سي»، تفاؤلاً عاماً بشأن العام المقبل، مع استمرار العديد من الاتجاهات التي ميزت عام 2024.

وبصورة عامة، تشير التقديرات إلى انخفاض العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى حوالي 4.1 %، مقارنة بمستواه الحالي عند 4.49 %. وقدم بنك «مورغان ستانلي» توقعاً أكثر تفاؤلاً، بانخفاضه إلى 3.6 %، بينما يتوقع «دويتشه بنك» ارتفاعه إلى 4.7 %. ويُشار إلى أن العائدات تنخفض عندما ترتفع أسعار السندات.

وقال فيشواناث تيروباتور من «مورغان ستانلي»، إن الاحتياطي الفيدرالي سيواجه وضعاً معقداً، مع بدء إدارة ترامب عملها بشكل كامل. ويتوقع «مورغان ستانلي» أن يستمر الفيدرالي في خفض أسعار الفائدة حتى منتصف العام، لكن الضغوط التضخمية الناتجة عن الرسوم الجمركية الواسعة، قد تدفعه إلى «التوقف المؤقت».

في المقابل، يعتقد «دويتشه بنك» أن السوق مفرط في تفاؤله، مشيراً إلى أن سياسات مثل التيسير المالي، وتخفيف القيود التنظيمية، وتشديد سياسة الهجرة، والرسوم الجمركية الشاملة، ستزيد من الضغوط التضخمية.

وبدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي بالفعل في إبطاء وتيرة تخفيض أسعار الفائدة. ووُصف قراره الأخير هذا الشهر بأنه «تخفيض متشدد»، بعد أن خفض توقعاته لعدد تخفيضات أسعار الفائدة في عام 2025، مع تضمين التأثيرات المحتملة لسياسات ترامب في توقعاته الاقتصادية.

وفي سوق الأسهم، تتوقع البنوك أن يصل مؤشر «إس آند بي 500» القياسي إلى مستويات جديدة العام المقبل، لكن معظمها يرى أنه سيحقق أداءً أقل من المتوسط التاريخي البالغ 11 %.

وتتوقع تسعة من بين عشرة بنوك أن يرتفع المؤشر، الذي قفز بنسبة 23 % هذا العام إلى حوالي 5,930 نقطة، بنسبة تقارب 10 % في عام 2025، ليصل إلى حوالي 6,550 نقطة. بينما يتوقع سوسيتيه جنرال انخفاضه إلى 5,800 نقطة.

أما دويتشه بنك، فيتوقع أن يصل المؤشر إلى 7,000 نقطة، مدعوماً بالقوة المستمرة للاقتصاد الأمريكي، لكنه أشار إلى أن توقيت التغييرات المحتملة في السياسات تحت إدارة الرئيس الجديد، سيكون حاسماً لأداء السوق.

وأكد البنك أن شهية المستثمرين الكبيرة تجاه أسهم الذكاء الاصطناعي، ستستمر في تعزيز هذا الارتفاع. وقال بانكيم شادا كبير استراتيجيي الأسهم الأمريكية في دويتشه بنك: «رغم أن التقييمات مرتفعة بشكل واضح، إلا أنها مرشحة للاستمرار، وربما للارتفاع أكثر».

وأشار بعض المحللين إلى أنهم ما زالوا في انتظار إشارات واضحة، تثبت أن التكنولوجيا ستسهم فعلياً في تعزيز الإيرادات لدى الشركات.

وقال درو بيت المحلل في «سيتي جروب»: «نلاحظ حماساً مفرطاً من قبل المستثمرين، ما قد يتسبب في نتائج أكثر تعقيداً خلال عام 2025. كما أن الضبابية المتعلقة بسياسات ترامب، تزيد من الضغوط على المؤشر، ونتوقع رحلة مليئة بالتقلبات. وفي النهاية، لن يكون الأمر سهلاً».

وبالنسبة للأسهم الأوروبية، تتوقع البنوك أن تشهد ارتفاعاً، مدعومة بعوامل مثل خفض البنك المركزي الأوروبي لأسعار الفائدة بوتيرة أسرع، أو انتهاء الحرب في أوكرانيا، أو استقرار الوضع السياسي في فرنسا وألمانيا.

