خوان لويس بيريز

رئيس سابق للأبحاث العالمية في «مورغان ستانلي» ورئيس مجموعة الأبحاث والبيانات والتحليلات في «يو بي إس»

تتسابق أقسام إدارة الثروات في البنوك وشركات الوساطة لدمج الذكاء الاصطناعي في عروضها، وهو ما يمثل فرصةً، لكنه ينطوي على تهديد تنافسي في الوقت نفسه. ففي مجال إدارة الثروات النشطة، يُركّز المُختصّون على فهم كيفية تقديم مجموعة مُتنوعة من المنتجات بما يتناسب مع الاحتياجات المُتغيّرة للعملاء على مدار حياتهم. ومع ذلك، فإن تقديم نصائح مُخصصة بهذه الطريقة يُعد أمراً صعباً بالتأكيد.

ويُمثّل الذكاء الاصطناعي نقطة تحوّل في مجال إدارة الثروات، إذ يُسهم في توسيع نطاق الخدمات ليشمل أولئك الذين لم يكن بإمكانهم الحصول عليها في الماضي نظراً لارتفاع تكاليفها مقارنةً بثرواتهم. وفي واقع الأمر، لم تُحقّق «روبوتات الاستشارات المالية» حتى الآن النجاح الذي كان مُتوقعاً لها، على الرغم من إمكاناتها الكبيرة في تحليل بيانات الاستثمار من آلاف الصناديق والأسهم والسندات، وتقديم توصيات مُناسبة. ويُعزى ذلك إلى تفضيل العملاء التفاعل البشري والحصول على دعم مُستمر من مستشارين ذوي خبرة، وهو ما يفتقر إليه التعامل مع الأنظمة الآلية.

وهذه هي العقبة الرئيسة التي يجب أن يتغلب عليها الذكاء الاصطناعي في تقديم النصائح ولكن إذا كان العميل - أو المستشار - يرغب في الغالب في تقليل تكاليف نصائح الثروات، فمن الآمن أن نفترض أن الأنظمة البسيطة القائمة على القواعد ستؤدي الغرض.

ويتوقع أن تتحسن النصائح الآلية تدريجياً من حيث التعقيد، وسهولة الاستخدام، والتكلفة؛ ولكن المشكلة الأعمق بالنسبة للشخص الذي يحاول بناء جيش من المستشارين الآليين لاستقطاب العملاء ذوي القيمة المضافة تكمن في مكان آخر.

في كتابه الأخير، «الإنسان الذري»، يقدم نايغل لورانس حججاً مقنعة حول الصعوبات التي نواجهها عادة في التواصل مع الكمبيوتر. وتمتص الآلات الكثير من المعلومات الإحصائية حول ما نملكه، وما نشتريه، وما نتصفحه. ويمكنها حساب خصائص وعوائد كل أداة مالية في الماضي ولكنها لا تستطيع الوصول إلى السرديات والتغيرات في التوقعات التي تشكل هويتنا في الغالب.

وكما يُقال، فإننا نعرف المزيد عن أنفسنا مما يمكننا التعبير عنه، وخاصةً أمام الكمبيوتر. وتتطلب القدرة على الاستثمار العديد من المهارات التي يجب أن تعمل مع بعضها بعضاً بتناغم تام؛ ونحن يجب علينا في ظروف كثيرة التخطيط للادخار، وتأجيل الاستهلاك، وتنفيذ خطط الاستثمار.

وهذه قد تكون سمات شخصية للغاية يصعب علينا شرحها بتفاصيلها لمستشار مالي، ناهيك عن توصيلها عبر المتطلبات الموجودة في مواقع التخطيط المالي التقليدية. وغالباً ما ينحصر الخيار الافتراضي في وصف ما كان يعمل بشكل أفضل في الماضي، أو استراتيجية الاستثمار التي يعرفها المستشار عن ظهر قلب، مع بعض الرؤى من كبير مسؤولي الاستثمار. وعادةً ما ينتهي الأمر بالعملاء إلى محفظة تتكون من 60% أسهماً و40% سندات مع بعض التعديلات، وهذا لا يتطلب الكثير من رؤى الذكاء الاصطناعي. وغالباً، ما يتم تحقيق التقدم من خلال تكييف الذكاء الاصطناعي مع الطرق التي يعمل بها المستشار المالي، وليس العكس.

وينبغي أن يتجاوز الذكاء الاصطناعي مجرد محركات التوصية التي تكرر طرح المنتجات نفسها التي يميل العملاء المماثلون لشرائها، ويجب أن تكون البرامج مرنة بما يكفي لاستيعاب المزيد من المعلومات التي يمكن استقاؤها من التفاعلات مع العميل، لتكون الاقتراحات مفهومة أكثر لكل من المستشار والمستثمر. وإذا لم يكن بالإمكان تفسير المحفظة المقترحة بلغة بسيطة، فلن يتم بيعها، وإذا فشلت في تحقيق العوائد المتوقعة، فسيحتاج المستشارون والعملاء إلى فهم السبب.

إن شركات إدارة الثروات يتعين عليها أن تدرك أن ذلك يعني دوراً مختلفاً لعملية التخطيط المركزي، ومن المهم لرئيس قسم الاستثمار والمبرمجين بناء برنامج مرن بما يكفي لاستيعاب كل الملاحظات المتاحة.

وبصورة حتمية، ومع اللجوء إلى اللامركزية، سواء للعميل أو المستشار، ستولد الأنظمة توصيات قد تنحرف عن الخط الرسمي، وقد يؤدي ذلك إلى تعقيد جهود بيع المنتجات ذات الهوامش العالية، كما سيكون هناك تحديات مختلفة في ما يتعلق بالامتثال والمخاطر.

إذا استطعنا إجراء محادثة مع برنامج بلغة إنسانية حول كيفية تغير ظروف الحياة، فقد ندخل في مجال مختلف، وهذا واحد من وعود نماذج اللغة الكبيرة أو بالأحرى الوكلاء الذكيين؛ الذين سيكون لديهم إمكان الوصول إلى تجاربنا من خلال مزيج من الحوار والآثار الرقمية التي تركناها على شبكة الإنترنت. وسيكون لديهم سياق كافٍ لفهم ما نريده وتنفيذه مع استمرار تطور حياتنا، ولكن من الصعب معرفة كيف سنستخدم هذه المنصات؛ إلى أي مدى سنكون واثقين بمنح الوصول إلى خصوصيتنا العميقة.

وحتى ذلك الحين - إن حدث ذلك على الإطلاق - سيستمر العديد من العملاء في الثقة بالأشخاص للتعامل مع قضايا التقاعد وإدارة الثروات الحرجة لدينا، وحتى لو كان من الضرورة تعديل بعض جوانب النموذج القديم.

وقد يستفيد المستشارون البشريون من الذكاء الاصطناعي بشكل مُتزايد، ولكنهم سيُحافظون على دورهم في قيادة الاستفسارات، أما إذا صدقت توقعات وادي السيليكون، وتطورت «روبوتات الذكاء الاصطناعي» لتُصبح قادرة على التواصل بسلاسة تُريح العملاء، فقد نشهد موجة جديدة من التغييرات الجذرية في هذا المجال.