إيان سميث - هارييت كلارفيت
أثارت عمليات بيع سندات الخزانة الأمريكية اضطرابات واسعة في الأسواق، بدءاً من الذهب وصولاً إلى العملات، وسط تحذيرات المستثمرين من استمرار التقلبات قبيل الانتخابات الرئاسية الشهر المقبل.
وتوشك السندات الحكومية الأمريكية على تسجيل أحد أسوأ شهورها في السنوات الأخيرة، مع ارتفاع عائدات السندات لأجل 10 سنوات بنحو 0.4 نقطة مئوية إلى 4.2%، مدفوعة بالبيانات الاقتصادية القوية و«رهان ترامب» الصاعد، مما دفع المتداولين إلى إعادة تقييم توقعاتهم لمسار أسعار الفائدة.
ويأتي هذا التحول بعد أسابيع قليلة من إشارة مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى إمكانية بدء حقبة من التيسير النقدي بخفض الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، وهو ما دفع المستثمرين إلى توقع المزيد من التخفيضات بمقدار ربع نقطة مئوية على الأقل خلال الاجتماعين المتبقيين لهذا العام.
ومع ذلك، تسببت قوة البيانات الاقتصادية والمراهنة على تزايد فرص فوز الجمهوريين وما قد يتبعها من سياسات التحفيز النقدي في تراجع المستثمرين عن هذه التوقعات.
ولاحظ مايك كودزيل، مدير المحفظة لدى شركة بيمكو، أن المستثمرين بدأوا «في التراجع عن بعض الحماس الزائد» الذي أعقب قرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة.
وقال «هذا الاتجاه استحوذ على الأسواق خلال الـ 18 شهراً الماضية، فالأسواق بمجرد أن تتشبث برواية ما تندفع وراءها، وأحياناً تتجاوزها، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل مبالغ فيه».
في الوقت نفسه، أوضح روب بروز، مدير صندوق السندات الحكومية في شركة إم آند جي للاستثمارات، أن بعض الرهانات الحذرة نابعة من «خوف المستثمرين من تفويت دورات خفض الفائدة»، الذين تأقلموا مع عصر انخفاض الفائدة الذي أعقب الأزمة المالية العالمية. وأضاف بروز: «مع وجود بيانات وظائف قوية تدعم فكرة أن التخفيضات الطفيفة ستكون كافية، أظهر السوق علامات قلق، وبات الأمر أشبه بمحاولة تدافع الجميع للخروج من الباب الضيق نفسه».
وامتد التأثير الأمريكي إلى الأسواق العالمية، فقد ارتفع الدولار بأكثر من 3% خلال الشهر الماضي، مسجلاً أفضل شهر له في عامين مقابل سلة من العملات. وأدى ذلك إلى تراجع الين الياباني إلى ما دون مستوى 150 يناً مقابل الدولار، مما دفع المسؤولين إلى التحذير من ضعف العملة، كما تأثر البيزو المكسيكي - الذي كان ضحية لتهديد الرئيس السابق دونالد ترامب بفرض رسوم على السيارات المستوردة.
وبحسب مارك كابانا، رئيس استراتيجية أسعار الفائدة الأمريكية في بنك أوف أمريكا، فإن البيانات الاقتصادية الأخيرة «استبعدت» الحاجة إلى خفض إضافي لأسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية، و«أجبرت» الأسواق على تعديل توقعاتها بشأن الركود المحتمل في الولايات المتحدة.
ويظهر نشاط التداول في أسواق المقايضات أن ثمة احتمالاً قوياً بأن يبقي الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة دون تغيير خلال أحد اجتماعيه المتبقيين هذا العام. وخلال الأسبوع الماضي، وصلت التقلبات في سوق سندات الخزانة أعلى مستوياتها منذ نهاية العام الماضي مع قيام المتداولين بتعديل مراكزهم، كما يظهر من مؤشر آيس بنك أوف أمريكا موف.
وأشار أكشاي سينغال، رئيس قسم تداول أسعار الفائدة قصيرة الأجل عالمياً في «سيتي غروب»، إلى أن «عدم اليقين ينبع من مصادر عدة، منها الأساسيات الاقتصادية ورد فعل الاحتياطي الفيدرالي والمشهد السياسي، والتي قد تؤدي إلى تغييرات في السياسة المالية».
