أرجون نيل اليم - جو ليهي

رحبت الأسواق الصينية بالتدابير «غير المسبوقة»، التي تعهدت بها بكين بهدف استقرار الأسواق المالية وتوفير الزخم القوي وتعزيز نزعة المخاطرة، لكن هل هذه الإجراءات كافية لتحفيز الاقتصاد الحقيقي المتعثر؟

وأعلن بنك الشعب الصيني تخصيص 800 مليار يوان (114 مليار دولار) لدعم سوق الأسهم، من خلال إقراض مديري الأصول وشركات التأمين والوسطاء لشراء الأسهم، ومنح الشركات المدرجة قروضاً لإعادة شراء الأسهم.

وأوضح محافظ البنك المركزي، بان غونغ شينغ، خلال مؤتمر صحفي مع الجهات التنظيمية المالية، أن هذه هي المرة الأولى التي «يبتكر» فيها بنك الشعب الصيني مثل هذه الأنواع من أدوات السياسة النقدية، واستخدامها لدعم الأسواق المالية.

وأشار إلى أن الأموال المخصصة قد تزيد بمقدار ضعفين أو ثلاثة أضعاف حال أثبتت الخطط فعاليتها، كما تم طرح فكرة إنشاء «صندوق لاستقرار الأسهم»، لكن لم يتم تقديم تفاصيل كافية.

وتعد هذه التدابير من أكبر التحركات، التي اتخذها بنك الشعب الصيني تجاه أسواق الأسهم الصينية، التي شهدت تراجعاً حاداً على مدى السنوات الأربع الماضية، ما يعكس تراجعاً قوياً للثقة باقتصاد البلاد.

وعقب الإعلان ارتفع مؤشر CSI 300 الصيني- الذي يشمل الأسهم المدرجة في شنغهاي وشنتشن- بنسبة 4.3 %، مسجلاً أفضل أداء له منذ يوليو 2020، بعد أن شهد تراجعاً بأكثر من 40 % منذ عام 2021.

ويوم الأربعاء، شهدت الأسهم ارتفاعاً واسع النطاق، وأضافت 2.1 %، في حين ارتفعت قيمة الرنمينبي بنسبة 0.5 % مقابل الدولار، ليصل إلى ما يزيد قليلاً على 7.01، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عام.

وكانت برامج القروض المصممة لدعم الأسهم من بين العديد من إجراءات التحفيز، التي أعلنها بنك الشعب الصيني، بما في ذلك خفض سعر الفائدة القياسي، وأسعار الرهن العقاري، ومتطلبات الدفع المقدم، وقد جاءت هذه الخطوات بعد خفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الفائدة بمقدار 50 نقطة أساس الأسبوع الماضي، مما أتاح للبنك المركزي مساحة أكبر للمناورة.

وقال دينغ شوانغ، كبير خبراء الاقتصاد لدى ستاندرد تشارترد لمنطقة الصين الكبرى وشمال آسيا، إن «هذه التدابير فاقت توقعات السوق. وربما تمثل بداية لتدابير سياسة أكثر جرأة مقارنة بالتدابير السابقة عندما أثيرت شكاوى حيال استجابات السياسات التدريجية»، ولكنه أضاف «ما زلنا بحاجة إلى النظر في حجم وتأثير هذه الخطط لتقييم تأثيرها على السوق».

وقال جيسون لوي، رئيس استراتيجية الأسهم والمشتقات المالية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في بنك بي إن بي باريبا: «هذه بعض الأفكار الجديدة، خاصة فيما يتعلق بتسهيلات الإقراض والمبادلة».

وتتيح آلية المبادلة الجديدة للشركات المالية غير المصرفية الاقتراض من بنك الشعب الصيني لشراء الأسهم، حيث يمكن تقديم السندات أو الأسهم أو صناديق الاستثمار المتداولة كضمان، كما يوفر برنامج إعادة الإقراض قروضاً منخفضة الفائدة للبنوك التجارية، التي يمكنها بعد ذلك إقراض الشركات، التي ترغب في تمويل عمليات إعادة شراء الأسهم كوسيلة لتعزيز قيم أسهمها.

