رنا فوروهر
كان العام الماضي الأصعب على صناعة السلع الفاخرة منذ أزمة 2009-2007، وبينما لا يزال فاحشو الثراء ينفقون وكأنهم يدورون في فلك خاص بهم، بدأ المستهلكون الطموحون، الذين يشكلون الجزء الأهم من سوق السلع الفاخرة، في تقليل نفقاتهم، وهذا يفسر إلى حد كبير الأداء الضعيف لعديد من أكبر شركات السلع الفاخرة في العالم مؤخراً، ففي النهاية هناك عدد محدود من الساعات، وحقائب اليد التي تشتريها نسبة الواحد في المئة (الأكثر ثراء) من الناس، وعدد الأشخاص الذين يستطيعون الدفع مقابل هذه السلع يتقلص.
وكشف أحدث تقرير صادر عن شركة «باين» حول سوق السلع الفاخرة أن السوق فقد نحو 50 مليون مستهلك خلال العامين الماضيين، ويرجع ذلك إلى عزوف الشباب جزئياً عن المنتجات الفاخرة التقليدية. يبدو لي أن هذا التغيير أدى إلى ظهور كبار السن، خاصة النساء، في الحملات الإعلانية وحتى في عروض الأزياء، لأنهم الوحيدون الذين لا يزالون يشترون هذه المنتجات.
رغم ذلك هناك أسباب أخرى لتراجع بريق سوق السلع الفاخرة، والأبرز بين هذه الأسباب هو الشعور السائد بأن عدم الأمن الاقتصادي قد يكون قريباً جداً، رغم ازدهار الأسواق الحالي، وإذا تجاهلنا التعافي السريع المرتبط بكوفيد فإننا متأخرون بنحو 6 سنوات عن دورة الركود المعتادة.
في غضون ذلك تستمر أسواق الأسهم الأمريكية، التي تتم فيها عملية التسعير كما لو كانت السوق مثالية تماماً، في إثارة النقاشات داخل حفلات العشاء في نيويورك، حيث يتحدث الجميع عن إمكانية تحويل جزء من محافظهم الاستثمارية إلى سيولة نقدية. رغم ذلك، أو ربما بسببه، يواصل الأثرياء الإنفاق ببذخ.
والفئة فاحشة الثراء، التي توجه فائض أموالها إلى شراء الطائرات واليخوت (وهما القطاعان اللذان يحققان أداء جيداً)، استفادت من نمو كبير في صافي ثرواتها، التي تعززت بمعدلات نمو مضاعفة في قيمة الأصول، وهناك توسع كبير في أساطيل الرحلات البحرية الفاخرة، ولا يزال هناك نمو قوي في مبيعات السيارات الفارهة، والفنادق.
في المقابل فإن المستهلكين الأقل ثراء، الذين كانوا على استعداد في السابق للتفاخر بإنفاق 500 دولار على حقيبة يد، باتوا أكثر حذراً الآن مما كانوا عليه من قبل، وهذا لأنه، على خلاف الأثرياء، لا يزال عليهم القلق بشأن العمل.
ووفقاً لدراسة «باين» فإن النسبة من الدخل التي كان المستهلكون الطموحون على استعداد لإنفاقها قد تراجعت، نتيجة تأثرهم بانخفاض فرص العمل المتاحة، وارتفاع معدلات التنقل الوظيفي. وأدى هذا التراجع إلى توقع انخفاض مبيعات السلع الفاخرة بنسبة 2 % خلال 2024، مع توقعات ببقاء الأداء ثابتاً في عام 2025. إذن، ما الذي يمكن استنتاجه من هذا بالنسبة لعام 2025؟
أولاً: إن تصحيح سوق الأسهم الأمريكية مسألة وقت، ربما العام الجاري أو الذي يليه، وإن الأثرياء يقلصون مشترياتهم حالياً من المنتجات الفاخرة مثل المجوهرات والساعات والفنون، ما يعني أنهم يترقبون حدوث تباطؤ اقتصادي، ونوعاً من تصحيح السوق، حتى إن لم تحدث حرب تجارية شاملة.
ثانياً: إذا تحقق سيناريو الحرب الشاملة فإن قطاع السلع الفاخرة، الذي تهيمن عليه المنتجات الأوروبية عالية القيمة قد ينهار بسرعة، وبحدة أكبر مقارنة بالقطاعات الأخرى، ففي حين تفتقر أوروبا إلى عمالقة التكنولوجيا فإنها تعتمد على شركات السلع الفاخرة الكبرى، حيث تصنف شركتا «إل في إم إتش» و«هيرميس» ضمن أكبر خمس شركات أوروبية من حيث القيمة السوقية، ومن السهل تخيل كيف يمكن أن تصبح منتجات هذه الشركات هدفاً للتعريفات الجمركية إذا نظر ترامب نظرة انتقادات إلى القارة الأوروبية.
ولنتذكر عندما فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على الدراجات النارية رداً على تعريفات ترامب على الصلب والألمنيوم، ما رفع تكلفة دراجات هارلي ديفيدسون بمقدار 2200 دولار، وقد تصبح الشركات الأوروبية المتخصصة في السلع الفاخرة - بما في ذلك صانعو السيارات الألمان ودور الأزياء الفرنسية - هدفاً سهلاً في أي نزاع سياسي.
أخيراً، هناك شعور متزايد داخل قطاع السلع الفاخرة بأن تضخم الأسعار التي شهدناه خلال السنوات الأخيرة لا يمكن أن يستمر طويلاً.
وفي الوقت الراهن، وحدها العلامات التجارية الرائدة في قطاع السلع الفاخرة الشخصية هي القادرة على الحفاظ على أسعارها، إذ يتحول العملاء الطموحون إلى خيارات أكثر اقتصادية مثل الساعات الأقل تكلفة، أو المشروبات الأرخص، وينطبق هذا النمط على السفر والترفيه أيضاً.
وقد تحدثت مؤخراً مع اثنين من المستثمرين في الأسهم الخاصة بقطاع الفنادق بالولايات المتحدة، حيث توقعا أن تحافظ الأسواق الراقية مثل جاكسون هول، ونانتاكيت، ومارثا فينيارد على استقرارها حتى في أوقات التباطؤ الاقتصادي، إلا أن الأسعار المبالغ فيها للغرف في فنادق الأربع نجوم في هيوستن خلال ليلة عادية قد تتراجع بمجرد حدوث تصحيح في السوق، ولمن لاحظوا أن تكلفة الغرفة في الفنادق الكبرى أصبحت 500 دولار بعد أن كانت 300 دولار، قد يبدو هذا خبراً جيداً.
وبينما ننتظر انخفاض الأسعار يمكننا الاستمتاع بتدليل بسيط عبر شراء منتج تجميل فاخر، ويشير «مؤشر أحمر الشفاه»، الذي صاغه ليونارد لودر، إلى أن الإقبال على شراء السلع الفاخرة الصغيرة غالباً ما يكون علامة على ركود اقتصادي وشيك. وفي عام 2024 كان قطاع الجمال من بين القطاعات القليلة، التي حققت نمواً إيجابياً، إذ اتجه المستهلكون نحو هذه الرفاهيات البسيطة.