ورجحت خمسة بنوك من بين عشرة شملها الاستطلاع، ارتفاع الأسهم الأوروبية في العام المقبل، بينما كان بنك «يو بي إس» الوحيد الذي توقع تراجع السوق. وقال جيري فاولر رئيس استراتيجية الأسهم الأوروبية في البنك السويسري، إن السوق الحالية تُعتبر جاذبة من حيث التكلفة.

لكنها من المتوقع أن تستمر في التحرك ضمن نطاق جانبي العام المقبل. وأضاف: «يبدو أن عجلة الاقتصاد الأوروبي قد توقفت. وهناك عدد قليل جداً من المستثمرين المتفائلين، فعام 2025 يلوح في الأفق مليئاً بالتحديات لأوروبا».

وعلى صعيد العملات، توقع أكثر من نصف البنوك التي شملها الاستطلاع، أن تدفع سياسات ترامب الدولار إلى مستويات أعلى العام المقبل، رغم مخاوف الرئيس المنتخب بشأن تأثير ذلك في قدرة أمريكا التنافسية مع شركائها التجاريين.

وتراهن وول ستريت على أن يصل الدولار إلى نقطة التكافؤ مع اليورو، الذي شهد أكبر انخفاض بين عملات مجموعة العشر، بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر، وقد قفز الدولار من 1.11 دولار لليورو، إلى دون 1.04 دولار منذ نهاية سبتمبر.

وأشار كاماكشيا تريفيدي رئيس استراتيجية العملات وأسعار الفائدة والأسواق الناشئة في غولدمان ساكس، إلى أن اعتماد ترامب على الرسوم الجمركية كأداة سياسية، ساهم في رفع الأسعار الفورية للعملات.

ويتوقع بنك أوف أمريكا أن يواصل الدولار قوته في بداية 2025، لكنه قد يتراجع إلى 1.10 دولار مقابل اليورو بنهاية العام، مع تفاعل السوق مع «عاصفة الرسوم الجمركية المثالية» المتوقعة، بدلاً من السياسات المطبقة.

وبعد عام مذهل، مدفوعاً بالأزمات الجيوسياسية في أوكرانيا والشرق الأوسط، يبدو أن الذهب مهيأ لمواصلة صعوده. ويؤكد المحللون أن زيادة الطلب من البنوك المركزية، إلى جانب مخاوف التضخم والإنفاق المالي المفرط، ستشكل العوامل الداعمة لهذا الارتفاع في العام المقبل.

وبينما توقع بنكا «غولدمان ساكس» و«بنك أوف أمريكا»، أن يرتفع سعر المعدن النفيس بنحو 13 %، ليصل إلى 3,000 دولار للأونصة الترويسية، وهو أقل بكثير من المكاسب المحققة هذا العام.

في المتوسط، تتوقع البنوك الكبرى ارتفاعاً بنسبة 8 %، ليصل السعر إلى 2,860 دولاراً. وعلى النقيض من ذلك، أبدى بنك «مورغان ستانلي» نظرة مختلفة، متوقعاً استقرار الأسعار عند مستوياتها الراهنة، نتيجة ضعف الاقتصاد الصيني، الذي يحد من الطلب على الذهب.

وبالنسبة للنفط، تتوقع البنوك استمرار تراجع خام برنت إلى حوالي 70 دولاراً للبرميل بنهاية العام المقبل، رغم إعلان أوبك+ عن تأجيل زيادة الإنتاج لدعم الأسعار، حيث بلغ سعر البرميل 72.80 دولاراً يوم الجمعة.

وقالت كيم فوستيي من «إتش إس بي سي»، إن تحركات أوبك+ لن تغير اتجاه الأسعار بشكل كبير، وأضافت: «من المتوقع أن ينمو إنتاج الدول غير الأعضاء في أوبك بشكل أسرع من الطلب في 2025-2026، ما يحد من قدرة المجموعة على إنهاء تخفيضاتها».

من جهته، قال بنك «غولدمان ساكس»، والذي كان قد أبقى على توقعاته لسعر برنت في 2025 عند 76 دولاراً للبرميل، إن المخزونات التجارية تراجعت بشكل واضح في الأشهر الأخيرة، وأن الأسعار ستستفيد من عمليات إعادة تخزين استراتيجية في الولايات المتحدة والصين خلال العام المقبل.