Al Bayan

تكهنات فقط حول حجم التحفيز الكافي لإنعاش الاقتصاد الصيني

روبرت أرمسترونغ - أيدن ريتر
أدّى قرار الحكومة الصينية بتعزيز سوق الأسهم من خلال حزمة للتحفيز النقدي، إلى موجة شراء واسعة. فقد قفز مؤشر «سي إس آي 300» في شنغهاي وشنتشن بنسبة 25 %، وارتفع مؤشر «هانغ سينغ» في هونغ كونغ بنسبة 21 %، خلال أسبوعين فقط، لكن وتيرة الارتفاعات تراجعت بعد ذلك.

وعندما أعلنت الحكومة عن حزمة التحفيز، أكدنا على ضرورة تحفيز الإنفاق الاستهلاكي، وضخ الأموال مباشرة في الاقتصاد الحقيقي، لضمان استمرار المكاسب التي حققتها السوق. وعلى الرغم من إشارة الحكومة إلى قرب إقرار تحفيز مالي، إلا أنها امتنعت عن الإفصاح عن التفاصيل، ما أدّى إلى شعور المستثمرين بالإحباط.

وما زال من غير الواضح، ما الذي ترغب فيه الحكومة، من جهود التحفيز هذه. ويذهب البعض إلى أن القصد من ورائها هو معالجة المشكلات الهيكلية التي يعانيها الاقتصاد.

توجد احتمالية أخرى، وهي أن الحكومة لا ترغب إلا في ضمان تحقيق نمو الناتج المحلي الإجمالي 5 % المُستهدف لهذا العام. ويشعر آخرون بأن الجهود شكلية في مضمونها، وإنما ترمي إلى أن تبدو الأسواق الصينية أكثر جاذبية.

من الصعب تحديد أي وجهات النظر هذه صائبة. وقد أعلنت وزارة المالية إطار عمل تحفيزي جوهري يقوم على 4 محاور:

هي دعم قطاع العقارات، ومعالجة ديون الحكومات المحلية، وتعزيز إقراض المصارف إلى الاقتصاد الحقيقي، ودعم المستهلكين. إذن السؤال هو: ما قدر المحفزات الكافي لإخراج الاقتصاد الصيني من وعكته؟.

لنبدأ بالنظر في قطاع العقارات. فقد أفصحت الحكومة عن عزمها طرح سندات للحكومات المحلية، تسمح لها بإعادة شراء الأراضي غير المُستخدمة والمنازل غير المُباعة من المطورين.

وأشارت تقديرات لمصرف «ناتكسيس» الفرنسي، إلى أن تكلفة ذلك ستبلغ نحو 3 تريليونات يوان، أو ما يعادل 421 مليار دولار أمريكي، بفرض إعادة شراء الحكومة للعقارات بـ 70 % من قيمتها السوقية، وهو ما قد لا يحدث.

وماذا عن ديون الحكومات المحلية؟ يوجد لدى الحكومات المحلية الكثير من الديون «المخفية» المحفوفة بالمخاطر، وغير المُسجلة بميزانياتها العمومية، بسبب هبوط قيم العقارات، وإغلاق المصانع إبان الجائحة.

وتتراوح التقديرات بشأن قيمة ديون الحكومات المحلية بين 50 إلى 80 تريليون يوان، ما يعادل بين 7 و11 تريليون دولار. ولفت تقرير صادر عن «بلومبرغ»، إلى نظر الصين في تخصيص 6 تريليونات يوان، أو 853 مليار دولار، حتى نهاية عام 2027، للمساعدة في حل إشكالية الديون الحكومية المحلية الخطرة.

والأصعب مع ذلك، هو تحديد أرقام بعينها بالنسبة للأولويتين المتبقيتين، وهما الإقراض المصرفي ودعم المستهلكين. ولم تُشِر الحكومة إلى كثير من التفاصيل بشأن ذلك.

