كريستينا كريدل

شهدت الاستثمارات العالمية في شركات التعليم الإلكتروني انخفاضاً حاداً، لتصل إلى أدنى مستوى لها، خلال 10 سنوات، حيث تواجه هذه الصناعة ضغوطاً متزايدة، بسبب الانتشار السريع لأدوات الذكاء الاصطناعي التوليدي المجانية، التي تهدد مستقبل منتجاتها، ووفقاً لبيانات شركة «بيتش بوك» بلغ حجم الاستثمارات في شركات تكنولوجيا التعليم، التي تقدم خدمات مثل التدريس الافتراضي والتدريب على الامتحانات، 3 مليارات دولار فقط عام 2024، مقارنة بـ 17.3 مليار دولار عام 2021 خلال ذروة جائحة «كوفيد 19»، ويمثل هذا الانخفاض أدنى مستوى للاستثمارات في هذا القطاع منذ عام 2014، عندما اجتذبت شركات تكنولوجيا التعليم 2.3 مليار دولار.

ويرجع هذا الانخفاض الكبير إلى التحديات التي تواجه شركات تكنولوجيا التعليم في الحفاظ على نمو قاعدة مشتركيها، بعد أن فقدت الزخم الذي حققته خلال إغلاق المدارس المرتبط بجائحة «كوفيد 19».

وتفاقمت الأزمة مع التطور السريع لتقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي على مدار العامين الماضيين، ما أدى إلى تراجع الطلب على أدوات التعليم الرقمي المدفوعة، وانهيار تقييمات شركات تكنولوجيا التعليم.

وقالت صباح بكسموسا، مديرة تطوير الأعمال بمنصة «وان فالي»: «رغم الإمكانات الكبيرة لتكنولوجيا التعليم في سد فجوة المهارات يشعر كثير من المستثمرين والمتعلمين أن هذه المنصات لم تحقق تلك الوعود». وما يثبت وجهة نظرها أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يشهد طفرة استثمارية ضخمة، حيث بلغت الاستثمارات فيه 51.4 مليار دولار هذا العام، مقارنة بـ 16.5 مليار دولار في 2021، بحسب بيانات «بيتش بوك».

وكانت شركة «تشيج»، المختصة في قطاع تكنولوجيا التعليم بكاليفورنيا، من أوائل الشركات التي تأثرت سلباً بإطلاق «أوبن آيه آي» لشات جي بي تي، ما أدى إلى هبوط حاد في أسهمها بعد ارتفاعات الكبيرة، سجلتها خلال الجائحة.

وواصلت الشركة معاناتها منذ ذلك الوقت، ففي نوفمبر أعلنت تسريح 21 % من موظفيها، بعد ستة أشهر فقط من جولة سابقة لتقليص العمالة، كما سجلت انخفاضاً في عدد المشتركين بنسبة 13 %، ليصل العدد إلى 3.8 ملايين خلال الربع الثالث مقارنة بالعام الماضي. وتراجعت أسهم الشركة بنحو 84 % خلال عام 2024، إلا أن هذا التطور يحمل جانباً سلبياً كما يرى المختصون في التعليم.

ويرى ناثان شولتز، الرئيس التنفيذي للشركة، أن «التطورات الأخيرة في البحث عبر الذكاء الاصطناعي، واعتماد الطلاب على خدمات الذكاء الاصطناعي التوليدي المجانية تمثل تحديات كبيرة لشركتنا، وغيرها من خدمات التعليم. هذا التوجه يؤثر سلباً على تطوير مهارات التفكير النقدي للطلاب، ويفقدهم القدرة على الفهم الأعمق على المدى البعيد».

وأضاف: «شركة تشيج لديها إرث قوي وعلامة تجارية متينة، وفي العام المقبل سنواصل تحسين تجربة التعلم للطلاب الذين يسعون لاكتساب المعرفة الحقيقية بدلاً من الحصول على إجابات جاهزة».

في السياق نفسه، شهدت منصة «كورسيرا»، التي تقدم دورات تدريبية وشهادات وبرامج دراسية عبر الإنترنت، انخفاضاً في أسهمها بنسبة تزيد على 56 % هذا العام. وبالمثل تراجعت أسهم منصة «يوديمي»، المختصة أيضاً في التعليم الإلكتروني، بأكثر من 43 % خلال الفترة نفسها.

في المقابل تمكن تطبيق «دولينجو» لتعلم اللغات من تحقيق نتائج إيجابية، حيث ارتفعت أسهمه بنحو 60 % هذا العام، بفضل زيادة عدد المستخدمين والمشتركين، بعد إضافة ميزات جديدة مدعومة بتقنية «جي بي تي 4» من «أوبن آيه آي»، لتوفير تجربة تعلم مخصصة.

