على الرغم من الأضرار التي تسببها الحروب التجارية المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، إلا أنها تعكس توازناً واضحاً بين القوتين، فبينما تشدد واشنطن القيود على تصدير التكنولوجيا، وأجهزة تصنيع أشباه الموصلات إلى الصين، ترد بكين بحظر تصدير المعادن والموارد الأساسية المستخدمة في نفس التطبيقات العسكرية والتكنولوجية.

ولطالما كانت هذه ورقة قوة بيد بكين، التي تسيطر على إنتاج 98% من الغاليوم، و 60% من الغرمانيوم عالمياً، وذلك وفقاً لبيانات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، ناهيك عن هيمنتها على معادن نادرة أخرى، تستخدم في التقنيات المتقدمة، مثل الطائرات المقاتلة F-35، والنظارات الليلية، والسيارات الكهربائية، ورغم أن هذه الموارد ليست نادرة بالمعنى الحرفي، إلا أن استخراجها يشكل تحدياً كبيراً.

وتشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية كذلك إلى أن الحظر الصيني قد يكلف الاقتصاد الأمريكي حوالي 3.4 مليارات جنيه استرليني (4.27 مليارات دولار) من الناتج الاقتصادي، لكن بالنسبة لاقتصاد يولد هذا الرقم في أقل من ساعة فإن التأثير يبدو محدوداً.

وحتى في أسوأ السيناريوهات فإن ارتفاع هذا الرقم إلى نحو 9 مليارات دولار يظل غير مؤثر بشكل كبير، لكن هذا التقدير قد يغفل جوانب أخرى؛ فبينما تسرّع الصين من جهودها لتحقيق الاكتفاء الذاتي في صناعة الرقائق لا تزال الشركات الأمريكية تعتمد بشكل كبير على المعادن الحيوية الصينية.

وأدت هيمنة الصين غير المسبوقة على إنتاج الغاليوم إلى جعل المنافسة مستحيلة اقتصادياً على الشركات الصغيرة، كما أن إعادة تشغيل المصانع المغلقة أو توسيع الطاقة الإنتاجية في دول مثل كازاخستان، المجر، وألمانيا سيستغرق وقتاً طويلاً، ولن يحدث بين عشية وضحاها.

وفي داخل الولايات المتحدة تبدو التحديات أكثر تعقيداً، حتى عندما يتعلق الأمر باستخراج الغاليوم من المصاهر القائمة مثل تلك التي تنتج البوكسيت أو الزنك. وعلى سبيل المثال لم تحقق شركة «نيرستار» المملوكة لمجموعة «ترافيجورا» تقدماً يذكر في مصنعها لصهر الزنك في تينيسي، رغم قدرته على تلبية 80% من الطلب الأمريكي السنوي على الغاليوم والغرمانيوم.

والحل يكمن في زيادة الدعم الحكومي أو توفير تمويل مرن يسمح بتجاوز التكاليف المتزايدة، والنموذج على ذلك مصفاة المعادن النادرة في أستراليا، التي استعادت نشاطها بعد عام من المفاوضات، لتوافق الحكومة في نهاية الأمر على تقديم تمويل إضافي بقيمة 400 مليون دولار أسترالي، بجانب دعم سابق قدره 1.25 مليار دولار أسترالي تم الاتفاق عليه عام 2022.

وقد يعيد الحظر التجاري تشكيل المشهد؛ حيث يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وزيادة جاذبية الاستثمار في هذا القطاع.

وتظهر الزيادة الملحوظة في الأسعار بنهاية العام كيف يمكن لهذه التغيرات أن تعزز من جدوى استخراج الغاليوم، وهو منتج ثانوي لعمليات أخرى، وإضافة تجهيزات بسيطة لجمعه دون تلويث البيئة تبدو خطوة منطقية إذا استمرت الأسعار في الصعود، وهو النهج الذي تسميه شركة «ريو تينتو» بـ«التعدين المتكامل»، لكن تجارب نيرستار وأستراليا تكشف أن تحقيق هذه التحولات يتطلب وقتاً طويلاً، في وقت يشهد فيه استخدام الغاليوم نمواً متسارعاً.

وعلى سبيل المثال تظهر تقنية أشباه الموصلات الجديدة المصنوعة من نيتريد الغاليوم كفاءة وسرعة أعلى من نظيراتها المصنوعة من السيليكون. وتتوقع شركة إنفينيون الألمانية، التي طورت مؤخراً رقائق أشباه موصلات جديدة من نيتريد الغاليوم بقطر 300 ملم، أن ينمو سوق هذه الرقائق، ليحقق عائدات بمليارات الدولارات بحلول نهاية العقد.

وهكذا يمكن للولايات المتحدة تأمين مصادر بديلة، سواء عبر تحسين تجهيزات المصاهر المحلية أو الاستثمار خارج حدودها من خلال منتجين دوليين، أو كليهما، لكن التحرك السريع يظل ضرورياً.