وأضاف سينغال إن المسار المحتمل لخفض الفائدة «أوسع بكثير مما كان عليه في الماضي»، مع وجود سيناريو معقول مفاده أن الاحتياطي الفيدرالي قد لا يخفض الفائدة في عام 2025، في حين هناك سيناريو آخر يتضمن خفضاً بمقدار 1.25 نقطة مئوية أو أكثر.
ووفقاً للعديد من المستثمرين، كانت علامات التقلبات والشكوك الشديدة نتيجة زيادة تركيز السوق على بيانات الوظائف في أعقاب انخفاض التضخم. وقد مهد تقرير الوظائف الضعيف المفاجئ لشهر يوليو الطريق لقرار الاحتياطي الفيدرالي بخفض الفائدة بمقدار نصف نقطة، والذي أعقبه بعد شهرين تقرير الوظائف الذي فاق التوقعات.
وذكر ويليام فوغان، مدير المحفظة المشارك في براندواين غلوبال إنفستمنت مانجمنت، أن «التقلبات قائمة في الأمدين القريب والمتوسط» داخل أسواق السندات العالمية؛ حيث ينتظر المستثمرون الموازنة البريطانية، والانتخابات الأمريكية، وقرارات البنوك المركزية الرئيسية.
بالإضافة إلى ذلك، ثمة توقعات بأن تضاؤل فرص فوز ترامب قد عزز احتمالات فرض الرسوم الجمركية وخفض الضرائب وغيرها من السياسات الأخرى التي من شأنها أن تغذي التضخم المحلي وتفرض ضغوطاً تصاعدية على عائدات السندات.
وأشار الخبراء إلى زيادة ما يسمى بعلاوة الاستثمار طويل الأجل - حصة عائدات السندات طويلة الأجل التي لا تتوافق مع توقعات أسعار الفائدة قصيرة الأجل - كمؤشر لقلق المستثمرين إزاء المستويات المرتفعة للاقتراض الحكومي. وقد عززت حالة عدم اليقين في الساحتين المالية والسياسية الأصول الآمنة الأخرى، مثل المعادن الثمينة، مما ساهم في تسجيل الذهب مستويات قياسية.
ويستعد مستثمرو سندات الخزانة الآن لفترة طويلة من عدم اليقين، سواء فيما يتعلق بالانتخابات أم بالاقتصاد، حيث يتوقع أن تجعل الإضرابات والأعاصير في أكتوبر من الصعب تفسير بيانات الوظائف الأمريكية لهذا الشهر.
وقالت لورا كوبر، رئيسة الائتمان الكلي في نوفين، إنه «من الصعب تفسير موقفنا في الدورة الاقتصادية الأمريكية لأن هذه البيانات ستكون مشوشة ومعقدة للغاية». ورغم ذلك، يحذر بعض المستثمرين الآن من أن العائدات ربما ارتفعت إلى حد كبير، في وقت من المتوقع فيه أن يشهد دورة تيسير في الولايات المتحدة ومعظم البنوك المركزية الكبرى.
وسلط جيم كارون، كبير مسؤولي الاستثمار في مجموعة حلول المحافظ الاستثمارية لدى مورغان ستانلي لإدارة الاستثمار، الضوء على اتجاه التضخم نحو الانخفاض، وأن خفض الفائدة من قبل الفيدرالي لا يزال متوقعاً. وقال: «في النهاية، قد تظل عائدات السندات قيد الاحتواء، ومن غير المرجح أن يشير ذلك إلى بداية اتجاه جديد نحو ارتفاع العائدات، بل مجرد تعديل».
ويرى إد الحسيني، كبير استراتيجيي أسعار الفائدة العالمية في كولومبيا ثريدنيدل للاستثمارات، أن «البندول قد تحول إلى الجانب الآخر»، حيث تحول من المبالغة في تقدير المستثمرين للتخفيضات المتوقعة من الفيدرالي إلى الحد منها.
وقال: «انطباعي هو أن الأسواق حالياً، بسبب حماسها الشديد للنمو، وحساسيتها المفرطة تجاه العجز المالي المتزايد، تقلل من تقدير مدى الإجراءات التي يتعين على الاحتياطي الفيدرالي اتخاذها.. وهذه مخاطرة أنا على استعداد للقيام بها».