اليسيا جارسيا هيريرو

كبير الاقتصاديين لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ لدى شركة «ناتيكسيس»، وزميل أبحاث أول في مركز «بروجل»

منذ نهاية الجائحة والاقتصاد الصيني يعاني، فقد اضطر إلى الاعتماد على الطلب الخارجي كمحرك للنمو. وساعده في ذلك الضعف الكبير في قيمة الرنمينبي، ما عزز القدرة التنافسية للبلاد، وسهل النمو السريع للصادرات رغم الإجراءات الحمائية التي اتخذتها الولايات المتحدة وانتشارها حالياً إلى دول أخرى.

إلا أن انخفاض قيمة العملة الصينية رفع تكاليف الواردات. وبدأ الدعم الذي تحتاجه واردات الصين بشدة في التراجع، ما ألقى بظلاله على التوقعات الاقتصادية لعام 2025.

وانخفضت قيمة اليوان الصيني أمام الدولار إلى مستويات قد تجذب انتباه دونالد ترامب، الذي اشتهر بانتقاداته للعملات منخفضة القيمة والفوائض التجارية. يأتي ذلك في وقت يستعد فيه ترامب للعودة إلى البيت الأبيض، حيث تراجع اليوان منذ أواخر سبتمبر الماضي بنحو 4% ليصل إلى نحو 7.3 مقابل الدولار.

بناء على هذه الخلفية، تم طرح فكرة صفقة كبرى بين الولايات المتحدة والصين، بهدف تعزيز قيمة اليوان وخفض قيمة الدولار. وقد أُطلق على هذا الاتفاق المحتمل اسم «اتفاق مار آلاجو»، وهو صدى لـ«اتفاق بلازا» التاريخي عام 1985، عندما نجحت الولايات المتحدة في إقناع اليابان بقبول ارتفاع حاد في قيمة الين من خلال تعاون بين أكبر خمسة بنوك مركزية عالمياً، وتدابير أخرى.

لكن، هل ستسير الصين على خطى اليابان؟ أحد الاعتبارات المهمة هو انتقاد الساسة الصينيين لـ«اتفاق بلازا» بشدة، خاصة لأنه تسبب في ارتفاع حاد بقيمة الين الياباني، من 237 يناً مقابل الدولار في أغسطس 1985 إلى أقل من 140 يناً في أبريل 1987، ما ألقى أثراً على الاقتصاد الياباني آنذاك.

ومع تفاقم الصعوبات التي عانت منها صادرات اليابان، اتخذ بنك اليابان خطوة جريئة بخفض أسعار الفائدة من 5% عام 1985 إلى 2.5% بحلول فبراير 1987. إلا أن هذا الإجراء أسهم في تضخم فقاعات سوق العقارات والأسهم، التي انهارت لاحقاً عام 1990، ما أدى إلى دخول اليابان في ركود اقتصادي استمر عقدين، تخلله نمو محدود وضغوط انكماشية نتيجة تراجع أرباح الشركات وانخفاض الأجور.

وكانت تجربة اليابان مريرة بما يكفي لإثناء صناع القرار الصينيين إلى مقاومة أي ضغوط يمارسها ترامب. ففي «اتفاقية المرحلة الأولى» بين ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ ، التي تم توقيعها في شتاء 2019 - 2020، أدرجت الولايات المتحدة بنداً يتعلق بالعملة، لكنها في المقابل أزالت تصنيف الصين كـ«دولة متلاعبة بالعملة».

وبخلاف رفض الصين لأي اتفاق يشبه «اتفاق بلازا»، هناك أسباب جوهرية أخرى تجعل من الصعب التوصل إلى اتفاق على غرار «مار آلاجو».

أولاً، يختلف الوضع الاقتصادي الراهن في الصين جذرياً عن اليابان في الثمانينيات، لكنه يبدو أقرب إلى ظروف اليابان في التسعينيات. فقد شهدت الصين انفجار فقاعة العقارات، واستمرت الضغوط الانكماشية لأكثر من عامين، إلى جانب وجود فائض كبير في القدرات الإنتاجية في العديد من القطاعات الصناعية.

بمعنى آخر، ستجد الصين نفسها أمام تحديات أكبر عند التعامل مع عملة قوية مقارنة بما واجهته اليابان سابقاً.

ثانياً، تواجه الصين اختلالات هيكلية أعمق على مستوى الاقتصاد الكلي، حيث تسجل معدلات ادخار مرتفعة جداً مقارنة بانخفاض كبير في الاستهلاك. وهذا يعني أن الصين تعتمد على الصادرات أكثر مما كانت تعتمد عليها اليابان في تلك الفترة، ما يجعل أي زيادة في قيمة اليوان عبئاً اقتصادياً كبيراً.

إضافة إلى ذلك، تستمر الصين في فرض قيود صارمة على رأس المال، ما يساعدها في فصل سعر الصرف عن تأثيرات السياسة النقدية، ويمنحها مرونة أكبر في الحفاظ على ضعف اليوان دون القلق من تدفقات رأسمالية كبيرة.

ورغم المكاسب التي يوفرها ضعف اليوان للصين، إلا أن ذلك يأتي بتكاليف ملحوظة، أبرزها تراجع مكانة العملة الصينية على الساحة الدولية، خاصة كأداة للاستثمار. وعلى الرغم من الجهود الحثيثة لتعزيز دور اليوان عالمياً، فإن استخدامه لا يزال دون التوقعات ولا يتناسب مع حجم الاقتصاد الصيني الهائل.

وبعد العملية الروسية المحدودة في أوكرانيا، حقق اليوان بعض التقدم حيث استخدم لتفادي العقوبات الغربية على المعاملات المرتبطة بروسيا، لكن حتى هذا التقدم يتلاشى بسبب ضعف العملة والمخاوف من عقوبات أمريكية ثانوية.

وبشكل عام، يواصل صناع القرار في الصين التركيز على استخدام اليوان كأداة أساسية لدعم الصادرات، خاصة في ظل استمرار تراجع الطلب المحلي. ويبدو أن السوق مضطرة للتأقلم مع ضعف العملة، في وقت تضع فيه بكين أولوية قصوى لتحقيق النمو الاقتصادي.