لكن المحفزات السابقة، تكشف تفاصيل عما قد تكون بكين مستعدة لفعله، بموجب الإطار المُعلن، إذا ما كانت هناك ضرورة قصوى. وقد ضخت الحكومة الصينية، بعد الأزمة المالية العالمية، محفزات بقيمة 4 تريليونات يوان، ما يعادل 580 مليار دولار، وفق سعر الصرف آنذاك، على مدى أعوام قليلة.

وقياساً بالناتج المحلي الإجمالي في يومنا هذا، فقد تبلغ المحفزات نحو 16 تريليون يوان، ما يعادل 2.2 تريليون دولار. لكننا نشكك في أن تبلغ المحفزات مثل هذا الحجم، في ضوء تردد الحكومة في إعلان الأرقام الرسمية.

ومع ذلك، الأمر الأكثر وضوحاً، هو تحديد حجم المحفزات المطلوبة للوصول إلى هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 %. ويتوقع خبراء الاقتصاد الذين استطلعت «رويترز» آراءهم، تسجيل النمو السنوي للصين 4.8 % بنهاية العام الجاري، اعتماداً على المسار الحالي.

وبافتراض صحة هذا المسار، سيحتاج سد الفجوة بين مُستهدف 5 % للصين، والمسار الحالي قرابة 252 مليار يوان من الإنتاج الإضافي بنهاية العام، ما يعادل 35 مليار دولار.

وقد تحاول الصين اختيار المسار «السهل»، عن طريق التعامل المباشر، سواء بمُشتريات حكومية أو استثمارات مباشرة، كما أسلفنا الذكر، أو بمضاعفة جهودها الحالية المعززة للصادرات.

ومع ذلك، قال إسوار براساد، الأستاذ في جامعة كورنيل، والذي كان رئيساً لقسم الصين لدى صندوق النقد الدولي: «بينما قد يكون التحفيز المالي في نطاق 0.5 % - 1 %، مسهماً في تحقيق هدف النمو لهذا العام، لكنه لن يغيّر مسار استهلاك الأسر أو استثمارات القطاع الخاص بصورة جذرية، وهما ما يحتاج إليه الاقتصاد الصيني حقاً».

لكن ماذا لو كان الهدف من التحفيز ببساطة، يتمثل في دعم المعنويات المعززة للسوق؟ قال جورج ماغنوس، الخبير الاقتصادي لدى مركز الصين في جامعة أوكسفورد: «تنشد الأسواق هذه المكافأة الفورية، مثل إنفاق الحكومة المركزية ما يتراوح بين 1 % و2 % من الناتج المحلي الإجمالي، على مدى الاثني عشر شهراً المقبلة».

وفي حين يشكك ماغنوس في رغبة الحكومة، في واقع الأمر، في تحفيز الاقتصاد بالطرق التي تتوقعها الأسواق، إلا أنه من الممكن أن تحاول بكين التلميح إلى المستثمرين بأنها جادة في ضخ قدر مهول من الأموال مرة واحدة، يتراوح بين تريليون وتريليوني يوان، أي ما يتراوح بين 1 % و2 % من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2023، وما يعادل 140 إلى 280 مليار دولار أمريكي.

يمكن للحكومة أيضاً إرضاء شهية المستثمرين عن طريق خطوات أخرى، مثل إصدار مزيد من تأشيرات العمل، أو التخفيف من حملاتها على الشركات الغربية.

وفي ضوء الغموض الذي يكتنف ما تأمل الحكومة الصينية في تحقيقه، والطرق التي ستلجأ إليها، فليس بوسع المستثمرين الجادين المهتمين بالأسهم الصينية، إلا استراتيجية الانتظار والترقب. وعموماً، تكمن الركيزة الأساسية لأي تدخل فعال في الاقتصاد أو الأسواق في التواصل الواضح. ودونه، لن يكون هناك مجال للاستثمار، وإنما تكهنات.