واحتدمت المنافسة هذا العام مع دخول شركات الذكاء الاصطناعي بقوة إلى مجال التعليم، حيث أطلقت «أوبن آيه آي» نسخة تعليمية من «شات جي بي تي» في مايو، وتستخدم حالياً في كلية لندن للأعمال، وجامعة ولاية أريزونا، فيما طورت «جوجل ليرن إم»، نماذج تعليمية مختصة للاستخدام الأكاديمي.

وتتسابق شركات تكنولوجيا التعليم حالياً لدمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في منتجاتها، مشيرة إلى إمكانات هذه التقنية في تحسين جودة الخدمات التعليمية، حيث أدمجت منصتا «خان أكاديمي» و«كورسيرا» مساعدي ذكاء اصطناعي تفاعليين، لتحسين تواصل المستخدمين، فيما يعتمد تطبيق «سبيك» لتعلم اللغات على أداة «ويسبر» من «أوبن آيه آي»، لتقديم تجربة تعليمية من خلال المحادثة.

ويرى كونور زويك، الرئيس التنفيذي لتطبيق «سبيك»، أن «الذكاء الاصطناعي سيحدث تأثيراً أكبر في طريقة التعلم مقارنة بأي مجال آخر، خاصة عندما نأخذ في الاعتبار أن التعليم هو أحد المجالات النادرة، التي لم تحدث فيها البرمجيات تغييراً جوهرياً بعد».

وجمعت «سبيك»، الشركة الناشئة في سان فرانسيسكو، 78 مليون دولار بتقييم بلغ مليار دولار، بقيادة «أكسل»، وبمشاركة صندوق «أوبن آيه آي» للاستثمارات الناشئة، و«خوسلا فينتشرز»، و«واي كومبينيتور».

وأضاف أن الأفراد على استعداد إلى الدفع مقابل الحصول على تجربة تعليمية مخصصة، مشيراً إلى أن منصة «سبيك» لا تعتبر نفسها جزءاً من قطاع تكنولوجيا التعليم. وقال: «لا أعتقد أن المستثمرين متحمسون لهذه الصناعة، ولا يمكن إلقاء اللوم عليهم. اليوم، أصبح مصطلح تكنولوجيا التعليم يحمل دلالات سلبية».

وتسعى بعض شركات تكنولوجيا التعليم إلى تعزيز إيراداتها، من خلال مساعدة المعلمين على اكتشاف حالات الغش عندما يستخدم الطلاب الذكاء الاصطناعي التوليدي في الاختبارات.

وأطلقت شركة «تورنيتين» العام الماضي أداة للكشف عن النصوص المولدة بالذكاء الاصطناعي ضمن خدماتها، وقامت بمراجعة أكثر من 200 مليون ورقة حتى الآن، وذكرت آني تشيشيتلي، مديرة المنتجات في الشركة، أن الأداة تتمتع بدقة تصل إلى 86 %.

وأضافت: «استطعنا الاستجابة بسرعة، لأننا نعمل على هذا منذ عام 2020، لكن منذ بدء العام الدراسي أصبح الطلاب أكثر إبداعاً وابتكاراً في التحايل على الأنظمة، وهناك تهديدات جديدة تظهر دائماً».

ويشكك عديد من العاملين في مجال التعليم في أن هذه التغييرات ستحدث تحولاً إيجابياً في مستقبل شركات تكنولوجيا التعليم.

وقالت بكسموسا: «إن دمج نماذج ذكاء اصطناعي عالية الجودة في منتجات تكنولوجيا التعليم مكلف، ويثير قضايا تتعلق بالتحيز والخصوصية والأمان. وأشارت إلى أن هذه التحديات، إضافة إلى سرعة التغيرات في الصناعة، قللت شهية المستثمرين».

وقال جاريد كوني هورفاث، عالم الأعصاب والمختص في التعليم: «الضجة الحالية حول الذكاء الاصطناعي التوليدي دفعت شركات تكنولوجيا التعليم إلى إدخال هذا المصطلح في كل تفاصيل منتجاتها — حتى عندما، أو بالأخص عندما لا يكون له مكان».

وأضاف: «تتألف شركات تكنولوجيا التعليم في الأغلب من مهندسين ورجال أعمال واقتصاديين، ومن النادر أن تجد معلماً ممارساً أو مختصاً في التعليم ضمن فرق العمل. هذا الفشل في إحداث أثر حقيقي في التعليم يرجع إلى افتقارهم لفهم المجال الذي يحاولون تطويره».