واقترح خبراء الاقتصاد أن الحوافز لشراء الأسهم تهدف إلى توسيع ملكية الأسهم بعيداً عما يسمى «الفريق الوطني» من المؤسسات المالية المدعومة من الدولة، والتي اشترت مليارات الدولارات من الأسهم المدرجة في الصين في وقت سابق من هذا العام في محاولة لتعزيز أداء السوق.

وخلال مؤتمر صحفي له قال وو تشينغ، رئيس هيئة الرقابة على الأسواق، وهي لجنة تنظيم الأوراق المالية الصينية، إنه بحلول نهاية أغسطس زاد المستثمرون من المؤسسات حصتهم من أسهم التداول الحر في الأسهم المحلية المدرجة في البر الرئيسي من 17 % إلى 22.2 % مقارنة بعام 2019.

ومع ذلك فقد لفت إلى عدم كفاية الأموال على المديين المتوسط والأجل داخل السوق، حيث إن التحركات السريعة للودائع من المستثمرين الأفراد تؤثر بشكل كبير على معنويات الأسهم.

وقال لوي من بنك بي إن بي باريبا: إن «جوهر هذه البرامج تستهدف تحفيز المؤسسات المالية الأخرى المترددة حالياً في زيادة مخصصاتها للأسهم».

وأوضح دينغ شوانغ أن «الأمر يعتمد على ما إذا كانت الصناديق مستعدة للاقتراض من بنك الشعب الصيني لشراء الأسهم وقبول المسؤولية عن أي خسائر حال انخفضت قيمتها».

وتعتبر بكين سوق الأسهم مؤشراً واضحاً على قوة الاقتصاد وبمثابة أداة مهمة للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي.

وأفاد محللو مورغان ستانلي بأن التحفيز يعادل 3 % من إجمالي الأسهم الحرة المتداولة في سوق الأسهم المحلية الصينية، ووصفوا التدابير بأنها «خطوة إيجابية تماماً».

ومع ذلك حذروا من أن التدابير الجديدة لن تكون كافية لتعافي الاقتصاد الصيني بوجه عام، وذكروا أن «استدامة تحسن معنويات السوق ومسيرة التعافي في الأمد البعيد تعتمد بشكل كبير على التعافي الاقتصادي الكلي واستقرار نمو أرباح الشركات».

ولاحظ خبراء الاقتصاد أن التدابير التحفيزية المعلن عنها كانت مهمة، خاصة فيما يتعلق بالتخفيضات المتزامنة في سعر الفائدة القياسي ونسبة متطلبات الاحتياطي للبنوك، وهي مقدار الاحتياطات التي يتعين على المقرضين الاحتفاظ بها، وأشار بان إلى أن خفض النسبة بمقدار 0.5 نقطة مئوية، من شأنه أن يضخ وحده سيولة بقيمة تريليون يوان صيني.

كما أعلنت الصين عن خفض قدره 0.3 نقطة مئوية لتسهيلات الإقراض متوسطة الأجل لمدة عام، مما يؤثر على سيولة القطاع المصرفي.

ومع ذلك اقترح أغلب المحللين أن التحفيز المالي الضخم، الذي يستهدف إنهاء الركود العقاري المطول في الصين، ويوفر فوائد مباشرة للأسر، من شأنه أن يساعد في تعزيز الثقة وكبح جماح الكساد.وأعلن بنك الشعب الصيني عن تدابير ستؤدي في الواقع إلى خفض أسعار الفائدة على خطة بقيمة 300 مليار يوان لشراء العقارات غير المباعة، ولكن البرنامج واجه صعوبة لتحقيقه على أرض الواقع.

ويرى روبرت جيلهولي، كبير خبراء الاقتصاد في الأسواق الناشئة في أبردين، أن خفض أسعار الفائدة لحاملي الرهن العقاري الحاليين، الذي تم الإعلان عنه يوم الثلاثاء كان «أقرب شيء إلى التحويلات المالية للأسر»، لكن في نهاية المطاف سيتعين على الحكومة التدخل توفير المزيد من التمويل الحكومي لإنقاذ قطاع العقارات، أو من المرجح سيبقى إنفاق الأسر «مقيداً بتأثير الثروة السلبي الناجم عن انخفاض قيم العقارات وضعف سوق العمل».